جورج بوش في غربال دنيس روس
الجمل: نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة «نيو ريببليك أون لاين» مقالاً تحليلياً أعده دنيس روس مبعوث السلام الأمريكي السابق وخبير اللوبي الإسرائيلي في شئون الشرق الأوسط. وقد حمل المقال التحليلي عنوان «مهنة تدبير شئون المرحلة، وليس مهنة تدبير شئون الدولة: تشخيص فشل بوش في العراق».
يقول دنيس روس:
بدءاً من "انتهت المهمة Mission Accomplished" وحتى جولته الأخيرة في شهر أيلول الماضي في محافظة الأنبار، فقد تفوّق الرئيس بوش في القيام بمهنة تدبير شئون المرحلة فيما يتعلق بالشأن العراقي جاذباً "الأرانب من القبعات" و"ملوحاً بالوشاحات" على غرار الدبلوماسي ديفيد كوبرفيلد فقد قام بوش بترتيب الأحداث وتشكيل الصورة الواهمة من أجل بناء الدعم لاستراتيجياته، وفي نفس الوقت قاطعاً القوام الأسفل الرئيسي للانتقادات الموجهة إليه في اللحظات الحاسمة.
إن القيام بمهنة تدبير شئون المرحلة يمكن أن يكون جزءاً هاماً من مهنة تدبير شئون الدولة طالما أنه يساعد في إبقاء السياسات مستمرة. ولما كانت مهنة القيام بتدبير شئون المرحلة خارج إطار مهنة تدبير شئون الدولة هي مجرد أوهام ودخان، فإن إدارة بوش قد قامت بإتباع إدارة شئون المرحلة وتركت مهمة إدارة شئون الدولة.
تتمثل إدارة شئون الدولة في متابعة وتقفي الأهداف الواضحة التي تتزاوج وتتوحد مع وسائل تحقيقها، أما مهنة تدبير شئون المرحلة فهي تتعلق بتضخيم الأهداف والغايات من أجل الزهو والاستخدام الخطابي وفي نفس الوقت تغفل وتتجاهل الوسائل. ومنذ الوهلة الأولى في العراق، فإن الإدارة الأمريكية لم تقم بالتدبير من أجل جعل الأهداف والغايات تنسجم وتتماشى مع الوسائل. وبافتراضها لأسلحة الدمار الشامل –على سبيل المثال- فإن الإدارة قامت بتضخيم وتفخيم الكلام والحديث عن خطر التهديد وخلقت هدفاً وغاية من أجل دفعنا –أي الأمريكيين- إلى الحرب. ولكنها لم تقم بتخصيص القوات الكافية من أجل الاستيلاء على مواقع أسلحة الدمار الشامل المفترضة، ولم تقم بمنع تهريب مواد أسلحة الدمار الشامل إلى خارج البلاد، إذا كانت فعلاً موجودة.
وبمجرد أن أصبحت الإدارة الأمريكية في العراق، فإنها واصلت الأسلوب المتعلق بعدم ملائمة الأهداف والغايات مع الوسائل. وكانت عملية إبدال صدام حسين مهمة للغاية، ولكن الإدارة الأمريكية أهملت النظر في أن عملية "قطع الرأس" السياسي يمكن أن تولد فراغاً من النوع الذي يتم ملؤه بالفوضى والهاوية، وليس بالاستقرار. وقد خطط دونالد رامسفيلد إلى تخفيض القوات من 160000 إلى 30000 خلال فترة شهر- التوقعات كانت تقول بأنه بعد الإطاحة بصدام فإن العراق سوف يصبح بطريقة سحرية ما أكثر سلاماً وأمناً وقد تم الحديث مراراً وتكراراً عن تحقيق الاستقرار في العراق، ولكن وسائل تحقيق ذلك لم يتم التطرق لها- فالتخلص من صدام حسين بكل بساطة لا يمكن أن يكون في حد ذاته أمراً كافياً.
أيضاً، يمكن اعتبار زيادة القوات الأمريكية الأخيرة في العراق مثالاً على المدى الذي وصلت إليه الإدارة الأمريكية في تجاهلها لمتطلبات مهنة إدارة شئون الدولة المتعلقة بموائمة وملائمة الغايات والأهداف والوسائل مع بعضها البعض، فقد هدفت زيادة القوات إلى إقناع الزعماء الطائفيين العراقيين بالقيام بالتسوية السياسية اللازمة، وكانت الوسائل تتعلق بتزويدهم بالأمن الذي يمكن أن يعمل على حثهم وتحريضهم من أجل صياغة تماسك وتحالف وطني جديد. ولسوء الحظ فإن التسويات المتوقعة من العراقيين كانت كبيرة جداً في حجمها، والأمن الذي منح لهم لم يكن كافياً لجعلهم يقومون بالتغيير المطلوب. وبالنسبة للشيعة، الذين -برغم عددهم الكبير- كانت تتم معاملتهم دائماً كطبقة دنيا، فقد كان لديهم اقتناع عميق بأن السنة سوف لن يقبلوا بموقفهم الجديد الذي يهيمنون فيه على الأوضاع السياسية والاقتصادية. وبالمقابل فقد كان الشيعة الذين يمثلون الأغلبية يتخوفون من أنهم قد يفقدون السلطة في أية لحظة، وبالتالي فإنهم لم يكونوا مستعدين لكي يقتسموها مع أحد. أما السنة فقد كانوا واعين للأمر، وإضافة لذلك فإن مقتهم التاريخي والعاطفي للشيعة ما زال مستمراً بلا تبديل. زعماء القبائل السنية وحتى أولئك الذين يتعاملون مع الأمريكان، يشيرون نحو الشيعة باعتبارهم فارسيين، وهي علامة تشير بوضوح إلى أنهم ليسوا مستعدين لإلقاء السلاح والانضمام إليهم كـ "أخوة".
يقول دنيس روس: بدون وجود وسائل قوية، كأسلوب وطريقة لإجبار العراقيين من أجل التسوية السياسية، فإن هدف زيادة القوات الأمريكية في العراق سوف لن يتم الوصول إليه. كيف تجاوب بوش وتعامل مع ذلك؟ ويجيب روس قائلاً بمرور الثمانية أشهر الماضية قام بوش بإعادة تعريف وتحديد الهدف من زيادة القوات الأمريكية، بحيث أصبحت زيادة القوات الأمريكية الآن تتعلق بموضوع التمكين والتقوية السياسية على المستوى المحلي وليس بموضوع التسوية الوطنية، الذي ذكره بوش عند إعلانه قرار زيادة القوات قبل 9 أشهر.
ويخلص روس إلى أن أمريكا تحتاج إلى مواجهة جيران العراق بشكل مختلف، فمثلاً يمكن اللجوء إلى المساومة حول التفاهمات المشتركة المتبادلة بين بلدان الجوار وبالذات السعودية وإيران بحيث على الأقل يتم تحقيق السيطرة على الصراع ومنعه من الانتشار. فالإيرانيون سوف لن يساعدوا أمريكا في أمر الخروج من العراق، طالما أنهم يمتلكون أسبابهم الخاصة التي تدفعهم إلى الرغبة في عدم قيام أمريكا بسحب قواتها من العراق: فالانسحاب الأمريكي يمكن أن يولد فراغاً سوف يترتب عليه أن تدخل إيران والسعودية في منافسة مفتوحة ولانهائية الحدود.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد