دماء فلسطينية على يدي عباس
«لا يمكن السكوت»، هذا ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تعليقه على مذبحة غزة. لكنه عملياً تعاطى مع الحدث مثل مراقب من بعيد لجريمة لا تربطه بها أي صلة، فلم يجد غضاضة في الحديث عن السلام بينما غزة كانت، ولا تزال، غارقة في دماء قوافل الشهداء اليومية.
وسكوت عباس عموماً كان سابقاً للمجزرة، التي لا يمكن فصلها عن زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى الشرق الأوسط، ولا سيما أن الشروط التي رفعت خلالها أرست مساراً دموياً حتمياً في القطاع، قد يكون العدوان الأخيرة مجرّد بداية له؛ فسلطة الرئيس الفلسطيني غضّت السمع عن مجموعات التصريحات الأميركية والإسرائيلية التي رافقت زيارة بوش، والتي أسّست للسلام الدموي المرتقب، الذي يسعى إليه عباس.
«لا سلام قبل إنهاء الوضع القائم في غزة ووقف الهجمات الإرهابية منه»، هذه الجملة هي نموذج عن فيض من التصريحات صدرت، ولا تزال تصدر يومياً، عن المسؤولين الإسرائيليين، الذين أعلنوا أن بوش وافق عليها. جملة غض الموقف الرسمي الفلسطيني السمع عنها أيضاً، ولم يطلب أي تفسير لهذا الموقف، ربما لأن التفسير وصل إلى عباس وطاقمه في غرف الاجتماعات المغلقة.
والصمت الفلسطيني الرسمي لا يمكن أن يكون إلا رضى ضمنياً على شرط السلام، الذي يتيح لعباس عودة «مظفرة» إلى قطاع غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية وعلى أشلاء مئات الشهداء. لا يستطيع عباس اليوم أن ينفض يده من دماء الذين يسقطون يومياً في غزة، ولا يمكن تفسير صمته إلا مشاركة في الجريمة الشنعاء التي تخطّط للقطاع. فمن المؤكّد أن المسؤولين الفلسطينيين، وفي مقدمهم «الرئيس»، يدركون أن عبارات «إنهاء الوضع القائم في غزة» أو «وقف الهجمات الإرهابية من القطاع»، لا تعني أن حركة «حماس» ستسلّم طوعاً القطاع إلى «شرعية» عباس أو أنها ستعلن وقفاً من جانب واحد لإطلاق النار، مع العلم أن أي إطلاق نار من القطاع، بغض النظر عن مسببه، ستكون «حماس» مسؤولة عنه في التفسيرات الإسرائيلية والأميركية.
وبناء عليه، فإن التفسيرات المتطابقة مع هذه العبارات، بغض النظر عن تسريبات الإعداد لعدوان واسع على غزة، كانت تصبّ في السياق الدموي الذي يشهده القطاع، وبالتالي لا يمكن السلطة الفلسطينية رفع مسؤوليتها عن المشاركة، ولو ضمناً، فيه. ولو كانت السلطة حريصة على الدماء الفلسطينية، وحريصة على درء شبهة المشاركة في إهراقها، لكان يجدر بها، قولاً على الأقل لا فعلاً، التلويح بإجراءات تترجم «عدم السكوت». لكنها اختارت المضي في المفاوضات، على اعتبار أن قرار وقفها هو «قرار عربي وليس فلسطينياً»، على حدّ تعبير المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة.
عباس بات يدرك بما لا يقبل التأويل «ثمن السلام» الأميركي، فهل سيكون مواظباً على «الدفع»؟ الجواب بالتأكيد سيكون نعم، فـ«غصن الزيتون» لن يسقط من يدي الرئيس الفلسطيني حتى لو احترقت غزة وحي الزيتون فيها.
حسام كنفاني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد