صراعات إسرائيلية داخلية تفشل مؤتمر أنابوليس قبل انعقاده
لم يعد السؤال المهم لدى المتابعين للمباحثات الإسرائيلية الفلسطينية حول مؤتمر أنابوليس هو هل سيعقد المؤتمر أم لا؟ كما لم يعد مهماً الاستفسار عن قدرة المؤتمر على تحقيق نتائج عملية أم لا. الأمور صارت أوضح من أي وقت مضى: إذا كانت الإدارة الأميركية تريد مؤتمراً فإن بوسعها عقده. ولكن مثلما تستطيع إعلان الحرب ولا تستطيع تحديد نتائجها النهائية فإنها هنا تستطيع عقد المؤتمر ولا تحدد نتائجه.
فالنتائج تتحدد بشكل أساس لدى واحد من الطرفين: الإسرائيلي أو الفلسطيني. وإسرائيل الرسمية، لاعتبارات كثيرة، قالت كلمتها: إنها تريد من مؤتمر أنابوليس أن يحقق لها ليس السلام وإنما تطويع إرادة الفلسطينيين ودفعهم لقبول إسرائيل ليس كأمر واقع وإنما كقناعة وجدانية وبأثر رجعي. وهي هنا تريد من الفلسطينيين الإقرار بأن إسرائيل دولة يهودية، بحيث تنفي أي حق للفلسطينيين بتاريخ تلك الأرض أو بالعودة إليها.
ولم تخف وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الطموح الكامن في هذا المطلب، وهو تجريد الفلسطينيين الباقين في أرضهم في مناطق ,48 من حق الوجود. فدولة إسرائيل هي دولة اليهود ودولة فلسطين هي دولة العرب. وبالتالي ليس المقصود فقط منع حق العودة عن اللاجئين الفلسطينيين وإنما توفير الأساس لطرد من تبقى من الفلسطينيين على أرضهم في الدولة العبرية.
والواقع أن المطالب التعجيزية الإسرائيلية تقع في دائرة يرى البعض أنها مفاوضات إسرائيلية ـ إسرائيلية. فرئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت الذي أوحى برغبته في تحقيق السلام الشامل مع الفلسطينيين، يعرف أنه لا يستطيع التحرك خطوة واحدة إلى الأمام قبل أن يضمن موافقة شركائه الائتلافيين. وقد سبقه شركاؤه إلى الكنيست بتقييد حركته في المفاوضات بالتشدد في موضوع القدس وإقرار أنها لا تحتاج فقط لاستفتاء وأغلبية 61 عضو كنيست بل أيضاً أغلبية 80 عضواً.
وثمة في إسرائيل كالدكتور حاييم شاين، في معاريف «من لاحظوا أصلاً أن مؤتمر أنابوليس «هو الثمن السياسي الاكبر الذي تضطر دولة إسرائيل الى دفعه عقب الفشل في حرب لبنان الثانية. الحرب التي الى الأبد ستذكر كنقطة الفصل، بالنسبة للمكانة السياسية والعسكرية لدولة اسرائيل في الشرق الاوسط. فاسرائيل التي كانت ركيزة هامة واساسية في اعتبارات الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بسلوكها في منطقتنا، فقدت مكانتها في اعقاب الفشل في الحرب. إذ ظهرت اسرائيل في حرب لبنان كنمر من ورق وكدعامة متهاوية».
وبوسع كل مراقب لمجريات المفاوضات التمهيدية لمؤتمر أنابوليس ملاحظة أن أولمرت اضطر لتسليم قيادة المفاوضات إلى خصمه الحزبي تسيبي ليفني. وقد أضعف هذا التعيين من احتمالات التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وكانت الضحية الأولى لهذا التعيين التعهد بعدم مناقشة القضايا الجوهرية كالقدس والحدود في مؤتمر أنابوليس. ثم جاءت التراجعات الأخرى من جانب أولمرت لباراك تارة بخصوص عدم تقديم «بوادر حسن نية»، ولأفيغدور ليبرمان بالتشدد في اشتراط الاعتراف بيهودية الدولة ولحركة شاس بإبعاد موضوع القدس عن القمة.
وهكذا نشأت كل الظروف للإعلان عن فشل أنابوليس قبل أن يعقد المؤتمر. ويمكن تلمس هذا الفشل في الهدوء الذي يسم مواقف القوى اليمينية داخل الائتلاف الحكومي وخارجه. وكثيرون يرون في هدوء حركة شاس وإسرائيل بيتنا دليلاً على أن أنابوليس وبصرف النظر عن المستوى الإعلامي الذي سيحتله وعن الإعلان الذي سيصدر عنه بات فاشلاً.
ومن الجائز أن تغيير زعيم حركة ميرتس، يوسي بيلين، لموقفه من المؤتمر يشكل واحداً من الشارات البارزة حول هذا الفشل. فقد أعلن قبل أيام أن «انابوليس بصيغته المتبلورة هو فشل معروف مسبقاً، سيضعف المعسكر الفلسطيني البراغماتي ويعزز حماس. من الافضل مواصلة المفاوضات على مسائل اللباب من عقد مؤتمر فارغ، يشارك فيه سفراء عرب بدل أصحاب القرار، الى جانب قيادة اسرائيلية تفضل ليبرمان على اختراق حقيقي للسلام».
كما أن الإعلان عن مشاركة إيهود باراك في المؤتمر، وهو المتشكك الأول فيه، يوفر دليلا آخر على أن المؤتمر فاشل، وأنه يذهب إلى هناك فقط بعد أن تراجع أولمرت عن أفكاره الأولية بالتغيير الجوهري في مواقف إسرائيل في المفاوضات.
وإذا شاء المرء أن يبحث عن شارات أخرى لهذا الفشل فسوف يجده في تفاصيل الخلاف الدائر بين طاقمي المفاوضات حول صيغة الإعلان المشترك. وبحسب صحف إسرائيلية فإن تسيبي ليفني أفلحت في أن تجند الى جانبها الاميركيين في المطالبة بتحويل أنابوليس الى لقاء تأسيسي يدشن لمسيرة وليس تصريحاً جوهرياً. وتتباهى ليفني بأنها أدخلت مطلب تطبيق خريطة الطريق قبل أي تنفيذ على الارض. وعموماً فإن ليفني تضع الفلسطينيين حالياً أمام خيار: إما الوصول الى أنابوليس دون مطالب عالية واعتباره بداية مسيرة، أو الغرق من جديد في الاكتئاب والعودة الى خريطة الطريق دون مفاوضات.
وأخيراً فإن وزيرة الخارجية الأميركية نفسها التي رأت في مؤتمر أنابوليس حلمها لتحقيق إنجاز تاريخي باتت تقلص من التوقعات. فالمؤتمر لم يعد في نظرها مناسبة لتحقيق السلام وإنما فرصة لتحريك العملية السلمية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد