اعتقال شبكة إسرائيلية في لبنان
أمسكت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بما أسمته مصادرها <إحدى ابرز الشبكات في تاريخ لعبة المخابرات الإسرائيلية اللبنانية منذ العام 1990 حتى الآن>.
وفتحت العملية التي أطلق عليها البعض <مفاجأة الفجر>، الباب أمام محاولة التعرف على ما ارتكبته هذه الشبكة وشبكات أخرى قد تتقاطع معها، من أعمال أمنية واستخباراتية إسرائيلية في الداخل اللبناني قد تتجاوز ساحة الجنوب والمقاومة، لتصل إلى حد طرح اسئلة حول ما إذا كانت هناك صلة بينها وبين بعض الأعمال الإرهابية في الداخل اللبناني.
واستنادا إلى مصادر أمنية رسمية متطابقة أمكن رسم رواية أولية حول الشبكة التي أقدمت على اغتيال الشهيدين محمود ونضال المجذوب في السادس والعشرين من أيار الماضي في مدينة صيدا وهذه هي ابرز مفاصلها:
لم تكد تلملم مدينة صيدا آثار التفجير الذي استهدف الشقيقين المجذوب، حتى تحركت الأجهزة الأمنية اللبنانية في محاولة منها للإمساك بخيوط توصل إلى منفذي الجريمة، وخاصة أن الأخوين المجذوب يخضعان تحركاتهما لإجراءات أمنية مشددة، بينها المراقبة بالكاميرات في الأماكن التي يرتادانها بصورة دورية وتبديل المنازل والسيارات الخ...
تم التركيز على سيارة <المرسيدس> التي استخدمت في التفجير، وخاصة أنها كانت <مألوفة> وموضع <اهتمام> ورصد من قبل جهات أمنية رسمية قبل فترة من التفجير، وأمكن التعرف إلى طريقة التفجير ونوع العبوة المستخدمة وعثر أيضا على جزء من جهاز التفجير المزروع في باب السيارة الخلفي، لتبدأ بعد ذلك محاولة العثور على الجزء الآخر الذي يتم التفجير بواسطته
لاسلكيا، والاهم من ذلك محاولة معرفة هوية الشخص الذي أتى بالسيارة الى ساحة الجريمة.
في مدينة حاصبيا الجنوبية، كان الدركي اللبناني المتقاعد محمود قاسم رافع (59 عاما) قد أنجز المهمة المسندة إليه من قبل المخابرات الإسرائيلية، واستأنف حياته الطبيعية التي لا تشوبها سوى <شوائب غير بسيطة>، جعلته في الآونة الأخيرة تحت مرمى الأمن اللبناني.
تتمثل هذه <الشوائب> في حالة من الترف المادي استرعت انتباه المحيطين به خاصة مع ارتفاع منسوبها في السنوات الأخيرة، فضلا عن علاقة عاطفية مع سيدة من خارج المنطقة كان يحيل إليها الفضل في حالة البحبوحة التي يعيشها وكذلك المبرر في انقطاعه عن حاصبيا فترات زمنية متكررة.
تم رصد حركة محمود رافع على مدى عشرة أيام تقريبا (من 27 أيار حتى 6 حزيران)، وأمكن الحصول على معلومات عن حركة سيارة <المرسيدس>، فضلا عن علاقاته واتصالاته الهاتفية.
وفي الساعة الصفر، تحركت مجموعة <مفاجأة الفجر> من المقهى الذي كان يرتاده رافع في حاصبيا، حتى <الفيلا> التي يقيم فيها عند الطرف الغربي لمدينة حاصبيا ونصبت له كمينا على بعد خمسين مترا من منزله، وكانت الساعة تقارب الخامسة فجرا، ولحظة محاولة إلقاء القبض عليه، حاول مقاومة العناصر الامنية، الا انه سرعان ما استسلم ونقل على وجه السرعة من الجنوب الى مقر مديرية المخابرات في بيروت، لتبدأ بعد ذلك القوى الأمنية من جيش وقوى أمن في منطقة حاصبيا عملية تمويه أمنية، تمثلت في تعميم أوصاف السيارات التي خطفت رافع وإقامة حواجز في المنطقة لهذه الغاية ومداهمة منزل آل رافع من قبل مخابرات الجيش تحت عنوان أخذ بصمات الخاطفين، ليتم العثور في داخله على <كنز> كبير من الأدلة داخل الكومبيوتر فضلا عن وثائق وخرائط وأجهزة اتصال ومعدات اخرى قيل إن بعضها اسرائيلي الصنع.
وأحيلت كل المصادرات، ومن ضمنها سيارتا محمود رافع وهما من طراز <رانج روفر> و<بونتياك> الى مديرية المخابرات حيث كانت قد انطلقت عملية التحقيق مع المشتبه به بالتزامن مع توقيف ولديه وزوجته التي اعترفت، حسب المصادر الامنية، امام المحققين بأن السيارة التي استخدمت في صيدا <أمضت اياما عدة في منزل العائلة> قبل أن تتوجه الى جهة مجهولة.
وقالت المصادر الامنية ان رافع <ادلى امام المحققين باعترافات مهمة للغاية، بينها ارتكابه جريمة صيدا وأعمال تخريبية اخرى في بيروت والضاحية الجنوبية والجنوب تردد ان ابرزها عملية اغتيال القيادي في <حزب الله> علي صالح وكذلك عملية زرع العبوة على جسر الزهراني، فضلا عن عمليات اخرى>، يبدو ان مديرية المخابرات قد قررت التحفظ عليها، نظرا للادوار المسندة الى رافع حيث تبين انه احد <أعمدة> الشبكات الاسرائيلية في لبنان منذ نحو ستة عشر عاما.
وقد رفضت المصادر الأمنية تاكيد او نفي ما اذا كان رافع قد اعترف بمسؤوليته عن جرائم اغتيال القيادي في <حزب الله> غالب عوالي وجهاد جبريل نجل الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد جبريل.
وأشارت المصادر الى انه بعد نحو سبع ساعات على توقيف رافع، ألقي القبض على شاب آخر من حاصبيا هو س. ق. الذي قام بتأجير محمود سيارة <فان> استخدمت لنقل معدات تردد ان بينها باب سيارة <مرسيدس> تسلمه مفخخا وقام لاحقا بتركيبه بدل الباب الخلفي الاصلي للمرسيدس>.
وحسب المصادر نفسها، يتركز التحقيق حول معرفة الجهة التي قامت بتسليم العبوة الباب الى رافع، في احدى القرى الحدودية الجنوبية الامامية، فضلا عن آخرين تورطوا معه في هذه العملية وعمليات امنية اخرى.
وأبدت المصادر الأمنية خشيتها من ان يكون بعض المشتبه بهم قد تمكنوا من الفرار، رافضة الخوض في موضوع عدد افراد الشبكة وما اذا كان بينهم مواطن يحمل الجنسية الفلسطينية، لكنها قالت إن الشبكة فاعلة جدا وقائدها محمود رافع من الضالعين الاساسيين بأعمال تفجير متعددة وربما يكون مفتاحا للكشف عن شبكات بارزة جدا في تاريخ لعبة المخابرات الاسرائيلية على الارض اللبنانية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الاهلية في لبنان.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد