ترجمة القرآن الكريم بين الاقتباس والاختلاس
بعد انتشار الإسلام في أصقاع الأرض ودخول الناس على اختلاق ألسنتهم في دين الله أفواجا ظهرت الحاجة لترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى غير العربية بما يمكن المسلمين جميعا من فهم نصوصه وتدبر آياته، وقبل كل كذلك التعبد به.
ويقول الفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن إن أغلب ترجمات القرآن "اختلاسية"، وهي بذلك بعيدة عن الاقتباس الذي يحقق المقصد الإلهي من إنزال القرآن وهو هداية الناس وإقناعهم بالإيمان.
ولتدعيم وجهة نظره يستشهد عبد الرحمن الذي كان يتحدث في محاضرة في الرباط تحت عنوان "الآيات القرآنية والترجمة التأصيلية" بقول الله عز وجل "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا"، يقول في ذلك إن كلام الله ثقيل لأنه متعال ولا متناه، بينما الترجمة قول خفيف ومحال أن يوضح الكلام الخفيف حمولات الكلام الثقيل.
ويميز المحاضر بين الأداء "الجبريلي" و"البروميثي" في حمل القول الثقيل. "فالأداء الجبريلي نسبة إلى جبريل عليه السلام حامل الوحي إلى الرسل يتولى النقل من الأصل الإلهي إلى لغة إنسانية بإذن إلهي خصوصي".
في حين أن الأداء البروميثي نسبة إلى أسطورة بروميثيوس اليوناينة يعمل على النقل من الأصل الإلهي بغير إذن منه، فهو اختلاس وانتهاك لحرمة الأصل. ولا مناص لهذا الاختلاس من حمل الأخطاء وارتكابها والوقوع في نقيض المقصود.
وانتقد طه عبد الرحمن الكاتب التونسي الأصل المقيم في باريس يوسف صديق في كتابيه "لم نقرأ القرآن أبدا" و"القرآن قراءة أخرى وترجمة أخرى" معتبرا أن صديق لم يكن قصده دفع الاختلاس، بل كان أكبر همه هو الكشف عن الأصول اليونانية في النص القرآني، "حتى ألبس النص القرآني النص اليوناني جاعلا من فصول أحد كتبه عناوين يونانية مثل "اللوغوس والكوسموس، والإبيستيمي، والتيوس والدوكسا والإيتوس والأنتروبوس".
وكشف المتحدث أن يوسف صديق عمد إلى حذف آيات الأحكام والاعتبار من أخبار الأنبياء، إذ لا حاجة للغربي إلى الوعظ والإرشاد وفق رأيه، واعتبر عبد الرحمن أن "هذا تصرف في القول بما لا يوافق إرادة صاحبه، وهو عين الاختلاس".
وأكد عبد الرحمن أنه لا غنى للمترجم ولا للمتلقي عن التوجه إلى اللغة العربية التي اختارها الله سبحانه وتعالى لغة للقرآن الكريم.
فالعربية، والحديث لعبد الرحمن، هي التي تحمل المعاني والتوجيهات إلى المتلقي، فلا معنى لترجمة لم يسكنها روح القدس، ولم تقصد إلى تزويد المتلقي بالإيمان وإنهاض همته.
وشدد طه عبد الرحمن على علامتين تجعلان المترجم ملتزما بتوصيل معنى القرآن الحقيقي، "الأولى هي قدرة المترجم على أن يقرأ في قلبه كما يقرأ في كتاب، أي أن يكون متشبعا بالإيمان فلا يحول ولا يزول، فقلبه لوح روحي استحق أن تتنزل الآيات فيه. والثانية أن تتزود روحه بروح ثانية غير الروح الحيوانية، وهي الروح القدسية".
وأبرز في نهاية محاضرته أخطارا تعترض الترجمة سماها أخطار الابتعاد والإبعاد، فالأولى هي التطاول على القول الثقيل، والاغترار بالإتيان بمثله وممارسة التبديل والتحريف. وأما أخطار الإبعاد فهي عدم الاستماع، وعدم الكلام، وعدم النظر.
الحسن السرات
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد