نظام حسني مبارك: تبعية أمريكية وعزلة داخلية
الجمل: يعاني نظام حسني مبارك من العزلة الداخلية وتزايد المعارضة والرفض السياسي في الشارع المصري وقد أدى ذلك إلى اقتسام البيئة السياسية المصرية الداخلية بين قوتين الأولى يمثلها الشارع المصري والثانية تمثلها الأوليجارشية الحاكمة بزعامة حسني مبارك، وموضوع التجاذبات بين القوتين يقوم على أساس اعتبارات أن:
• "الأوليجارشية" الحاكمة بزعامة حسني مبارك تسير في درب التبعية للمشروع الإسرائيلي – الأمريكي في الشرق الأوسط.
• الشارع المصري يرفض السير في درب التبعية للمشروع الإسرائيلي – الأمريكي في الشرق الأوسط.
* حسني مبارك وإشكالية انفصام العلاقة بين قمة وقاعدة هرم سلطة الدولة:
وضع نظام حسني مبارك كل رهاناته على حصان المعونة الأمريكية عن طريق الالتزام بـ:
• التعاون مع إسرائيل.
• الاندماج ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
ولكنه في نهاية الأمر حصل على الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى الأزمة السياسية. بكلمات أخرى، بدلاً من أن تقدم أمريكا المساعدات إلى نظام حسني مبارك فقد قدمت له المساعدات المشروطة التي أدت إلى تراكم الديون وتزايد معدلات التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات على النحو الذي أدى إلى تفاقم السخط السياسي الشعبي وصعود قوى المعارضة خاصة حركة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية المتطرفة إضافة إلى المعارضة العلمانية، ولم تكتف أمريكا بذلك، بل عملت على دعم المعارضة العلمانية المصرية مثل حركة «كفاية» لتأمين البديل العلماني لنظام حسني مبارك الذي أصبحت الإدارة الأمريكية وإسرائيل أكثر اقتناعاً بأنه استنزف أغراضه وانجرفت مبررات وجوده بفعل عمليات التآكل السياسي لمؤسساته الاقتصادية والسياسية.
* نظام حسني مبارك والمناورة على الخطوط الداخلية والخارجية:
هامش المناورة المتاح أمام نظام حسني مبارك أصبح ضيقاً ومحدوداً للغاية، وذلك لأن خطوط المناورة وتطبيقات إستراتيجية الاقتراب المباشر والاقتراب غير المباشر أصبحت قليلة الجدوى والفاعلية.
• خيار الرهان على "التحالف الخارجي": عمل نظام حسني مبارك على استخدام إسرائيل في الضغط على أمريكا من أجل الحصول على المساعدات، وأيضاً على استخدام أمريكا في الضغط على إسرائيل لكي تكف عن التمادي في فرض مشروطياتها القاسية على النظام المصري. وقد كانت قدرة النظام المصري في الضغط على إسرائيل كبيرة في فترة الزعيم الراحل ياسر عرفات ولكن بصعود حركة حماس لم يعد النظام المصري قادراً على فرض سيطرته على الأوضاع الفلسطينية والعمل من أجل تكييفها سياسياً بما يتماشى مع المشروطيات الإسرائيلية.
• خيار الرهان على جدوى "تكتل المعتدلين العرب": وكان واضحاً أن تكتل المعتدلين العرب سوف يترتب عليه تحويل أوراق وكروت اللعبة من يد حسني مبارك إلى يد العاهل الأردني الملك عبد اله. بكلمات أخرى، سوف يصبح "الزعيم" حسني مبارك مجرد لاعب ثانوي مقارنة باللاعب الرئيسي سمو العاهل الأردني عبد الله.
* آخر رهانات حسني مبارك:
تقول أطروحات الفيلسوف السياسي الإيطالي نيقولا ميكافيلي في كتاب الأمير وكتاب المطارحات، بأن الخطر الخارجي يؤدي إلى توحيد الجبهة الداخلية. بكلمات أخرى، فإن "الأوليجارشية" المصرية الحاكمة الآن بزعامة حسني مبارك، من الممكن أن تنجح في إعادة اصطفاف الشارع المصري حولها إذا نجحت في صناعة "الخطر الخارجي".
تناقلت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة انتقادات الرئيس المصري حسني مبارك لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بسبب اتهامها لنظام مبارك بالتقصير وعدم المسؤولية واللامبالاة في الالتزام بتنفيذ المشروطيات الإسرائيلية التي تطالب مصر ببذل أقصى الجهود في عملية حصار الفلسطينيين الموجودين في قطاع غزة.
"دراما" انتقادات الرئيس مبارك تهدف من بين ما تهدف إلى نقل إشارة إلى الشارع الإسلامي المصري بأن مبارك على خلاف مع الإسرائيليين وبأنه لا ينفذ المشروطيات الإسرائيلية – الأمريكية.
* نظام حسني مبارك وإشكالية "الوجه الإسرائيلي القبيح":
تعود الإسرائيليون على أن يقابل الزعيم مبارك انتهاكاتهم بأدب جم، ولم يتعودوا على سماع مثل تلك الانتقادات التي وجهها حسني مبارك، ووزير خارجيته أبو الغيط لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، وتمثلت أولى ردود الفعل الإسرائيلية في تحليل السياسي الإسرائيلي عوري أورباخ، الذي نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية تحت عنوان «ازدراء الرئيس: مبارك مصر يتبع الشعيرة الألوفة المتعلقة بضجة إلقاء اللوم على "وقاحة إسرائيل"».
يقول الإسرائيلي عوري أورباخ "لم يتم توجيه الإساءة إلى الرئيس المصري حسني مبارك، وبدلاً من ذلك فالرئيس يشعر بأنه عومل بازدراء. وإذا كان منحى الإشارة شخصياً، وواضح الملامح، فإن الازدراء هو صنيعة الخيلاء والتعالي والكبر..".
ومضى أوروباخ في التطرق إلى بعض الجوانب التي نعتذر عن نقلها، ولكنه حاول في النصف الثاني من تحليله التركيز على تقصير النظام المصري بالالتزام بالمشروطيات الإسرائيلية إزاء ما يتعلق بتشديد الحصار ضد قطاع غزة.
عموماً، سيناريو توتر العلاقات المصرية – الإسرائيلية، لم تتضح حقيقته إلى الآن، هل هو سيناريو طبيعي أم هو سيناريو مصنوع؟ وعلى الأرجح أن تكون "حرفية" الصنع قد لعبت دوراً كبيراً فيه، لأنه بالرغم من حالة التوتر فقد فوجئ الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بإلقاء نظام حسني مبارك القبض على 2000 من الحجاج الفلسطينيين دفعة واحدة عند عودتهم من الأراضي المقدسة، الأمر الذي يؤكد مدى جدية نظام مبارك ومصداقيته في تنفيذ المشروطيات الإسرائيلية بالحرب ضد "الإرهاب الفلسطيني".
وحالياً تشير التوقعات إلى احتمالات أن يقوم نظام مبارك بتقديم الطلبات إلى الإدارة الأمريكية من أجل إحضار بعض الوحدات العسكرية الأمريكية لنشرها على حدود قطاع غزة من الجانب المصري، بحيث يكون الإشراف على حصار القطاع مصرياً – أمريكياً هذه المرة، بما يؤدي بالنتيجة إلى رضا إسرائيل وقيام الإدارة الأمريكية بإلغاء المعونات والمساعدات المقدمة لنظام حسني مبارك والتي تم احتجازها.
فهل تنجح مناورة الرئيس مبارك القائمة على أساس المضي في اتجاهين:
• الأول حقيقي ويهدف إلى التعاون الجاد مع إسرائيل والحصول على المساعدات الأمريكية.
• الثاني غير حقيقي ويهدف إلى توجيه الانتقادات لإسرائيل من أجل كسب تأييد الشارع المصري، وكسب ود الأطراف والدول والحكومات العربية المناهضة للمشروع الإسرائيلي.
لو نجحت مناورة مبارك ومر ما هو مخطط له، فإنه سوف يكون ق أصبح "ميكافيلي" الألفية الثالثة!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد