المودعون في البنوك اللبنانية يواجهون مشروع إعدام أموالهم في البرلمان

18-07-2024

المودعون في البنوك اللبنانية يواجهون مشروع إعدام أموالهم في البرلمان

مرّ حوالي خمس سنوات على احتجاز أموال المودعين في المصارف اللبنانية. ورغم ذلك، يستمر المودعون في رفع أصواتهم للمطالبة بتحرير ودائعهم، معبرين عن رفضهم لأي محاولة لشطبها.

وفي هذا السياق، تناقش اللجان النيابية مشروع قانون وصفته جمعية “صرخة المودعين” بأنه يحتوي على “خطط شيطانية لسرقة ودائعهم وتصفية قضيتهم”.

نظّمت الجمعية وقفة احتجاجية أمام المجلس النيابي يوم الاثنين، للتعبير عن رفضها القاطع لمشروع القانون الذي تناقشه اللجان النيابية، خصوصاً المادة الخامسة التي تنص على فك الارتباط بين المصارف والمودعين.

هذه المادة تشير إلى إمكانية تسجيل الودائع لدى مؤسسة ضمان الودائع، التي ستشتري الوديعة على مراحل بناءً على الإمكانيات المتاحة من أرباح الصندوق والهبات من الخزينة اللبنانية.

الشروط تشمل أن تكون الوديعة معروفة المصدر وناتجة عن أعمال مشروعة، وتسديد الضرائب المستحقة عليها، وتحويل الودائع القائمة بتاريخ 1 أكتوبر 2019 من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي بسعر صرف 1515 ليرة للدولار الواحد.

كما تشمل الشروط عدم نشوء الوديعة بعد 1 أكتوبر 2019، باستثناء ودائع الأجراء والموظفين الناتجة عن علاقة العمل، وتخفيض الفوائد على جميع الودائع إلى 1.5% سنوياً. بالإضافة إلى ذلك، لن تخضع الودائع التي لا تزيد عن 300 ألف دولار لعملية التدقيق.

خلال الوقفة أمام المجلس النيابي، رفع المودعون شعارات ترفض رد ودائعهم عبر “صناديق وهمية”، مطالبين بتحرير أموالهم فوراً. يعاني القطاع المصرفي في لبنان من أزمة خانقة منذ عام 2019، أدت إلى تجميد الودائع، وانهيار قيمة الليرة اللبنانية، وفقدان الثقة بالمؤسسات المالية.

عقدت اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان المشتركة، برئاسة النائب إبراهيم كنعان، اجتماعها الثاني لدراسة اقتراح إنشاء مؤسسة مستقلة لإدارة أصول الدولة وصندوق ائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها.

ناقشت اللجنة توقيت ومكان طرح قضية الودائع في إطار القوانين المطروحة، خاصة قبل إنهاء الحكومة عملية توزيع الالتزامات بين الأطراف المعنية بالانهيار المالي وحماية حقوق المودعين.

وصف النائب كنعان عمل اللجنة بأنه يهدف إلى الوصول إلى قواسم مشتركة بين الكتل النيابية والنواب المستقلين لتحسين خدمة المواطن، وتأمين حقوقه، وتعزيز الاقتصاد وإيرادات الدولة في ظل إدارة كفؤة وشفافة.

جمعية “صرخة المودعين” تعتبر مشروع القانون المقترح “ظالم وفاسد وخطير”، وترفض فصله بين المودع والمصرف وتحويل التزامات المصارف إلى صندوق تابع للدولة، مما قد يؤدي إلى شطب جزء كبير من الودائع تحت ذريعة شطب الفوائد التي تتجاوز 1.5%.

الجمعية عقدت لقاء مع النائب سيزار أبي خليل لمناقشة مخاوفها حول المشروع.

الخبير الاستراتيجي محمد فحيلي انتقد المادة الخامسة من مشروع القانون، متسائلاً عن حدود مؤسسة ضمان الودائع والاتهامات الموجهة لمن يمتلك وديعة تتجاوز 300 ألف دولار.

يعبر فحيلي عن رفضه لإنشاء “صندوق استرداد الودائع”، مشيراً إلى التحديات المتعلقة بتأمين رأس المال الأولي، وشفافية إدارة الصندوق، وكسب ثقة الجمهور، والنفوذ السياسي الذي قد يقوض عمليات الصندوق.

يشير فحيلي إلى أن الودائع تعتبر ديناً على المصارف، ومن الخطأ تصنيفها عبر تعاميم مصرف لبنان أو القوانين والمراسيم الصادرة عن السلطة.

يعتقد أن الهدف من هذه الإجراءات هو إبقاء الوضع كما هو حتى تتبخر الودائع. منذ أبريل 2020، لم يصبح أي مشروع قانون متعلق بالودائع قانوناً فعلياً.

يرعى قانون الموجبات والعقود الأحكام المتعلقة بالوديعة، كما يوضح الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة “جوستيسيا” الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ. وفقاً للمادة 690 من هذا القانون، فإن “الإيداع عقد يُلزِم الوديع بحفظ الوديعة وردّها للمودع”. وتشير المادة 696 إلى أن “الوديع يجب أن يسهر على صيانة الوديعة كما يسهر على صيانة أشيائه الخاصة”.

أما بشأن مسؤولية الوديع، فتنص المادة 700 على أنه “إذا استعمل الوديع الوديعة أو تصرّف فيها بلا إذن من المودع، يكون مسؤولاً عن هلاكها أو تعيّبها، حتى لو كان السبب حادثاً خارجياً”.

وبالإضافة إلى ذلك، يوضح قانون التجارة في المادة 307 المتعلقة بعمليات المصارف، أن المصرف الذي يتلقى مبلغاً نقدياً كوديعة يصبح مالكاً له، ويجب عليه أن يرده عند أول طلب من المودع أو وفق شروط المهل المتفق عليها، مع توثيق جميع العمليات الخاصة بالوديعة أو بإرجاعها بوثائق خطية.

وفقاً لمرقص، فإن شطب أموال المودعين يخالف هذه الأحكام القانونية، بالإضافة إلى المادة 122 من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي (المرسوم رقم 13513 الصادر في 1/8/1963) وتعديلاته، التي تعتبر الودائع أموالاً متلقاة من الجمهور. كما يعتبر ذلك مخالفاً للدستور اللبناني الذي يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.

ويؤكد مرقص أن شطب أموال المودعين يتطلب تعديلات قانونية، لكنها ستكون غير دستورية لأنها تتعارض مع مبادئ الدستور التي تحفظ الملكية الخاصة. كما يشدد على أن المصرف المركزي والسلطة اللبنانية لهما دور كبير في حماية حقوق المودعين.

جمعية “صرخة المودعين” تقدر إجمالي الودائع بالدولار في المصارف اللبنانية بنحو 77 مليار دولار، بينما يملك مصرف لبنان 9 مليارات دولار فقط. وطالبت الجمعية حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بتوزيع مليار دولار على المودعين كخطوة إسعافية لتخفيف معاناتهم، لكن هذا الطلب لم يُستجب له حتى الآن.

يرى مرقص أن اتجاه السلطة اللبنانية نحو شطب أموال المودعين هو نتيجة للإدارة الفاشلة للاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي. ويشير إلى أنه لا توجد سابقة قانونية لشطب أموال المودعين في لبنان، حيث حافظت الدولة تاريخياً على الودائع حتى في أزمات مصرفية سابقة.

مع استمرار النزاعات بين المصارف اللبنانية والمودعين، لجأ العديد من المودعين إلى رفع دعاوى قضائية داخل وخارج لبنان لتحصيل ودائعهم. وأصدرت المحاكم الأجنبية قرارات لصالح المودعين بناءً على قواعد قانونية، مما أثار استياء المصارف اللبنانية التي طالبت بحمايتها من هذا النوع من الدعاوى وإقرار قانون الكابيتال كونترول.

كما رُفعت دعاوى أمام المحاكم اللبنانية رفضاً للجوء المصارف إلى تسديد مستحقاتها للمودعين عبر شيكات مصرفية بدلاً من التحويلات المصرفية المطلوبة. وقد حكمت محكمة استئناف بيروت لصالح المودعين، مؤكدة أن المصرف ملزم بتأدية الخدمات المصرفية التي يطلبها العميل.

تعتبر جمعية “صرخة المودعين” أن تقاعس مجلس النواب عن إقرار أي قانون ينصف المودعين أدى إلى تفاقم الأزمة وفقدان العديد من المودعين لأموالهم. وتنتقد بشدة التعميم 158 الصادر عن مصرف لبنان، مشيرة إلى أن تعديل الحاكم منصوري للتعميم قلص السحب المصرفي إلى 400 دولار شهرياً فقط.

وتؤكد الجمعية على أهمية رفع سقف السحوبات إلى 800 دولار نقداً شهرياً لاستعادة جزء من القدرة الشرائية للمودعين. وكشفت عن واقعة مؤلمة لمودع طلب تحويل مبلغ مالي لإجراء عملية جراحية في القلب، لكن المصرف رفض إلا بعد خصم 85% من قيمتها.

يرى الخبير المصرفي محمد فحيلي أن الودائع ليست منسية أو محتجزة، بل هناك ضوابط قاسية وغير قانونية مبررة اقتصادياً ونقدياً بسبب جفاف السيولة. ويؤكد أن المصارف تعترف بأرصدة الودائع وتقدم كشوف حساب لأصحابها، مشيراً إلى أن التحليلات حول مصير الودائع للاستهلاك الإعلامي فقط.

فحيلي يعتقد أن أداء السلطات اللبنانية والمصارف التجارية ما زال دون المستوى المطلوب. ويشير إلى أنه حتى الآن، لم تصدر الحكومة أي توجيهات جدية للإفراج عن الأموال المجمدة. المصارف تعمل وفقاً لتوجيهات مصرف لبنان، الذي يوفر لها الحماية القانونية الوحيدة.

حول الحماية القانونية لإعادة الودائع، يؤكد فحيلي أن القضاء يبقى مساراً ممكناً طالما أن المصارف لا تتنكر لحقوق المودعين، لكنه يشكك في فعالية هذا المسار في الوقت الحالي.

أما بخصوص التدخلات الدولية، يوضح فحيلي أن المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحاول الدفع نحو الإصلاحات، لكن المساعدات الدولية لم تحقق نجاحاً حتى الآن.
خطوات استعادة الودائع

تعمل السلطات حالياً على حلول تشمل قانون “الكابيتال كونترول” وتعديل قانون “السرية المصرفية”، لكن أي من هذه القوانين لم يُقر بعد بسبب الاعتراضات. يعتبر مرقص أن الحلول المفيدة تكمن في الشفافية ووضع خطط اقتصادية من قبل خبراء والتعاون على كافة المستويات لإنقاذ الدولة.

مرقص يدعو إلى تنشيط القطاعات الإنتاجية وحسن إدارة الأصول والعقارات لسد الفجوة الكبيرة بين السيولة المتوفرة لدى المصارف والسيولة التي يمكن تحصيلها من إدارة الموارد بشكل صحيح. ويحذر من أن شطب أموال المودعين سيكون كارثة على المصارف والمودعين على حد سواء.

فحيلي يوضح أنه في الاقتصاد، لا يوجد مفهوم لإعادة تكوين الودائع وسدادها بالكامل. المطلوب الآن هو استعادة الثقة في القطاع المصرفي، وهو ما لا يمكن تحقيقه بمحاولة سداد كل الودائع. يجب على المصارف التجارية بناء السيولة اللازمة لتلبية طلبات العملاء على السحب والقروض، ودعم المصرف المركزي في هذا المسعى.

يؤكد فحيلي أن مسؤولية السلطة هي التحرك نحو الإدارة الفعالة لجميع أصول الدولة. تنفيذ الإصلاحات في إدارة مؤسسات القطاع العام يمكن أن يعزز إيرادات الدولة ويساهم في تحقيق ميزانية متوازنة.

تحسين التصنيف الائتماني للبنان سيعزز العلاقة بين المصارف اللبنانية والمصارف المراسلة، مما سيفيد المصارف التجارية في لبنان. وفي بيئة اقتصادية داعمة، يمكن أن تعود المصارف لتقديم مجموعة متنوعة من الخدمات للمودعين والمقترضين.
خيارات قانونية

إذا لم تُعاد أموال المودعين كما وعدت الحكومة، يرى فحيلي أن الحلول يجب أن تكون شاملة وتأتي من خلال إصدار تشريعات وقوانين بحجم القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني.


جمعية “صرخة المودعين” تؤكد على استمرار نضالها لاستعادة حقوق المودعين، محذرة من تبني مشاريع تصادر أموالهم وتفاقم الأزمة المالية في البلاد.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...