تطبيق نموذج ليبيا على سوريا وإيران
الجمل: يبدو أن إدارة الرئيس بوش، لم تتعلم شيئاً من الدرس العراقي، وما يزال البيت الأبيض منهمكاً في انتهاج سياسة الولع بالحرب ضد سوريا وإيران، وهي السياسة ذاتها، التي قادته إلى غزو العراق. وفي الوقت الذي ترتفع فيه أصوات كثير من المحللين، مؤكدة فشل استراتيجية الضربة الاستباقية كمبرر للاعتداء والغزو، فإن إدارة بوش، على ما يبدو، ما تزال غير مكترثة لأصوات الأفكار الجديدة الصحيحة.
الانعزال وليس القتال:
عندما فاحت الرائحة الكريهة للاحتلال الأمريكي في العراق، قامت الإدارة الأمريكية بمحاولة التغطية على الموضوع، عن طريق اتهام سوريا بالجرم المزدوج: إخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتسهيل حركة نقل المقاتلين الأجانب إلى داخل العراق. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الرئيس بوش قام بفرض عقوبات تجارية ودبلوماسية على دمشق، بموجب قانون: محاسبة سوريا، والحفاظ على السيادة اللبنانية. وقد طالب القانون الرئيس بوش بفرض تطبيق العقوبات، حتى ترضخ دمشق لبعض الشروط المحددة، ومن بينها: وقف دعم الإرهاب، انسحاب القوات السورية من لبنان، وتجميد عملية تطوير الأسلحة غير التقليدية وإيقافها نهائياً.
في مطلع أيلول عام 2004، دعمت الولايات المتحدة بشدة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، الذي طالب بانسحاب القوات السورية من لبنان. وبعد ذلك بأسبوع، صرح مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، وليام جي بورنز، خلال زيارته لإسرائيل، بأن على سوريا اتخاذ "إجراء ملموس" في التعاون مع حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وذلك عن طريق إيقاف دعمها وتأييدها للفصائل الفلسطينية المسلحة الموجودة في دمشق. وأعلن نائب وزيرة الخارجية الأمريكية ريتشارد أرميتاج، في اليوم التالي، بأن سوريا تتحمل جزءاً من المسؤولية عن تفجير حافلة بير شبعا، بسبب علاقتها مع حماس وحزب الله. ولم يقدم تفاصيل أو دليلاً محدداً يدعم صحة استنتاجه.
بعد زيارته لإسرائيل، زار وليام جي بورنز دمشق، في منتصف أيلول 2004، حيث أعلن للصحفيين والمراسلين، أنه قد آن الأوان لتضع دمشق نهاية لعملها، وتوقف تدخلها في الشؤون الداخلية اللبنانية، وتسحب قواتها من لبنان. وفي الوقت نفسه تقريباً أشار الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة تنظر باهتمام في أمر فرض عقوبات إضافية، إذا رفضت سوريا الخروج من لبنان. وأخيراً، قام مجلس النواب الأمريكي في منتصف أيلول 2004، بالمصادقة على القرار رقم (363)، الذي يطالب بإنهاء ما أسماه بـ (الاحتلال غير القانوني للبنان). وتبنى القرار النواب التشريعيون ودعموه ، ثم مارسوا الضغوط، وأصدروا قانون محاسبة سوريا في مطلع ذلك العالم.
تزايدت أيضاً التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، في الشهور الأخيرة، وكانت سياسة إدارة بوش إزاء إيران، مثل سياستها إزاء سوريا، تخلط بين السخط والشجب والتهديد والعدوانية والوعيد.
كان هدف تلك السياسة، آنذاك، هو عزل سوريا وإيران، وليس قتالهما. وفي حديث جرى في معهد هدسون، في 17 آب 2004، قام معاون وزير الخارجية لشؤون ضبط التسلح والأمن الدولي جون آر بولتون، باتهام إيران بأنه «منذ ثمانية عشر عاماً وإيران تتستر على برنامج سري كبير وضخم لإنتاج أسلحة الدمار الشامل».
إن كل أنشطة أسلحة الدمار الشامل الإيرانية: الأسلحة الكيميائية، الأسلحة البيولوجية، الأسلحة النووية، والصواريخ البالستية؛ تفرض تهديدات جدية على الأمن الدولي. وقد سعت إيران لإنتاج هذه الأسلحة المميتة، رغم توقيعها على الاتفاقية التي تحظر هذه الأسلحة، الأمر الذي يخلع عليها صفة الدولة المخادعة وعديمة المبادئ. وسوف تظل كذلك، حتى تقوم بتفكيك وإلغاء برامجها المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل.
بعد ذلك، وفي الحديث نفسه، استنتج بولتون أن «أفعال وتصريحات إيران، وبياناتها، لا تبشر خيراً بنجاح أسلوب المفاوضات للتوصل إلى حل في هذه المسألة». وقام بولتون باقتباس ملاحظات من مستشارة بوش لشؤون الأمن القومي، آنذاك، كوندوليزارايس، التي أدلت بها لشبكة فوكس نيوز: «ظل الإيرانيون يخلقون المشاكل والمتاعب لفترة طويلة جداً. وهذا وحده يعتبر سبباً كافياً لعزل هذا النظام بسبب سلوكه السيء».
والجدير بالملاحظة أن حديث كوندوليزارايس المقتبس، لم يتضمن كلمة (منهمك أو مشغول). وبناء على ذلك، فقد كان من غير المدهش، أن يشكل أسلوب إدارة بوش رد فعل قوياً من جانب إيران، وأن يحدث خطاباً عدوانياً شرساً من كل الجوانب.
هذا لا يعني بأن السياسات المتعلقة بسوريا وإيران، ليست موضعاً للاهتمام؛ فيمكن أن يطلب من دمشق أن تنسحب من لبنان، وأن تتعاون في موضوع استقرار العراق، وأن تدعم الحرب ضد الإرهاب، كما يمكن أن يطلب منها ألا تدعم المجموعات الفلسطينية المسلحة، وأن تتخلى عن برنامج الأسلحة غير التقليدية "المزعوم". وكذلك يمكن أيضاً أن يطلب من سوريا إجراء المزيد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.
من الممكن أن يطلب من طهران التعاون في موضوع استقرار العراق، ودعم الحرب ضد الإرهاب، والتخلي عن برامج الأسلحة غير التقليدية. ويجب العمل على إيقاف أي جهود إيرانية لإنتاج الأسلحة النووية. وفي هذا الصدد، فإن إعلان إيران الأخير، بأنها تنوي معالجة 37 طناً مترياً من اليوارنيوم الخام وتحويلها إلى هيكسا فلورايد اليورانيوم، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، لأن هيكسا فلورايد اليورانيوم حين يتم تسريعه بواسطة حركة الطرد المركزي، فإنه ينتج اليورانيوم المخصب، والذي بالفعل أعلنت إيران بأنها تمكنت من الحصول عليه. وهذا اليورانيوم المخصب من الممكن أن يستخدم في الحالين، إما في إنتاج الرؤوس الحربية النووية، أو في إنتاج الطاقة الكهربائية. وبالتالي، فإن مسألة تخصيب اليورانيوم، تعتبر عالية الحساسية بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي لا بد أن يسعى لمعرفة إن كانت إيران تستخدم برنامجها النووي للأغراض السلمية كما أعلنت، أم أنها تقوم بإنتاج أسلحة نووية، كما تزعم الولايات المتحدة.
بحثت وكالة الطاقة الذرية لفترة طويلة، وحاولت التعرف على نوايا إيران، إلا أن إدارة بوش ترغب في رفع المسألة إلى مجلس الأمن، وهو تحرك سيؤدي إلى زيادة الضغوط الدبلوماسية على إيران. وفي هذا الصدد تحدث جون بولتون، حين كان نائباً لوزير الخارجية، ومسؤولاً عن ضبط التسلح والأمن الدولي، في مؤتمر صحفي تم عقده في جنيف في 10 أيلول 2004: «ما نريد قوله، هو أن البرنامج الإيراني، يصل إلى مستوى تهديد السلام والأمن الدوليين، وأن ذلك يعتبر سبباً كافياً بالنسبة لنا، كي نضع البرنامج الإيراني في مركز الرؤية العالمي، في اجتماع مجلس الأمن الدولي، المسؤول عن التعامل مع التهديدات والمخاطر المحدقة بالسلام والأمن الدوليين».
النموذج الليبي:
هناك اتفاق عام حول الحاجة إلى تغيير سياسي في دمشق وطهران. والمسألة الخلافية تتركز في الطريقة الأفضل لتشجيع التغيير المطلوب. وبعد فورة التصعيد، الذي قامت به إدارة بوش، قبيل وخلال عملية غزو العراق، أصبحت الإدارة الآن، تركز بقوة على خطابه، الأمر الذي جعلها تفتقد إلى التخطيط المتماسك المكثف، إزاء مسألة صياغة الوقائع المستقبلية المتعلقة بتعاملها مع كل من إيران وسوريا. وكذلك، فقد فشلت الولايات المتحدة، مرة أخرى، في تأمين التأييد والدعم الكامل من جانب حلفائها الأكثر أهمية، مثل: فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وحتى روسيا.
إن المفاوضات المطولة، والتي أدت في نهاية الأمر إلى جعل ليبيا تتخلى في كانون الأول 2003، عن الأسلحة غير التقليدية "بمحض إرادتها"، هو أمر يطرح نموذجاً خصباً للحوار مع إيران وسوريا، بدلاً من أسلوب "عدم أخذ الأسرى"، الذي أصبحت تتبعه إدارة بوش حالياً. فالمفاوضات والمباحثات، بدأت مع ليبيا في منتصف عام 1999، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة قد حددت هدفها، في إحداث تغيير سياسي، وليس تغيير النظام الليبي.
ومنذ البداية، كانت الأطراف المشتركة، متفقة على تخفيض نغمة الخطاب الحماسي، وبدء حوار مفيد ومثمر في القيام بعملية الخطوة خطوة.
كانت المفاوضات المبكرة مع ليبيا، تستند إلى مبدأ "هذا مقابل ذلك، أو هذه مقابل تلك"، بوضوح لا لبس فيه، على حد تعبير السفير مارتين إنديك، مساعد وزير الخارجية، الذي افتتح المفاوضات آنذاك مع ليبيا منتصف عام 1999، وذلك في مقال تحليلي نشره لاحقاً في صحيفة الواشنطن بوست.
هدفت المباحثات إلى جعل ليبيا تنفذ كل التزاماتها، التي تقرها الأمم المتحدة، والمشروطة بـ: موافقة ليبيا على استمرار المفاوضات، ووقف المحاولات التي تقوم بها للضغط من أجل إلغاء عقوبات الأمم المتحدة.
اختارت إدارة كلينتون عدم متابعة مسألة الأسلحة غير التقليدية، في ذلك الوقت، وأعطت الأولوية للقرار الخاص بمسألة رحلة طائرة بان إم رقم 103.
افتتحت المباحثات الثلاثية: ليبيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، في كانون الثاني 2001، وقد استندت على نص يحدد ما الذي يجب أن تقوله ليبيا، وما تفعله من أجل حل قضية الطائرة، لكي تجد مبرراً لإزالة عقوبات الأمم المتحدة. واستناداً لما قاله فلاينت ليفيريت، المدير المسؤول ع سياسات الشرق الأوسط، في مجلس الأمن القومي عام 2002 وعام 2003، فإن الجولة النهائية للمفاوضات مع ليبيا، التي بدأت في آذار 2003، ركزت بوضوح على تطبيق قاعدة "هذه مقابل تلك.. وهذا مقابل ذلك". وفي هذا الصدد أخبرت الولايات ليبيا، بأنها إذا فككت برامج أسلحتها غير التقليدية وتخلت عنها، فإن واشنطن سوف تتخلى عن العقوبات المفروضة على ليبيا، قبل عام 2004 على الأرجح.
مهما كانت المفاوضات مع ليبيا، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى التفاهم مع إيران وسوريا على حزمة من المسائل والقضايا البينية العالقة معهما، وأن تسرع في اتخاذ هذه الخطوة الآن. وعليها أيضاً أن تقيم اتصالاً حول المسألة النووية الإيرانية، والعلاقات السورية - اللبنانية، التي ترتبط من جهة ثانية بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية، وبمباحثات السلام السورية - الإسرائيلية، التي يتضح أنها لن تستمر.
على العكس من كل ما يحدث، فإن واشنطن بحاجة إلى الدخول مع إيران، في حوار حول سلة من المسائل والقضايا، مثل تلك المخاوف الإيرانية من تقويض النظام، وإعادة هندسة الأمن الإقليمي، ودعم وتأييد إيران للجماعات الراديكالية في العراق، ولبنان وفلسطين.
من جهة أخرى، فإن محادثات الولايات المتحدة مع سوريا، تحتاج إلى التوسيع، لكي تحتوي مشاكل الحدود والمياه مع إسرائيل، ودعم الجماعات الفلسطينية المسلحة، ومسألة برامج الأسلحة غير التقليدية المزعومة، وأيضاً المطالبة بدعم استقرار العراق، والتعاون في الحرب ضد الإرهاب.
لسوء الحظ، ما يزال مستحيلاً بالنسبة للبيت الأبيض، الدخول مع سوريا وإيران بمباحثات ومفاوضات حول القائمة العريضة من المسائل والقضايا. وقد أصبح ارتباط سياسة الولايات المتحدة مع السياسات الإسرائيلية في المنطقة، واضحاً لا لبس فيه. ولقد أبدى شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن بعده أولمرت، ميلاً قليلاً للتفاوض مع أي من دول الجوار، وبالذات مع سوريا. ونشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في 14 أيلول 2004، بأن شارون رفض في عام 2003 عرضاً أمريكياً لاستئناف المباحثات مع سوريا. ودللت الصحيفة على ذلك، باقتباس جزء من حديث شارون، يقول فيه: «إن ذلك قد تم حذفه من الأجندة، وسوف يشار إليه لاحقاً»، وذلك بعد الأنباء التي أفادت بأن السوريين يجددون رغبتهم في إعادة البدء بالمفاوضات مع إسرائيل في مطلع أيلول 2004.
يبدو أن إدارة الرئيس بوش، تسعى إلى تلميع صورتها خلال الأسابيع الأخيرة، التي سوف تسبق انتخابات تشرين الثاني، وذلك لأن التقارير تشير إلى افتقار هذه الإدارة إلى الاتفاق داخل الإدارة نفسها، حول سوريا وإيران.
إن سياسات البيت الأبيض، إزاء إيران وسوريا، تعكس مدى فشل الإدارة الأمريكية في الارتباط الوثيق بالمصالح الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات سياسة إسرائيل الراغبة في عدم السماح لأي دولة في الشرق الأوسط بتحدي احتكارها النووي.
الجمل: قسم الترجمة
الكاتب: رونالد بروسا سان جون
المصدر: فبيف أورغ
إضافة تعليق جديد