فلسفة الحكم في مصر وتدهور صحة مبارك
الجمل: سوف يعقد الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر بدءاً من يوم الجمعة القادم مؤتمراً عاماً، سوف يحضره 6500 مندوب من مختلف أنحاء مصر، إلى جانب الضيوف الذين تمت دعوتهم للحضور من مختلف أنحاء العالم، وسوف يناقش المؤتمر القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقضايا مكافحة الإرهاب، وغيرها.. أما الشيء الوحيد الذي سوف لن يناقشه المؤتمر، فهو: الإجابة على السؤال القاتل: من سيقوم بخلافة الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي تقدم به العمر وتدهورت حالته الصحية بقدر كبير؟؟
* منصب نائب الرئيس المصري وإشكالية "تشاؤم" الرئيس مبارك:
منصب نائب الرئيس، من حيث هو، تمليه ضرورات الحرص على عدم حدوث حالة الفراغ الدستوري، في حالة غياب الرئيس لأي سبب من الأسباب، وفي مصر، تولى أنور السادات منصب النائب للرئيس المصري الزعيم جمال عبد الناصر، وبعد وفاته صعد السادات إلى منصب الرئيس، وعيّن حسني مبارك نائباً له، وبعد اغتيال أنور السادات صعد مبارك إلى منصب الرئاسة، وما كان جديراً بالملاحظة أن الرئيس المصري محمد حسني مبارك لم يقم بتعيين أي نائب له منذ لحظة توليه منصب الرئاسة وحتى الآن، الأمر الذي أدى إلى جعل منصب نائب الرئيس المصري، المنصوص عليه دستورياً، يظل شاغراً لفترة تجاوزت الخمسة وعشرين عاماً...
* تفسيرات "خلو" منصب نائب الرئيس المصري:
برغم وضوح الفقرة الدستورية المتعلقة بتعيين نائب للرئيس المصري، فإن الرئيس حسني مبارك لم يلتزم بتنفيذ هذا المطلب الدستوري، إضافة إلى أنه لم يطلب تعديل الدستور بما يتجاوب ويتلاءم مع رغبته، بل ظل يتجاهل الأمر..
برزت الكثير من النظريات التفسيرية لموقف الرئيس مبارك إزاء عدم القيام بتعيين نائب له، ومن أبرز هذه النظريات:
• نظرية دواعي الأمن: وتقول بأن طبيعة التطور السياسي المعاصر في مصر، أصبحت تشير إلى عدم إمكانية تغيير النظام السياسي من خارجه، وكل التغييرات المعاصرة حدثت من داخله، فقد تمكن الزعيم عبد الناصر (الذي كان نائباً لمحمد نجيب رئيس مجلس الثورة) من توجيه النظام في الاتجاه الذي يريد بعد الإطاحة "من الداخل" بمحمد نجيب، وتمكن أنور السادات أيضاً من توجيه النظام في الاتجاه الذي يريد بعد أن صعد "من الداخل" إلى منصب الرئاسة بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، ونفس الشيء فعله الرئيس مبارك بعد أن صعد إلى منصب الرئاسة "من داخل" النظام أيضاً، بعد اغتيال الرئيس السادات.. واستناداً إلى ذلك فإن الأطراف التي تسعى إلى تغيير النظام في مصر، يمكنها أن تفعل ذلك بكل سهولة عن طريق استهداف الرئيس، خاصة إذا كانت توجهات نائبه تتوافق مع توجهاتها.. وبالتالي فإن عدم قيام الرئيس حسني مبارك بتعيين نائب له، هي بالأساس عملية ترتبط بدواعي الأمن الهادفة إلى تأمين واستمرارية النظام..
• نظرية المؤامرة: وتشير إلى أن التجارب السابقة، التي أكدت أن من يتولى منصب "نائب الرئيس" في مصر، يكون هو الذي يتولى -فعلياً- منصب الرئاسة بعد غياب الرئيس، فإن الشكوك والمخاوف الأمنية دفعت بالرئيس مبارك إلى عدم اختيار نائب له، وذلك تفادياً لأن يقوم هذا النائب بـ "التآمر" مع مراكز القوى في الأجهزة المصرية، ويقوم بترتيب عملية التخلص منه.
• نظرية "عين الصقر": وتقول هذه النظرية بأن خبرة الرئيس مبارك كطيار عسكري محترف، جعلته يحاول تفادي كثرة المناصب الوسيطة، مثل نائب الرئيس، ومساعد الرئيس، ومساعد نائب الرئيس، وما شابه ذلك، وعلى وجه الخصوص في دولة مثل مصر، تكثر فيها تجمعات وتحالفات مراكز القوى، مثلما حدث في عهد عبد الناصر، فإن الرئيس حسني مبارك، ومن واقع خبرته كطيار، يركز دائماً على تفادي كل ما يحجب عنه الرؤيا الواضحة لأجهزة الدولة المصرية، والتي يريد الرئيس مبارك أن يجعلها تبدو من تحته واضحة مثل "نقوش السجادة" لمن ينظر إليها من الأعلى، وبالتالي فقد اكتفى الرئيس المصري بأن يبقي الأجواء تحته أكثر نقاءً وشفافية، بحيث يتعامل دون أي وسيط وبشكل مباشر مع رئيس مجلس الوزراء كممثل للسلطة التنفيذية، ورئيس مجلس الشعب كممثل للسلطة التشريعية، ومع رئيس القضاء كرئيس للسلطة القضائية.
• نظرية "توازن القوى": وتقول هذه النظرية بأن الرئيس حسني مبارك، يريد القيام بالإمساك مباشرةً بزمام السيطرة والمبادرة في السلطات الثلاثة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وذلك على النحو الذي يمكنه من الحفاظ على نوعين من التوازن:
* التوازن بين السلطات الثلاثة.
* التوازن بين الأطراف الموجودة ضمن كل واحدة من هذه السلطات.
وتتيح هذه العملية للرئيس مبارك، دون تدخل طرف ثالث، بالقيام بأمر إدارة الصراعات داخل:
* مجلس الوزراء المصري، بالتنسيق مع رئيس مجلس الوزراء.
* مجلس الشعب المصري، بالتنسيق مع رئيس مجلس الشعب، الذي ينتمي بالضرورة إلى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم..
وعموماً، فقد أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى تدهور صحة الرئيس مبارك، ولمحت إلى ضرورة قيام الرئيس مبارك في هذه الفترة بتعيين نائب له، وعلى ما يبدو، وبسبب اعتماد الإدارة الأمريكية على صحيفة نيويورك تايمز في عمليات "الهمز والغمز واللمز"، فإن هذا التصريح الصادر في مثل هذا الوقت يحمل أكثر من دلالة..
كما أشارت الصحيفة إلى أن المؤسسة العسكرية المصرية، برغم اكتفائها طوال المراحل الماضية في الوقوف إلى جانب الرئيس مبارك، فإنها ظلت تمارس قدراً كبيراً من "القسوة الناعمة" على شئون الحكم وإدارة الدولة في مصر، وبالتأكيد -كما تقول الصحيفة الأمريكية- فإن المؤسسة العسكرية المصرية سوف يكون رأيها حاسماً في تحديد مصير الرئاسة المصرية في حال غياب الرئيس حسني مبارك.. ففي حال حدوث أي فراغ دستوري في السلطة، فإن المؤسسة العسكرية المصرية سوف تقوم بملئه على الفور بالقوة العسكرية "غير الناعمة"..
الشعب المصري، بسبب حالة الضغط والاكتظاظ والازدحام وصعوبة تأمين "لقمة العيش"، ظل دائماً يجد السلوى والمتنفس في النكتة السياسية، وتقول الأخبار والقصص بأن الشارع المصري يتداول حالياً الكثير من النكات حول صحة ومصير الرئيس حسني مبارك، منها أن لعنة الفراعنة قد أدت إلى موت خبير الآثار الذي تزامنت مع لحظة وفاته عملية انقطاع شامل للكهرباء في مصر، ولم يعرف سببها حتى الآن، ويقول المصريون بأن حسني مبارك قد أدرك أن "لعنة نائب الرئيس المصري" تحل دائماً بالرئيس المصري، لذلك لم يقم بتعيين أي نائب له طوال فترة ربع القرن الماضي، وذلك طلباً لطول العمر والبقاء، وتفادياً لرصاصات الجيل العربي المصري الصاعد الرافض لكامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل والتبعية لأمريكا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد