هل الانتخابات النيابية في الأردن بداية التحول عن الديمقراطية؟
من المقرر أن تجرى انتخابات مجلس النواب الأردني في العشرين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو المجلس الخامس عشر في تاريخ المملكة الهاشمية، والخامس منذ استئناف الحياة النيابية في أواخر الثمانينيات.
إلا أن هذه الانتخابات تنعقد في ظل تهميش الدور الدستوري للبرلمان، وتراجع الحالة الديمقراطية، وتدهور الحياة السياسية بصفة عامة، بحسب مراقبين.
كان الأردن السبّاق من بين الدول العربية في التحول إلى الديمقراطية في العام 1989، فنظِّمت انتخابات تشريعية عامة نزيهة وقائمة على التنافس والمشاركة، ورفعت الأحكام العرفية، وأقر "الميثاق الوطني" الذي كان محل إجماع جميع القوى السياسية والاجتماعية، وأصدر عددا من القوانين المتقدمة على صعيد صون الحريات، مثل قانون الأحزاب، وقانون الصحافة والنشر، وغيرها.
إلا أن المنحنى البياني للتطور الديمقراطي أخذ في الانحدار منذ العام 1993، فصدر قانون للانتخاب، وصفه العديد من المراقبين بأنه "غير عادل في التمثيل" إذ استند إلى مبدأ "صوت واحد للناخب الواحد" one man, one vote، وجرى تعديل على قانون الصحافة والنشر خفض فيه سقف الحرية، وتم فرض قواعد جديدة للعبة السياسية، الأمر الذي حدا بأكاديمي وتكنوقراط، إلى وصف التجربة الديمقراطية الأردنية بـ "الديمقراطية المقيدة"، وهو الدكتور علي محافظة، في كتابه الصادر عام 2001 تحت المسمى نفسه.
ومع اعتلاء الملك عبدالله الثاني العرش عام 1999، استشرف بعض المحللين أن هذا الانتقال في السلطة سيسهم في تليين بنية النظام السياسي الصلبة، وسيتيح مزيداً من المشاركة الشعبية في صنع القرار، وسيدفع إلى مزيد من الانفتاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والتحديث الاجتماعي، باعتبار أن الملك الشاب الذي خلف أباه "ذا القيادة الكاريزمية"، سيحتاج إلى تدعيم شرعيته عن طريق تحقيق مثل هذه الإنجازات.
بيد أن تلك الأماني بددها التنكب عن طريق الإصلاح السياسي، فاستمر العمل في قانون الصوت الواحد، وتقييد الحريات السياسية والمدنية، والتضييق على الأحزاب المعارضة والنقابات المهنية والطلابية ومنظمات المجتمع الأهلي، إلى جانب تضاعف الدور المطلق للأجهزة الأمنية ( للتفصيل راجع: خوليا شقير، "الإصلاح الوهمي: الاستقرار الأردني العنيد، أوراق كارنيغي، ديسمبر 2006).
الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية فارس بريزات، ذكر أن "استطلاعات المركز التي قام بها على مدى السنوات العشر الأخير تظهر شعوراً بخيبة الأمل العامة في وتيرة الإصلاح السياسي،" وفي المتوسط يرى المواطنون مستوى الديمقراطية في بلدهم عند حوالي 5، على مقياس مؤلف من 10 درجات.
هذا فضلاً عن أن النظام الذي حرص على الاستمرار في طريق الإصلاح الاقتصادي، أخفق في هذا السبيل، وهو ما تبدى، بحسب مراقبين، في تراجع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، فارتفعت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر، وتدهور مستوى المعيشة دون حصول زيادة في الأجور، وتنامت نسبة العاطلين من العمل، وخصوصاً بين فئة الشباب، كما تراجع مؤشر الشفافية، وانتشرت قيم المحسوبية والزبونية، واستشرى الفساد في المؤسسات العامة وفي صفوف المسؤولين الحكوميين، وتراجع العدل والمساواة في توزيع عوائد الاقتصاد الوطني، وغيرها من مظاهر غياب الحكم الرشيد (للاطلاع على هذه المؤشرات، راجع ورقة سفيان العيسة، المنشورة ضمن سلسلة أوراق كارنيغي، في أغسطس 2007، بعنوان "إعادة النظر في الإصلاح الاقتصادي في الأردن: مواجهة الوقائع الاقتصادية والاجتماعية").
يُحيل كثير من السياسيين تدهور الوضع السياسي في البلاد، جزئياً، إلى "اختطاف" مجلس النواب وتغييبه، إذ تمكنت السلطة من تهميش المجلس وإقصائه عن دوره في صنع السياسات العامة والرقابة على السلطة التنفيذية ومساءلتها، وتحويله إلى مجلس للخدمات الجهوية والشخصية، الحال الذي جعل المجلس "مجرد ديكور لاستكمال الشكل الدستوري وغطاء لممارسة التحكم والتسلط والاستبداد"، وفقاً لنقيب المحامين السابق حسين مجلي.
وتوسَّلت السلطة إلى ذلك، عبر فرض قانون الانتخاب، المستند إلى نظام الصوت الواحد الذي أفضى إلى تشكيل مجالس نيابية، غلب عليها القوى المحافظة الموالية لنظام الحكم.
ولذلك، يلقى القانون معارضة من المواطنين، والشخصيات السياسية المستقلة، والأحزاب السياسية، والنقابات المهنية، ومؤسسات المجتمع الأهلي، إلى جانب منظمات حقوقية دولية، بوصفه "يفضل الروابط القبلية والعائلية على الارتباطات السياسية والأيديولوجية" (بتعبير مؤسسة "فريدوم هاوس" الأمريكية)، مما يؤدي - في المحصلة- إلى تفتيت الأحزاب وتقليص مقاعدها في المجلس.
فعلى سبيل المثال، نجد أن التمثيل الحزبي في البرلمان الأخير المنتخب عام 2003، لم يتعدَّ 25 في المائة.
كما أن قانون الانتخاب المعمول به يفتقر إلى التمثيل المنصف، يحث يرى بعض المراقبين أنه ليس مصادفة أن المحافظات الريفية، التي تعد دعائم أساسية للنظام الحاكم، والتي يغلب على سكانها المواطنين الشرق الأردنيين، هي الممثلة بعدد مقاعد أكثر من اللازم. فيما المناطق الحضرية ـ التي يسكنها الأردنيون ذوو الأصول الفلسطينية، ويتركز فيها نفوذ الإسلاميين، تفتقر إلى التمثيل العادل. ونذكر على سبيل المثال، أنه رغم أن محافظتي عمّان وإربد تضمان نحو 57 في المائة من إجمالي الناخبين، فإنهما ممثلتان فقط بنحو 38 في المائة من المقاعد النيابية.
يتم تنظيم الانتخابات القادمة وفقاً لقانون الانتخاب المؤقت رقم 34 لسنة 2001، وتعديلاته، والقائم على مبدأ الصوت الواحد.
ويتألف المجلس من 110 مقاعد، موزعة على 45 دائرة انتخابية، من بينها 6 مقاعد مخصصة للكوتا النسائية، والتي طبقت لأول مرة في الانتخابات السابقة التي جرت عام 2003.
وتشارك كل الأحزاب السياسية القائمة في الانتخابات، والتي يبلغ عددها 31 حزباً، ومن بينها أكبر الأحزاب المعارضة، جبهة العمل الإسلامي، التي تعد الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.
وكانت الجبهة قد هددت بمقاطعة الانتخابات، في إثر انسحابها يوم الاقتراع في الانتخابات البلدية التي جرت في 31 يوليو/تموز الفائت، متهمة الحكومة "بالغش والتدخل في الانتخابات"، والتي ترافقت مع تعرضها لحملة "استهداف ممنهجة من طرف الحكومة"، وفقاً للجبهة نفسها.
ولم تعلن الجبهة مشاركتها في الانتخابات إلا بعد تلقي "ضمانات" من رئيس الحكومة، معروف البخيت، بإجراء انتخابات نيابية نزيهة.
ويبدو أن الحركة الإسلامية خضعت لرغبة الحكومة في تحجيم مشاركتها السياسية، فأعلنت تبني سياسة "المشاركة لا المغالبة"، لذا تقدمت باثنين وعشرين مرشحاً فقط، بينما كان عدد مرشحيها في الانتخابات السابقة 30 مرشحاً، إلى جانب أن هؤلاء المرشحين يغلب عليهم ما يسمى "تيار الحمائم أو المعتدل"، وهو ما جعل البعض من القوى السياسية المعارضة يقول، بوجود "صفقة بين الحكومة والجبهة بشأن الانتخابات."
ومن جهة أخرى، أعلن عدد من الشخصيات المعارضة عدولهم عن الترشح والانسحاب من المنافسة الانتخابية، بسبب "إفراغ مجلس النواب القادم من مضمونه وممارسة اختصاصه"، كما ورد في البيان الصادر عن المحامي القومي حسين مجلي، أو بسبب "عدم الثقة في نزاهة الانتخابات، وصعوبة تحقيق شيئ للشعب من خلال تركيبة مجلس النواب"، وفقاً للوزير والنائب السابق عبدالرحيم ملحس، أو بسبب "استشراء ظاهرة المال السياسي وتوظيفه في الانتخابات لشراء ذمم الناس وأصواتهم" طبقاً للكاتب اليساري ناهض حتر.
أما توجان فيصل، النائب السابقة والمعارضة البارزة، فقد رفض طلب ترشيحها بسبب صدور حكم بحقها بالحبس سنة ونصف السنة عام 2002، بتهمة التجريح بالحكومة ورئيسها حينذاك المهندس علي أبو الراغب، مع أنها أطلق سراحها بعفو خاص.
وفي كل الأحوال، وفي ظل انعقاد الانتخابات تحت قانون الصوت الواحد، ومقاطعة رموز معارضة للانتخابات، ومحدودية مشاركة الإسلاميين، يرجح مراقبون أن يكون البرلمان المقبل نسخة من البرلمان السابق، لجهة هيمنة القوى المحافظة والتقليدية عليه.
وهكذا لن يكون مجلس النواب "رافعة الديمقراطية وحاضنة التعددية الأردنية" (كما جاء في وثيقة "الأردن أولاً" المقرة تحت الرعاية الرسمية عام 2002)، ومن ثم لن يسهم في التنمية السياسية والحزبية في البلد، بل يُخشى أنه سيكون بمنزلة "تكريس وترسيخ للتراجع المستمر في الحياة السياسية بصفة عامة"، وفقاً للكاتب الصحفي محمد أبورمان.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد