بانوراما الانتخابات الرئاسية الإيرانية
تياران مهمان سيتواجهان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 28 حزيران/يونيو المقبل. الأول، “جبهة الصمود” التي تضم أحزابًا وتيارات محافظة.
التيار الثاني، “جبهة الإصلاحات” التي تتألف من 31 حزبًا ومنظمة وجمعية إصلاحية باشراف السيد محمد خاتمي وقررّت المشاركة في الإنتخابات في حال تم تأييد مرشح إصلاحي واحد أو أكثر من قبل مجلس صيانة الدستور..
وإلا ستقاطع الإنتخابات. الكرة الآن في ملعب مجلس صيانة الدستور، فهل سيُمهد الطريق للمصادقة على مرشحي الإصلاحيين أم أنه سيستبعدهم من الانتخابات تمامًا؛ وفي الوقت نفسه، هل سيقبل ترشيحات العديد من المرشحين المحافظين؟.
الأكيد أنه في ضوء تعامل “صيانة الدستور” مع الترشيحات، يتحدد ما إذا كانت المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون ضعيفة أم كبيرة لا بل ربما تكون قياسية.
في ظل هذه الظروف، من ستدعم “جبهة الصمود” من بين ثلاثة مرشحين بارزين: برويز فتّاح، سعيد جليلي أم رجل الأعمال صادق محصولي (وزير الداخلية في عهد الرئيس أحمدي نجاد)؟ تشير المعطيات إلى أن دعم فتّاح أو جليلي أصبح نقطة خلاف بين معسكرين في “جبهة الصمود”؛ أحدهما ينحاز إلى فتّاح الذي يدخل المنافسة الرئاسية للمرة الأولى والآخر إلى جليلي صاحب تجربتين سابقتين في الانتخابات الرئاسية (خسر في عام 2013 واحتل المرتبة الثالثة وانسحب في عام 2021 لمصلحة إبراهيم رئيسي).
ومن المعروف أن فتّاح من العسكريين الذين خلعوا الزي العسكري وارتدوا البدلة المدنية. بدأ فتّاح مسيرته المهنية في “جهاد البناء” في أذربيجان الغربية قبل انضمامه إلى الحرس الثوري الإيراني مع بداية الحرب العراقية الإيرانية في عام 1979، قبل أن ينضم في مرحلة لاحقة إلى “مقر خاتم الأنبياء للبناء” ليصبح نائب رئيس المقر (2009 ـ 2010).
في حكومة أحمدي نجاد الأولى، تولى فتّاح وزارة الطاقة.. وفي الفترة من 2015 إلى 2019، تم تعيينه بمرسوم من المرشد رئيساً للجنة الإمام الخميني للإغاثة، ومن 2019 إلى 2023 رئيساً لمؤسسة المستضعفين، ومنذ ذلك العام حتى اليوم صار رئيسًا للهيئة التنفيذية لأمر الإمام الخميني (بالفارسي “ستاد اجرايي فرمان امام”)، وهي واحدة من أكبر المؤسسات الاقتصادية في إيران. والملاحظ أنه مع تراجع الإصلاحيين في السنوات الأخيرة، أصبح معسكر الأصوليين عرضة لعملية فرز بين محافظ متطرف أو وسطي أو معتدل إلخ..، حتى أن بعض أعضاء الجناح المحافظ التقليدي، مثل علي لاريجاني، حسن روحاني وعلي أكبر ناطق نوري، أصبحوا جزءًا من الفريق المعتدل أو الإصلاحي في معسكر المحافظين نفسه!
ترك سعيد جليلي بصمته المميزة خلال فترة قيادته فريق المفاوضات النووية بين إيران و5+1 بين العامين 2007 و2013 كما لديه خبرة في أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الذي ما زال عضواً فيه. وحاليًا، يشغل جليلي عضوية المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، فضلًا عن عضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام. ويُقدّر بعض المحلّلين أن قاعدة دعم جليلي في الانتخابات القادمة تقدر بحوالي 6 ملايين صوت، وهو رقم لا يكفي للفوز.
ربما في مثل هذه الظروف، تكون قد انتهت فرصة جليلي ولو أنه قرّر الترشح، وربما أيضًا هناك جزء من “جبهة الصمود” لديه النية في التجديد وبالتالي تقديم برويز فتّاح، الذي لا ينافسه فعلياً أحد أكثر من محمد مخبر؛ فقد كان نائبًا لابراهيم رئيسي ولعب دورًا محوريًا في الحكومة الثالثة عشرة. وإذا كان قرار المرشد هو “الاستمرار بخيار ومسار رئيسي”، تصبح الأولوية للرئيس الحالي بالوكالة ونائب الرئيس الإيراني سابقاً محمد مُخبر على فتّاح، طبعاً إذا سُمح له قانونيًا بالترشح.
وعندما سُئل مُخبر عن احتمال ترشحه أجاب: “ليس لدينا أي قلق سوى تقديم الخدمات وتنفيذ توجيهات الشهيد الرئيسي”. تصريح مُخبر يمكن تقييمه على نحوين، وهو يظل غامضًا ومفتوحًا للتفسير. وحتى الآن، لم ينف الرجل بوضوح ترشحه للانتخابات. جنتي: لاريجاني أولًا! ويقول علي جنتي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق، والقريب من الشيخ حسن روحاني، إنه من حيث الخبرة الإدارية، الأولوية للدكتور لاريجاني الذي قدّم ترشيحه رسميًا اليوم (الجمعة) وذلك بناءً على سجله السابق الذي يشمل عشر سنوات من الخبرة الإدارية في التلفزيون والإذاعة، ولديه خبرة تنفيذية ملحوظة “وكان ناجحًا للغاية”. كما شغل منصب رئيس البرلمان لمدة 12 عامًا (ثلاث دورات).
وعمل لفترة أمينًا لمجلس الأمن القومي وتابع مسائل الطاقة النووية مباشرة وتميز في ملف العلاقات الخارجية والسياسة الخارجية.. ويضيف جنتي: “برغم أن لاريجاني معروف في معسكر الأصوليين، إلا أنه في الوقت نفسه يُعتبر أصوليًا معتدلًا، وهو ما يميل إليه العديد من الإصلاحيين المعتدلين أيضًا”. وعن الترشح المحتمل لجليلي وفتّاح ومخبر، يقول جنتي: “بالترتيب، الأولوية للسيد مخبر ثم فتّاح وجليلي. السيد مخبر يحصل على ثقة كاملة من الحكومة والنظام، ونظرًا لأنه شغل منصب نائب الرئيس في الحكومة الثالثة عشرة، من المنطقي أن يكون قادرًا على متابعة مسار الراحل الرئيسي وأن تظل تركيبة الحكومة الحالية دون تغيير كبير، لذا فرص السيد مخبر على الأرجح أكبر بكثير من غيره”.
بدروه، قال لاريجاني بعد تسجيل ترشحه للانتخابات الرئاسية، إن حل المشاكل الاقتصادية للمواطنين ومكافحة الفساد سيكون أولوية سياسته الداخلية، وحل مشكلة العقوبات الدولية ضد إيران سيكون أولوية سياسته الخارجية، ورأى أن استراتيجية إيران الخارجية ستكون جعل المنطقة بأكملها آمنة وقوية. وشدد على أن إيران تحدد تعاونها مع الأقطاب العالمية على أساس المصالح الوطنية والأمن القومي فقط، ورأى أنه نظرًا لظروف إيران “فإن إنشاء بنية دفاعية قوية للقوات المسلحة مأخوذ في الاعتبار”.
بالنسبة لمحمد باقر قالیباف، هناك تكهنات بأنه قد يدخل المنافسة الانتخابية. السؤال الذي يطرح نفسه هو بعد أن تولى قالیباف منصب رئيس مجلس الشورى الإسلامي لمدة سنة، هل سيدخل مرة أخرى في سباق رئاسة السلطة التنفيذية أم لا؟ قاليباف نفسه عندما سُئل عن الأمر لم ينف ولم يؤكد أمر ترشحه للرئاسة، إلا أن علي رضا نوری قزلجه، النائب المستقل في مجلس الشورى الإسلامي، يقول: “السبب الرئيسي وراء قرار الفريق المستقل في مجلس الشورى الإسلامي بالتصويت لقالیباف رئيساً للمجلس هو أن قالیباف أعلن رسميًا أنه سيظل في البرلمان ولن يترشح أبدًا لرئاسة الجمهورية”..
ومن المحافظين المعتدلين المرشحين للرئاسة الايرانية، علي اكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة النووية الايرانية الأسبق الذي لعب دورًا بارزًا في توقيع الاتفاقية النووية في عام 2015. وثمة تقارير تتحدث عن إمكانية دخول محمد زاکاني، عمدة طهران، في المنافسة الانتخابية أيضًا من جانب فريق المحافظين، ولكن الرجل نفسه نفى أيضًا احتمال مشاركته في الانتخابات الرئاسية ولو بإجابة مبهمة.
زاکاني قال: “نأمل أن تُسعِد الأعمال التي نقوم بها روح الشهيد إبراهيم رئيسي وأن نظل نخدم الناس بشكل مستمر”. أما رئيس الجمهورية الأسبق، محمود أحمدي نجاد، فلا يزال متردداً بسبب غموض موقف مجلس صيانة الدستور سواء بقبول ترشيحه أو برفض تأهيله. ويقول المقربون منه إنه إذا توصل إلى استنتاج بأن تأهيله سيتم رفضه، لن يقدم ترشيحه إلى الانتخابات، ولكن إذا تبين أن “صيانة الدستور” سيوافق على تأهيله، فبالتأكيد سيكون واحدًا من أقوى المرشحين المحافظين.
يسري ذلك على محسن رضائي، القائد السابق لحرس الثورة الإسلامية والمسؤول في الشؤون الاقتصادية في الرئاسة. قال رضائي إنه يبذل جهودا للتوصل إلى توافق بين المرشحين الأصوليين للتوصل إلى مرشحين أو مرشح واحد. ولكن إذا لم يتم التوصل إلى هذا التوافق، فمن الممكن ان يُقرّر الترشح بنفسه.
كما أن مهرداد بذرباش، وزير النقل في حكومة ابراهيم رئيسي، هو أحد مرشحي “جبهة الصمود” في إيران. وقد نجح في تحقيق نجاح كبير في الانتخابات البرلمانية الاخيرة من خلال تأسيس تيار يُعرف بـ”الشريان”. ويُشاع بشكل غير رسمي أنه قد يتم الإعلان عن تحالف بينه وبين محمد مُخبر، نائب رئيس الجمهورية، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويُصنف غلام علي حداد عادل من بين المرشحين المحتملين عن التيار المحافظ. من هو مرشح الإصلاحيين؟ بالنسبة إلى فريق الإصلاحيين، فإن السيد محمد الصدر، هو أحد أبرز مرشحي “جبهة الإصلاحات”، وقد أعلن أنه استشار الرئيس الأسبق محمد خاتمي بخصوص ترشحه وكانت وجهة نظره إيجابية “وطلب مني التسجيل للترشح ولكنني لم اتخذ القرار النهائي”. يذكر أن الصدر، هو عضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام وكان ديبلوماسيًا سابقًا في وزارة الخارجية الإيرانية، وهو ابن شقيق الإمام المغيب السيد موسى الصدر. وتشمل الأسماء الأخرى من الإصلاحيين إسحاق جهانغيري، النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني، ومحمد رضا عارف (النائب الأول للرئيس الأسبق محمد خاتمي).
ومن المفيد الإشارة إلى محسن هاشمي رفسنجاني، النجل الأكبر للرئيس الراحل الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يُعتبر مرشحًا إصلاحيًا محتملاً في الانتخابات الرئاسية. ويُعتبر مسعود پزشکیان، النائب عن تبريز في البرلمان، جزءًا من التيار الإصلاحي في إيران، وهو أعلن عزمه الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن إذا توصلت الجبهة الإصلاحية إلى توافق، فسيعمل في النهاية ضمن هذا التوافق.
بدروه، عبد الناصر همّتي، الرئيس السابق للبنك المركزي ومرشح الدورة السابقة لرئاسة الجمهورية، أبدى رغبته بالترشح لرئاسة الجمهورية. ومع ذلك، إذا توصلت “الجبهة الإصلاحية” إلى توافق على ترشيح مرشح محدد، فلن تكون لديه فرصة في الانتخابات المقبلة. محمد شريعتمداري، وزير التجارة السابق في إيران في عهد الرئيس خاتمي، يُعتبر أحد المرشحين المحتملين للإصلاحيين.
تم تكليفه بمسؤوليات من قبل القيادة الإيرانية التي قد تزيد من فرصة تأكيد كفاءته من قبل مجلس صيانة الدستور، لذا لديه فرصة ليتم تقديمه من قبل جبهة الإصلاحات كمرشح في انتخابات رئاسة الجمهورية. في الختام، يمكن القول إن الكرة في ملعب مجلس صيانة الدستور. إذا تم تأييد تأهيل مرشح إصلاحي واحد من قبل المجلس، سيُشكل ذلك بلا شك تهديدًا جديًا للمحافظين الذين سيشاركون بأكثر من مرشح واحد، علمًا أن وجود مرشح انتخابي إصلاحي يُمكن أن يزيد مشاركة الناس في الانتخابات إلى أكثر من 65% وفي هذه الحالة، سيفوز المرشح الإصلاحي بالتأكيد.
180Post
إضافة تعليق جديد