هاربون من معارك الصومال إلى البحر
يبحر عشرات المهاجرين من احد شواطىء الصومال للقيام برحلة "تهريب"، اي عبور غير قانوني ومأسوي من خليج عدن الى اليمن سعيا وراء حياة افضل على رغم شبح الموت الذي يحوم فوق رؤوسهم.
وقد بدأ مئتا مهاجر غير شرعي بين صوماليين واثيوبيين عصر الجمعة الصعود الى المراكب للقيام بهذه الرحلة المخيفة. ومع الغسق ابحرت خمسة مراكب بهؤلاء المهاجرين في رحلة بحرية في اتجاه اليمن.
ويسود التوتر والاضطراب شاطىء شينبيفالي المحاط بالجبال والواقع على مسافة 17 كيلومترا من مدينة بوساسو العاصمة الاقتصادية لبونتلاند، المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في الصومال والتي صارت مركزاً رئيسياً لتهريب البشر.
والوصول الى هذا الشاطىء يعتبر خطيراً ومتعذراً عملياً بالنسبة الى الغرباء عن حركة التهريب. فالمشهد مريع اذ تتراءى للمرء قامات اشبه باشباح تتعثر من الاعياء وهي تنزل من مخابئها في مغارات حفرت في الجبل. وبين هؤلاء أم تحمل رضيعا بيد وتجر بيدها الاخرى ولداً لا يتجاوز الثالثة حافي القدمين وجسده يرشح عرقاً. فهي هربت من المعارك في مقديشو لتخوض غمار هذه المغامرة علها تجد حياة افضل لطفليها.
وتحت وهج شمس حارقة وحرارة تصل الى 45 درجة مئوية ضاقت مجموعات من الاثيوبيين وهي تنتظر ان توزع عليها ثلاثة ليترات من المياه للرحلة. فهؤلاء المهاجرون يقبعون على الشاطىء منذ ايام وقد نال التعب والجوع والعطش من اجسادهم النحيلة وجحظت عيونهم وتاهت نظراتهم بسبب الاعياء.
وقال فرح حسين (31 سنة) المتحدر من مقديشو لدى اقترابه من المراكب: "ليس لدي اي فكرة عما سيحصل اثناء الرحلة (...) اتوقع فقط تحسين ظروف حياتي ولو قليلا".
وهمست منى يوسف (15 سنة) الآتية من منطقة مقديشو: "سمعت ان الرحلة خطرة لكنني لست متأكدة". واضافت: "تركت حياتي في بوساسو ولا بد من الموت يوما".
وليس لدى عدد كبير من المهاجرين اي فكرة عن الجحيم الذي ينتظرهم خلال هذه الرحلة التي تستغرق يومين او ثلاثة، وهم يتكدسون بعضهم فوق بعض من دون قدرة على الحراك، فضلاً عن نفاد المياه والغذاء بسرعة ليجدوا انفسهم بين القيء والبراز، حتى انهم يتعرضون للضرب احيانا حتى الموت من مهربيهم بهدف تخويفهم او قد يلقى بهم من المركب لتفترسهم اسماك القرش.
وقد مات 385 مهاجرا في الاجمال وفقد 118 آخرون منذ كانون الثاني فيما كانوا يحاولون الوصول الى الساحل اليمني، بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة.
ويؤكد صاحب المراكب التي يبلغ طول الواحد منها نحو ثمانية امتار انه عمد اخيرا الى تحسين معايير السلامة بوضع 40 مهاجرا سريا بدلا من 90 في كل مركب صيد. وتراوح كلفة الرحلة ما بين 20 و 70 دولارا على حد قوله.
الا ان منظمة "صومالي تريبل رايتس ووتش" غير الحكومية تؤكد من جهتها انه يضع في الواقع نحو 80 راكبا في عنبر المركب وعلى جسره ويتقاضى عن الرحلة من كل شخص مئة دولار، كما انه لا يتوانى عن رمي البعض منهم في البحر (وخصوصا الاثيوبيين) اذا ساءت الاحوال الجوية.
لكن بعض المهاجرين الذين رحلوا الجمعة لم يترددوا في خوض المجازفة مرتين في حياتهم. فعبدي عدن غرار (30 سنة) يغادر مجددا بعدما عمل في مزرعة في السعودية بين 2004 و2007 قبل طرده منها.
وقال الاثيوبي احمد سعيد حسن (25 سنة) المصاب بالظمأ حتى بات لا يستطيع ابتلاع اي شيء": "اتوقع كل شيء: اعيش او اموت". واضاف: "السعودية هي المكان الوحيد الذي اعرف انه يمكن كسب المال فيه بالعمل". وهو يحاول للمرة الثانية خوض هذه المغامرة وقد ابحر مثل رفاقه سعيا وراء حياة افضل.
المصدر: و ص ف
إضافة تعليق جديد