قصة تحالف اللوبيات في الولايات المتحدة لإصدار قانون المذبحة الأرمنية
الجمل: كثيراً ما يسمع الناس حول اللوبي الإسرائيلي ونفوذه على السياسة الأمريكية، عن طريق تأثيره القوي على عملية صنع القرار في أمريكا، ولكن على ما يبدو فإن اللوبي الإسرائيلي لم يعد وحده الموجود على الساحة السياسية، فقد أصبح هناك العديد من اللوبيات، والتي ظلت تحاول دائماً بطريقة أو بأخرى التحالف مع اللوبي الإسرائيلي باعتباره يمثل "الفصيل الرئيسي" من بين فصائل المنظمات التي تحترف الضغط والتأثير على عملية صنع واتخاذ القرار.
* مفهوم اللوبي: القيام بعملية اللوبي تتضمن مفهوماً يشير إلى القيام بتجميع الجهود وتنسيقها من أجل الحصول على نتيجة محددة مرغوبة إزاء هدف معين، وذلك عن طريق:
* التأثير وممارسة النفوذ على أجهزة السلطة التشريعية من أجل دفعها لاتخاذ القرارات أو الإجراءات التشريعية المطلوبة.
* التأثير وممارسة النفوذ على السلطة التنفيذية، من أجل الدفع باتجاه إصدار القرارات المطلوبة ومتابعة تنفيذها.
* التأثير وممارسة النفوذ على السلطة القضائية من أجل توظيف المزايا التي تنتجها القرارات القضائية.
كذلك يدخل ضمن مجال ودائرة النفوذ للوبي، العديد من الجوانب الإضافية الأخرى ذات الأهمية في تعزيز قدرة اللوبي، ومنها التأثير في توجهات الرأي العام باستخدام وتوظيف أجهزة الإعلام والصحافة، وأيضاً استخدام التعبئة السياسية عن طريق تحريك المواكب والمظاهرات وتنظيم الاحتفاليات، إضافة إلى توظيف المنظمات غير الحكومية في شتى المجالات الداعمة لتوجهات اللوبي...
* السياسة الأمريكية وإشكالية منظمات اللوبي:
ظهرت الكثير من الدراسات والبحوث التي تطرقت إلى أزمة الساسة الأمريكية الراهنة، بسبب انعدام استقلالية عملية صنع القرار، وذلك من جراء النفوذ والضغوط المتزايدة التي تمارسها منظمات اللوبي، والتي من أبرزها وأشهرها وأقواها اللوبي الإسرائيلي الذي أصبح عدد منظماته الناشطة أكثر من 500 منظمة داخل الولايات المتحدة وحدها..
ظهرت الكثير من الاحتجاجات التي قادها بعض كبار الساسة الأمريكيين ذوي الاتجاهات الاستقلالية الوطنية، وكان من أبرزهم عضو الكونغرس الأمريكي السابق بول فندلي، الذي قاد حملة كبيرة ضد اللوبي الإسرائيلي، ونشر دراسة مثيرة للجدل والاهتمام، كان مضمونها يدور حول أنه لم تعد هناك ولايات متحدة أمريكية، بل ما يوجد هو الولايات المتحدة الإسرائيلية، وبالتالي لا بد من تحرير الولايات المتحدة الأمريكية من إسرائيل، قبل الحديث عن تحرير بقية دول العالم... وقد تقدم بول فندلي باقتراح شهير يهدف إلى دفع الكونغرس الأمريكي إلى إصدار قانون تنظيم منظمات اللوبي الموجودة في أمريكا وذلك للحد من نفوذها وسيطرتها على توجهات السياسة الأمريكية.. ولكن بسبب سيطرة ونفوذ منظمات اللوبي –وبالذات اللوبي الإسرائيلي- لم يستطع بول فندلي من تحقيق رغبته المتعلقة بإصدار القانون المشار إليه...
* السياسة الخارجية الأمريكية وتحالف اللوبيات الجديد:
برزت مؤخراً في الساحة السياسية الأمريكية، العديد من منظمات اللوبي، وإضافة إلى اللوبي الإسرائيلي، برز اللوبي الكردي الذي يتزعمه ابن الزعيم الكردي جلال طالباني، وتضم منظمة اللوبي الكردي حوالي 60 ألفاً من المهاجرين الأكراد الموجودين حالياً داخل الأراضي الأمريكية..
كذلك، هناك اللوبي الأرمني، وتضم عضويته عشرات الآلاف من المهاجرين الأرمن المقيمين حالياً داخل الولايات المتحدة، وهناك اللوبي اليوناني، وتضم عضويته عشرات آلاف الأمريكيين ذوي الأصول اليونانية، إضافة إلى هذه اللوبيات هناك اللوبي الصيني، واللوبي الياباني، والروسي... وسلسلة طويلة من منظمات اللوبي التي يشكل قوامها مجموعات المهاجرين.. وجميع هذه الجماعات المهاجرة تعمل بالتنسيق مع بلدانها الأم، من أجل تعزيز مصالح بلدانهم وأوطانهم داخل الولايات المتحدة، وذلك عن طريق ممارسة النفوذ والتأثير على الأجهزة الرسمية الأمريكية، وبالذات الكونغرس، والخارجية الأمريكية، والبيت الأبيض، ووزارة الخزانة، وأجهزة المعونة الأمريكية، إضافة إلى أجهزة الإعلام والمنظمات غير الحكومية..
* أزمة العلاقات التركية – الأمريكية وتحالف اللوبيات الجديد:
تقول المعلومات بقيام تحالف جديد للوبيات في العاصمة الأمريكية، يضم في عضويته:
* اللوبي الإسرائيلي (الفصيل الرئيسي)
* اللوبي الأرمني
* اللوبي الكردي
* اللوبي اليوناني
وقد برزت أولى إنجازات هذا التحالف في قانون المذبحة الأرمنية الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي، وتقول المعلومات بأن اللوبي الأرمني ظل عاجزاً لفترة طويلة في الدفع باتجاه إصدار هذا القرار، ولكن بسبب التوجهات الجديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية التركي إزاء قضايا الشرق الأوسط، فقد تحالف اللوبي الأرمني مع اللوبيات الآتية:
• اللوبي الإسرائيلي: وذلك بسبب مواقف الحكومة التركية الجديدة غير الداعمة للمشروع الإسرائيلي، إضافة إلى الموقف التركي الرافض لتقديم أية موافقات لاستخدام إسرائيل لأراضيها أو أجوائها في أي عمل عسكري إسرائيلي ضد سوريا أو إيران أو أي دولة أخرى.
• اللوبي الكردي: وهو بالأساس منظمة معادية لتركيا والعراق، وإيران، وسوريا. وقد تم تكوينها ورعايتها بمساعدة اللوبي الإسرائيلي للعمل كذراع إضافي فرعي للوبي الإسرائيلي وعلى وجه الخصوص في القضايا الشرق أوسطية..
• اللوبي الأرمني: ويتكون هذا اللوبي من العناصر الأرمنية التي سبق أن هاجرت إلى الولايات المتحدة، وكان هذا اللوبي خلال فترة الحرب الباردة يدعم توجهات واستقلال وتحرير أرمينيا من السيطرة السوفييتية، ولاحقاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لعب هذا اللوبي دوراً هاماً في بناء العلاقات الأرمنية – الأمريكية، وفي دعم توجهات حكومة أرمينيا، خلال فترة الصراع الأرمني – الأذربيجاني حول إقليم تاختشيفان، ونافورنوكرباخ. وبسبب توجهات الحكومة التركية الجديدة وجد هذا اللوبي فرصة التحالف مع اللوبي الإسرائيلي واللوبي الكردي، واللوبي اليوناني، على النحو الذي أسفر عن صدور قانون المذبحة الأرمنية.
• اللوبي اليوناني: ويتكون هذا اللوبي من المهاجرين من ذوي الأصول اليونانية، وقد ظل هذا اللوبي ناشطاً خلال فترات الصراع التركي – اليوناني حول جزر بحر إيجة، وأيضاً خلال جولات الصراع القبرصي بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، تحالف اللوبي اليوناني مع اللوبي الإسرائيلي والأرمني والكردي يهدف إلى إيجاد مساعدة هذه اللوبيات في الدفع لاحقاً باتجاه إصدار القوانين الداعمة لسيطرة الأقلية القبرصية اليونانية على جزيرة قبرص التي تقطنها أغلبية قبرصية تركية، وأيضاً من أجل مساندة موقف اليونان من أجل إصدار القرارات الأمريكية التي تدعم نفوذ اليونان في السيطرة على جزر بحر إيجة المتنازع عليها مع تركيا..
* العلاقات الدولية: عدوى اللوبيات:
ظاهرة نفوذ وسيطرة اللوبيات على عملية صنع واتخاذ القرار لم تعد ظاهرة أمريكية، بل انتقلت عدواها إلى عدد كبير من بلدان العالم بما في ذلك بعض الدول العربية..
وحالياً انتقلت عدوى قرار المذبحة الأرمنية إلى دول الاتحاد الأوروبي، وتقول المعلومات الصادرة مؤخراً إلى أن البرلمان الفرنسي سوف يعقد جلسة للنظر في المصادقة على عريضة تطالب بإصدار تشريع فرنسي ينص على الاعتراف بالمذبحة الأرمنية، وتقول المعلومات بأن الحكومة التركية قد أصدرت تحذيراتها للحكومة الفرنسية من مغبة عواقب إصدار مثل هذا التشريع، كذلك تقول المعلومات بأن الشركات الفرنسية قد حذرت الحكومة الفرنسية طالبة عدم إصدار هذا التشريع لأنه سوف يضر بالمصالح الفرنسية في تركيا..
* خارطة تحالفات اللوبيات، إلى أين؟
تفتخر أمريكا وبلدان غرب أوروبا، بأنها البلدان ذات التقاليد العريقة في حماية الحريات المدنية، ولكن برغم ترسانة القوانين التي تؤكد وتشدد على حرية التعبير، واستقلالية صنع القرار، والشفافية، فقد أكدت معطيات الخبرة المعاصرة في هذه البلدان بأن نفوذ اللوبيات وبالذات اللوبي الإسرائيلي، قد قضت تماماً على حرية التعبير، واستقلالية صنع القرار، وكل الاعتبارات المتعلقة بالشفافية، وغير ذلك من المنظومات القيمية الغربية، وعلى ما يبدو فإن الأمر لم يتوقف في عملية القضاء على هذه المنظومة، بل نجحت اللوبيات في تجاوز ذلك باتجاه استبدال المنظومة القيمية، بمنظومة قيمية أخرى مضادة لها في الاتجاه، وتتضمن مشروعات قيم التضليل، والخداع، واستخدام كافة أنواع أسلحة الكذب والتضليل الشامل، وتعتيم الحقائق، وفبركة الدلائل.... وغير ذلك.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد