108 خبراء يحذرون من إقرار قانون النفط العراقي
ثغر قانون النفط والغاز العراقي كثيرة، أساسها يتمثّل في عدم وضوح رقابة مجلس النوّاب وصلاحيّاته في إقرار العقود ومراقبة الحقول المنتجة، إلى جانب مدى قدرة شركات الاستثمار على التأثير في إدارة الثروة النفطيّة ودور شركة النفط الوطنيّة، في ظلّ إمكانات بلاد الرافدين إعادة إنتاجها النفطي إلى ما كان عليه قبل حرب الخليج الأولى، من دون عقود المشاركة.
وحاول أكثر من 108 خبراء اقتصاديين، في بيان أصدروه أمس، الإضاءة على مخاطر قانون الثروة النفطيّة الغازيّة، داعين مجلس النوّاب العراقي إلى التأنّي وعدم الاستعجال في إصداره قبل إجراء تعديلات عليه تضمن حقوق المواطن ومصلحته.
وأشار البيان إلى ضرورة عدم إغفال قطاع الصناعات التحويلية، المتضمّنة للتصفية والتوزيع وصناعة الغاز، مع إعطاء الأولوية لـ«تشريع قانون شركة النفط الوطنية العراقية»، موضحاً أنّ ما يجري الآن من نقاشات حول التعديلات الدستوريّة، وبينها فقرات متعلّقة بالثروة الوطنيّة، يفرض من الناحيتين القانونية والفنية «التريّث».
وفي ما يتعلّق بعقود تراخيص الاستكشاف والتطوير والإنتاج، التي تؤلف العمود الفقري للقانون، فإنّه من الأهميّة بمكان، بحسب البيان، «التأكيد على دور مجلس النوّاب في المصادقة عليها أسوة بما يجري في بلدان العالم» لأنّه وللأسف «لاحظنا اقتصار صلاحيّاته» على هذا السياق.
وعن الملاحق الأربعة المرفقة بالقانون، يشدّد الخبراء النفطيّون على ضرورة مناقشتها لكونها جزءاً لا يتجزأ من القانون المقترح، بحكم تضمّنها مسألة تحديد وضع الحقول المنتجة والمكتشفة غير المطوّرة، القريبة من مراكز الإنتاج تحت مسؤولية شركة النفط الوطنية المزمع استحداثها، وهو ما دفع إلى التوصية بإحالة هذه الملاحق لاحقاً إلى المجلس الاتحادي للنفط والغاز للنظر بها «وهو ما لا يعالج المسألة بحسب تقديرنا».
وحذّر البيان من أنّ إمرار القانون من دون الانتباه إلى التبعات المتوقعة من تنافس بين الأقاليم والمحافظات، وما قد يترتب عليه من نزاعات، ستؤول لا محالة إلى تكريس حالة الانقسام والفوضى والشرذمة، مورداً مثالاً على ذلك، الإعلان المنفرد لحكومة إقليم كردستان القاضي بعرض 40 قطعة استكشافية للاستثمار الأجنبي، من دون حتى انتظار القانون الاتحادي، إلى جانب انتفاء خطة مركزية مقرّة.
ومع تأكيد البيان على ضرورة تولّي شركة النفط الوطنية العراقية «مسؤولية إدارة الحقول المنتجة والمكتشفة وعدم التنازل عن أي من الاحتياطات النفطية وبأي صيغة تعاقدية لجهات أجنبية»، يشدّد الخبير النفطي الدولي، وكيل وزارة النفط العراقية الأسبق، فاضل الجلبي، على أنّ الشركة الوطنيّة قادرة، وبالاستعانة فقط بعقود الخدمات من دون عقود المشاركة، على إعادة إنتاج النفط العراقي إلى مستوياته الذهبيّة التي تقارب ما كان عليه قبل الحرب الإيرانيّة ـــــ العراقيّة، أي بحدود 4 ملايين برميل يوميّاً.
وبحكم امتلاكها إمكانات كبيرة جداً من النفط المخزون تحت الأرض، تستطيع بلاد الرافدين، في الظروف المؤاتية، «إنتاج ما بين 6و8 ملايين برميل نفط يومياً حتى نهاية القرن الجاري لأنّ البنية التحتية تساعد على الوصول إلى الهدف المذكور»، بحسب الجلبي، الذي عبّر عن رؤيته في رسالة عن «عقود إنتاج النفط» بعثها إلى نائب رئاسة مجلس النوّاب العراقي خالد العطية.
وبيّن الجلبي أنّ عقد المشاركة في الإنتاج هو عقد تجاري طويل الأمد بين مستثمر أجنبي والجهة الحكومية المختصّة في العراق، للاستثمار في القطاع النفطي وتطويره «من دون المساس بسيادة الحكومة على مواردها النفطية»، وذلك عكس عقود امتيازات النفط (التي تمّ تأميمها في السبعينيات من القرن الماضي). وأوضح أنّ أمد العقد يتوقّف على اتفاق الطرفين، حيث حدّده نظام الرئيس السابق صدّام حسين بـ 20 عاماً، يجوز تمديدها خمسة أعوام.
والميزة المهمّة، التي تجنيها شركات النفط من هذه العقود، بحسب الجلبي، هي ضمان احتجازها لفترة طويلة من النفط الخام، الأمر الذي يساعدها على تثبيت مركزها المالي، وذلك بالنسبة لها أهم من الربح الذي يتمّ تحقيقه من البرميل الواحد، الذي تأخذه بصفته حصّة من الإنتاج.
وقد أصبحت مسألة ضمان الوصول إلى الاحتياطي مهمة جداً للشركات في الآونة الأخيرة، بعد انحدارها بسبب احتجاز الجزء الأعظم من الاحتياطي العالمي من شركات النفط الوطنية في الدول الأعضاء في منظمة «أوبك». غير أنّ مثل هذا الاحتجاز للاحتياطي ليس من شأنه الإضرار بمصالح العراق النفطية، ما دام لا يمس قيمة البرميل المنتج بموجب الأسعار العالمية.
وأشار الجلبي إلى أنّ المبادئ الرئيسية لهذا النوع من العقود تنحصر في أن يتحمّل المستثمر الأجنبي مخاطرة رأس المال في التحرّي عن النفط لإيجاد حقول نفطية جديدة، أو تطوير حقول مكتشفة تُركت من دون تطوير، منذ عام 1980. وعند بدء الإنتاج، يسترجع المستثمر الأموال التي صرفها على شكل نفط خام محسوبة بالأسعار العالمية السائدة في وقت الإنتاج.
ومن حق المستثمر الأجنبي أن يحقّق ربحاً على استثماره، وبموجب النمط العام لاتفاقات المشاركة في الإنتاج، يكون الربح الذي يستحقّه على شكل نسبة من الإنتاج الباقي بعد طرح كميات نفط الكلفة، وهذا يسمّى بنفط الربح، وتحديد تلك النسبة يكون موضع تفاوض بين الطرفين بحسب مخاطر الاستخراج.
وتابع الخبير النفطي شرح الاختلافات الواسعة حول تحديد نسبة الربح من الإنتاج وحصة الحكومة حيال حصة المستثمر، موضحاً أنّ ما يعود للحكومة يراوح بين 60 في المئة و90 في المئة من الإنتاج الباقي. وعلى الرغم من أن نسبة حصة المستثمر بقيت سرية في المفاوضات بين الحكومة والشركات الأجنبية خلال التسعينيات من القرن الماضي، فإنّ المبدأ العام قام على أساس أن قسمة الإنتاج وتحديد حصّة المستثمر تأخذ في الحساب «العائد المعقول» على رأس المال، كيلا يحقّق الأخير أرباحاً غير مشروعة.
وعن «مدى الحاجة لعقود المشاركة في الإنتاج»، قال الجلبي إنّها تتوقّف على الهدف الإنتاجي في السياسة الاقتصادية للبلد، وبالتالي فإنّ الخيار المبدئي هو سياسي، يتوقف على الهدف من تطوير القطاع النفطي العراقي. فإذا كان الإسراع في التطوير هو المطلوب، فإنّ عقود مشاركة الإنتاج هي الثمن الواجب دفعه، وفي حالة عدم استعداد العراق لدفع هذا الثمن فمن المشكوك فيه جداً تطوير الطاقات الإنتاجية بالسرعة المطلوبة من دون تلك العقود.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد