القدس عشية أنابوليس... ماذا تبقّى من عروبتها؟!
منذ احتلالها بشكل كامل خلال حرب حزيران عام ,1967 والقدس تتعرض يوماً بعد يوم لحملات استيطانية مختلفة، هدفها تهويد المدينة بشكل كامل وطرد سكانها العرب، أو حصرهم في جيوب معزولة داخل المدينة أو على أطرافها.
ولتنفيذ هذه السياسية، لم تترك إسرائيل حيلة أو وسيلة إلا استخدمتها بغية السيطرة على المدينة باعتبارها عاصمة للدولة العبرية، ما يحول دون تحول شطرها الشرقي إلى عاصمة للدولة الفلسطينية، وحتى لو تم تحويل السيطرة على أحياء عربية إلى السلطة الفلسطينية، فإن هذه الأحياء ستكون خارج حدود المدينة الأصلية، والسيطرة عليها ستبقى منقوصة بسبب الحصار الاستيطاني القائم حالياً والذي صار أمراً واقعاً لا مناص منه.
وكانت القدس قد قسمت بعد حرب عام 1948 إلى شرقية تخضع للسيطرة الأردنية، وغربية تخضع لسيطرة إسرائيل. وبعد حرب عام ,1967 احتلت إسرائيل المدينة بالكامل وضمت نحو 70 ألف دونم من المناطق المجاورة لها وأعلنتها حدوداً موسعة للبلدية. وفي عام 1980 اقر الكنيست قانون «القدس كاملة وموحدة عاصمة إسرائيل». ومنذ ذلك الوقت تحولت المدينة إلى مستعمرة كبيرة، يتبلور شكلها اليهودي يوماً بعد يوم فيما بدأت تغيب العروبة عن ملامحها.
أقرت الحكومة الإسرائيلية مشروع «القدس الكبرى» في شباط عام 1993 وهو يرمي إلى «تسمين» المستوطنات القائمة داخل حدود بلدية القدس وخارجها، وربطها بطرق وشوارع التفافية تتجنب الاحتكاك مع السكان العرب، وتسيطر على اكبر مساحات من أراضي المدينة، وتضم آلاف الدونمات من أراضي القرى والمدن المحيطة بها، وتضمن التواصل اليهودي، وعزل الأحياء العربية عن بعضها، وعزل القدس عن الضفة، والحيلولة دون حصول تواصل جغرافي بين مناطق الوسط مثل رام الله، والجنوب مثل بيت لحم والخليل.
وحسب رأي الخبير الفلسطيني في قضايا الاستيطان، خليل تفكجي، فقد نفذ هذا المخطط على الأرض من خلال طوقين استيطانيين، يشمل الأول بناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في المستوطنات الموجودة داخل مدينة القدس وهي «رامتا اشكوا، معلوت دفنا، سنهدريا رموت الون، نيفي يعقوب، بسجات زئيف، التلة الفرنسية، جبل سكوبس، تل بيوت الشرقية، جيلو، الحي اليهودي، ماميلا، جبعات هماتوس، بسجات عومر،عطروت، بسجات شعفاط، راموت، الجامعة العبرية». وبهذه الطريقة تمكنت إسرائيل من السيطرة على نحو 80 في المئة من مساحة المدينة التي ترسمها حدود البلدية، فيما تبقت النسبة المتبقية للأحياء العربية والأماكن الأثرية والخالية.
وأما الطوق الثاني فهو يقع خارج حدود البلدية لمدينة القدس، ويتضمن بناء مئات آلاف الوحدات الاستيطانية في مستوطنات معاليه ادوميم، مشور ادوميم، كفار ادوميم، جبعات زئيف، هار شموئيل، جبعات بنيامين، علمون، جفعون حدشاه، هارآدار، ومن ثم ربطها بالمدينة بمجموعة هائلة ومعقدة من الطرق الالتفافية.
وفي المناطق العربية ذات الكثافة السكانية العالية، تم إنشاء طرق تحيط بها من كافة الجهات وتعزلها عن بعضها البعض، كما تم إنشاء «خيوط» من منازل المستوطنين، على امتداد هذه الشوارع هدفها تكريس الوجود اليهودي في كل منطقة داخل المدينة المقدسة حتى لو كانت عربية. وقد صادق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارئيل شارون عام 1998 على مشروع البوابات الـ26 وهو يهدف إلى عزل الأحياء والقرى العربية الموجودة في القدس، من خلال بوابات وهمية تشكلها شوارع التفافية، بالتزامن مع بناء مستوطنة هارحوماه في جبل ابو غنيم لتشكل البوابة الجنوبية للقدس والتي تحكم السيطرة الأمنية على مداخل ومخارج السكان القادمين والمغادرين باتجاه الجنوب (بيت لحم، الخليل).
أما مشروع البوابة الشرقية، فهو ما بات يعرف في جزء منه بخطة E 1 ، حيث تم مصادرة آلاف الدونمات الواقعة بين مدينة القدس ورام الله والعيزرية وأبو ديس، ويهدف هذا المخطط إلى ربط الأحياء الاستيطانية في القدس بالمستعمرات الواقعة شرق المدينة، وأكبرها معاليه ادوميم، وبسغات زئيف، وفي حال تم تنفيذه بالكامل، ستحكم إسرائيل السيطرة الأمنية على المداخل الشرقية للقدس لتعزل المدينة عن الضفة بشكل كامل، كما أن مخطط E 1 سيحول دون التواصل الجغرافي بين مناطق الوسط والجنوب في الضفة.
وهناك خطر ثالث ستتسبب به الخطة المذكورة وهو «زراعة» أحياء يهودية في وسط حي باب العمود القريب جداً من المسجد الاقصى المبارك، حيث سيتم تحويل مبنى الشرطة الاسرائيلية الموجود هناك الى حي استيطاني مقابل قيام جمعيات استيطانية متطرفة بمنح الشرطة قطعة ارض لإقامة مركز بديل في ما يعرف بمنطقة E 1 .
ومن أجل ترسيم الشكل النهائي لمدينة القدس، وضعت إسرائيل جدارها العنصري ليحيط بالأطواق الاستيطانية المذكورة وبالتالي، أزاحت عن الوجود إمكانية تحويل أي من أجزاء هذه المدينة إلى عاصمة فلسطينية كون الجدار (هو الحدود النهائية المفترضة لإسرائيل» وفق رأي بعض المحللين السياسيين. وبما أن معظم الأحياء العربية واقعة خارج حدود البلدية الأصلية ـ لكنها ظلت تصنف مؤقتا على أنها مناطق مقدسية، عزلت عن نفسها وتحولت إلى كانتونات يحيطها الجدار والطرق الالتفافية، فإن فكرة نقل السيطرة على القدس للسلطة الفلسطينية تنحصر فقط في السيطرة على هذه الأحياء، أي مناطق قريبة من القدس، ستصير هي العاصمة المستقبلية، ولن تكون القدس الشرقية كذلك أبداً.
إذاً قسمت إسرائيل القدس جغرافيا إلى ثلاثة أقسام، حسب رأي الخبير والمحلل السياسي المتابع لملف القدس محمد عبد ربه، القسم الأول هو يهودي مئة في المئة وهو القدس الغربية، والقسم الآخر هو يهودي بنسبة ثمانين في المئة وهو القدس الشرقية، والقسم الثالث وهو عربي مئة في المئة، وهو الأحياء العربية المقدسية الواقعة خارج حدود البلدية، مثل أحياء في الرام وبير نبالا، وكفر عقب، والعيزرية وهذه كلها تقع عملياً خارج حدود الجدار، وهي ما سيكون عاصمة الأمر الواقع بالنسبة للفلسطينيين.
ويضيف عبد ربه «إن السياسة الإسرائيلية المتبعة تجاه السكان العرب في المدينة تنحصر في ثلاثة أنواع، الأول سياسة التهجير، والثاني سياسة الإغراء والغش والاحتيال لسرقة ممتلكاتهم العربية، والثالث سياسة سحب الهويات وهدم المنازل العربية».
وفي النهاية، يعقد لقاء أنابوليس غداً، ويبرر العرب ذهابهم بدوافع منها التمسك بالقدس، فعن أي مدينة يتحدثون؟!.
امجد سمحان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد