كيف يمهد البنتاغون المسرح اللبناني لعودة الإسرائيليين إليه؟
الجمل: انفتاح البيئة السياسية اللبنانية، وعدم تقيد النخبة اللبنانية الحاكمة بمعايير ضبط وحماية الأمن الوطني اللبناني، أتاحت جميعها لمحور تل أبيب – واشنطن، فرصة غير مسبوقة في القيام بتنفيذ واحدة من أكبر عمليات التغلغل الإسرائيلي – الأمريكي في لبنان.
* الطبيعة الأمنية – العسكرية للتغلغل:
اختراق لبنان بواسطة إسرائيل وحلفائها كان يتم في الحقب الماضية بالاعتماد على الوسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي أسوأ الأحوال بالوسائل الاستخبارية غير المعلنة، ولكن بعد خروج القوات السورية من لبنان، وهزيمة القوات الإسرائيلية على يد حزب الله اللبناني في حرب الصيف الماضية، بدأت التطورات تتجه نحو اعتماد آليات التغلغل الأمنية – العسكرية ذات الطبيعة المعلنة، وشبه المعلنة، وبكلمات أخرى، فإن إقامة قاعدة عسكرية لحلف الناتو أو للولايات المتحدة، هو في حد ذاته آلية معلنة لتغلغل أمني – عسكري أمريكي غربي، وفي نفس الوقت يمثل ذلك آلية شبه معلنة لتغلغل أمني – عسكري إسرائيلي في لبنان، إذا نظر للأمر على خلفية العلاقات والتعاون والروابط الإستراتيجية الإسرائيلية – الأمريكية..
* الوجود الأمريكي الرسمي وتوفير الغطاء للوجود الإسرائيلي غير الرسمي:
تم الكشف عن الكثير من العمليات السرية التي قامت بها الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في البلدان العربية، وما كانت تلك العمليات السرية سوف تنجح لولا قيام الولايات المتحدة بتوفير معطف الحماية الواقي للإسرائيليين، وتقول المعلومات بأن كل ضباط المخابرات الإسرائيلية المختصين بالشئون العربية، يقومون بزيارات دورية لمناطق اختصاصهم، والتعرف على أوضاعها الميدانية والاختلاط بالسكان المحليين، ولكنهم يقومون بأداء ذلك حصراً بعد أن تكون حكومة الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية الأخرى، مثل بلجيكا، هولندا، وبلغاريا وتشيكيا، وبولندا، وغيرها فقد قامت بتزويدهم بجوازات السفر والوثائق الثبوتية المناسبة واللازمة..
القاعدة الأمريكية المزمع إقامتها في منطقة «القليعات» هي قاعدة سبق للزعماء الإسرائيليين أن تقدموا بطلب إقامتها لحلفائهم اللبنانيين، خلال فترة غزو إسرائيل للبنان في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وحالياً تأتي الجهود الأمريكية كغطاء يهدف لاستخدام حلف الناتو كـ"شبّاك" يوفر لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه عبر الباب..
* آليات التغلغل الأمني – العسكري الإسرائيلي:
تقول المعلومات بأن شركات الأمن الأمريكية، وبالذات شركة «بلاك ووتر» الأمنية الأمريكية، التي لم يجف حتى الآن حبر أخبار فضيحة ممارساتها وعمليات الحرب السرية القذرة التي قامت بشنها في العراق وأفغانستان قد ثبت بالدليل القاطع بواسطة الأمريكيين أنفسهم، وبواسطة اعترافات عناصر شركة «بلاك ووتر» بأنهم كانوا يقومون بتنفيذ الكثير من عمليات "القنص" وإطلاق النار ضد السكان المدنيين الأبرياء في العراق وأفغانستان.
وتشير المعلومات التي أوردتها صحيفة «السفير» اللبنانية بأن السفير الأمريكي وفريقه الدبلوماسي في لبنان، يتمتعون بخدمات الحماية الأمنية التي تقوم بها إحدى الشركات الأمنية الأمريكية، وهناك تلميحات باحتمالات أن تكون هذه الشركة هي شركة «بلاك ووتر» نفسها..
* آليات التغلغل الأمني – العسكري الإسرائيلي:
يهدف الدور الوظيفي لعملية التغلغل الأمني – العسكري الإسرائيلي في لبنان إلى الآتي:
• وضع لبنان تحت إشراف العصابة العسكرية الإسرائيلية.
• تحويل الساحة اللبنانية إلى مركز استطلاع متقدم لإسرائيل.
• استخدام الساحة اللبنانية كقاعدة انطلاق لتنفيذ المزيد من العمليات السرية ضد لبنان..
• دفع الأطراف العربية إلى المزيد من الشكوك إزاء تعاملهم مع لبنان، على النحو الذي يدفع الأطراف العربية، إلى التقليل من تعاملاتها مع لبنان، درءاً لمخاطر الحرب السرية الإسرائيلية.
• إعداد مركز إسرائيلي متقدم، يقوم بدور مركز القيادة والمتابعة الإسرائيلية للتطورات اللبنانية الجارية، بما يعزز عملية القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية، وحزب الله اللبناني، تمهيداً للقيام لاحقاً بدفع الجيش الإسرائيلي لاحتلال لبنان، وفرض نموذج الاحتلال الإسرائيلي على لبنان، بحيث سيكون تفصيله على غرار نموذج الاحتلال الأمريكي للعراق..
* آليات التغلغل الأمني – العسكري الإسرائيلي: الدور الوظيفي:
السيطرة على القوام المؤسساتي اللبناني ظل حلماً يراود الإسرائيليين منذ أيام اتفاقية الهدنة الأولى، وتحاول إسرائيل تحقيق هذه السيطرة عن طريق:
• السيطرة على الجيش اللبناني: الإشراف الإسرائيلي (تحت الغطاء الأمريكي) على تدريب الجيش اللبناني وتغيير مذهبيته العسكرية والقتالية، وتحويله إلى جيش تابع يقوم بخوض حروب وكالة نيابة عن إسرائيل ضد المقاومة الوطنية اللبنانية والفصائل المسلحة المعادية لإسرائيل.
• السيطرة على أجهزة الأمن اللبنانية: وذلك عن طريق توريط أجهزة وقوى الأمن الداخلي اللبناني في اتفاقيات أمنية استخبارية تحت غطاء تبادل المعلومات الاستخبارية حول الإرهاب ودعم الإرهاب، والقيام بعمليات مشتركة ضد الإرهابيين، وذلك على النحو الذي يجعل أجهزة الأمن اللبنانية مجرد محطات خارجية لجمع المعلومات حول الأوضاع الداخلية اللبنانية وتقديمها لإسرائيل وأمريكا.
• تجنيد العملاء والعناصر؛ وذلك عن طريق استغلال الوجود الميداني المعاصر والقيام بانتقاء العناصر اللبنانية، وتجنيدها تمهيداً لاستخدامها ضد لبنان، ولاحقاً ضد البلدان العربية الأخرى، وبالذات سوريا، التي يكون فيها وجود اللبنانيين أكثر من عادي. هذا وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل سبق أن حققت اختراقاً كبيراً في هذا المجال، عندما استطاعت خلال فترة الحرب اللبنانية من القيام ببناء جيش لبنان الجنوبي وجندت قائده أنطوان لحد..
* دور البنتاغون في تمهيد المسرح اللبناني لعودة الإسرائيليين النهائية:
حاولت إسرائيل مراراً وتكراراً وضع يدها وتشديد قبضتها على الساحة اللبنانية، وقد فشلت كل محاولاتها السابقة بسبب فعالية وكفاءة المقاومة الوطنية اللبنانية وحزب الله اللبناني وحركة أمل في القضاء على المخططات الإسرائيلية، ولما كانت إسرائيل تقوم بتنفيذ مشروعها في لبنان بالاعتماد على الجيش الإسرائيلي وغيره من العناصر الإسرائيلية، فإن المشروع الإسرائيلي تقوم الولايات المتحدة هذه المرة برعايته والإشراف على تنفيذه، ولكي يكون حاسماً، فقد لجأت إسرائيل إلى اعتماد "إستراتيجية الاقتراب غير المباشر" في التعامل مع البيئة اللبنانية، وذلك بدفع الـ"بلدوزر" الأمريكي لكي يقوم بعملية ترتيب الواقع الميداني اللبناني بمساعدة قوى 14 آذار، وزعمائها الذين نجحت جماعة المحافظين الجدد في تضليلهم ودفعهم إلى التصديق بمدى جدوى وأهمية المشروعات الأمنية والعسكرية الأمريكية في تعزيز أمن واستقرار لبنان..
وحالياً فإن الـ "بلدوزر" الأمريكي الذي يعمل في تسوية الأوضاع اللبنانية، يجد الدعم والمساندة من نخبة 14 آذار: سمير جعجع، جنبلاط، سعد الحريري، ومن ورائهم السنيورة، وذلك عن طريق التسويق الناشط للمزاعم الأمريكية "المعلنة"، والإسرائيلية "غير المعلنة" حول مستقبل لبنان، وحالياً تهدف هذه المزاعم إلى "توسيع نطاق ضمير المواطن العربي اللبناني" على النحو الذي يجعله مقتنعاً بالروايات الأمريكية (الإسرائيلية) حول أسباب الاغتيالات، ومن قتل الحريري وغيره، ومدى أهمية أن تسلم المقاومة الوطنية اللبنانية، حزب الله اللبناني وحركة أمل السلاح، بحيث يصبح الشعب اللبناني أعزلاً في مواجهة الميركافا التي سبق أن حاولت ولكنها لم تستطع الصمود أمام حزب الله والمقاومة اللبنانية..
ولما كان "من الممكن" نزع سلاح المقاومة اللبنانية بواسطة جهود زعماء 14 آذار.. فمن الممكن أن تأتي جحافل الميركافا مرة أخرى.. وتدخل وهي مرفوعة الرأس إلى وسط بيروت طالما أن قادة 14 آذار سوف يؤمنون لها الطريق الخالي من أي مقذوفات أو صواريخ تطأطئ رأسها.. وتؤمن لأولمرت وباراك وغيرهم من المسئولين الإسرائيليين عدم مواجهة لجان التحقيق التي سبق أن "فضحتهم أمام العالم".
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد