حمية نباتية وسلوكيات صحية لتجنب السرطان
يساعد اختيار حمية غذائية غنية بالخضراوات على إيقاف التدهور الحاصل على صعيد الأنسجة الجزيئية الذي يعتبر السبب الرئيسي لظهور الأورام السرطانية. وتزيد فعالية هذه الحمية كلما كانت معدة ومحددة وفقاً لاحتياجات الشخص وتأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحمض النووي الخاص به. هذا ما بدأت تظهره دراسات حديثة أتاحت المجال لتوضيح العلاقة بين ردود الفعل المختلفة لكل شخص تجاه أنواع الغذاء المختلفة، وبينت أن ما هو مفيد ونافع بالنسبة لشخص ما قد لا يقدم الفائدة نفسها لغيره.
فبالرغم من الانجازات الكثيرة التي حققها العلم ولا يزال يسعى إلى تحقيقها على صعيد مكافحة السرطان، والتي سمحت بكشف بعض أسراره وزادت من القدرة على الكشف المبكر عن المرض وتحديد العلاج اللازم، إلا أن أحدا لم يتمكن من القضاء على المرض بشكل نهائي.
غير أن خبير الأورام الإيطالي المعروف أومبيرتو فيرونيزي (Umberto Veronesi) يرى أن اتباع اثنتي عشرة قاعدة بسيطة وسهلة في مجال التغذية والوقاية، قادر بشكل قاطع على محاصرة انتشار المرض وعلى تحسين حياتنا. كما أنه حدد عددا من المواد الطبيعية التي تهدف إلى محاربة المرض وعزله والتخفيف إلى حد كبير من تأثيراته القاتلة.
ومن بين تلك المواد، مادة الليكوبين الموجودة في البندورة التي تشكل واحدة من بين العديد من الخضراوات التي تحتوي على مواد ثبتت فعاليتها ضد السرطان. ومن الجدير بالذكر أن كمية الليكوبين التي تحويها البندورة تتضاعف بمعدل 5 مرات عند طبخها لمدة طويلة ما يجعل في صلصة البندورة العادية دواء شافياً.
ولا تبدو هذه الخلاصة مفاجئة لمن يعرفون فيرونيزي الذي يعتبر من أشد المدافعين عن الأنظمة الغذائية النباتية بوصفها صحية أكثر داعيا إلى التوقف عن أكل اللحوم.
فبحسب فيرونيزي يمكن للحمية التي تعتمد على الخضار وقف تدهور الأنسجة الجزيئية والموروثات وهو ما يشكل السبب الأول في ظهور الأورام. غير أن أهمية خطوة الانتقال إلى نظام نباتي لا تكتمل إلا مع الأخذ بعين الاعتبار التركيبة الوراثية للشخص المعني للحصول على نتائج أكثر إيجابية.
لا تزال الأبحاث في بدايتها بالنسبة لتحديد العلاقة التفاعلية بين الغذاء وعمل الموروثات. وهو علم جديد قائم بذاته يطلق عليه اسم «نوتريجينتك» أو علم «الجينات الغذائي» ويرمي إلى تحديد الآلية التي يؤثر من خلالها الغذاء على وظائف الجزئيات وبالتالي تحديد نوع الغذاء الذي يلائم كل شخص بشكل أفضل.
ومع ذلك فالفكرة لا تعتبر حديثة وهي موجودة في بعض العلاجات التقليدية الصينية والهندية على سبيل المثال، والتي تعتقد بأنه لا يوجد غذاء شخصي بالمطلق ولكنه يجب أن يراعي مواصفات كل شخص، بحيث إن ما يمكن أن ينفع شخصا ما بدرجة كبيرة، لا يعطي بالضرورة نتائج باهرة بالنسبة لشخص آخر. وهنا يكمن إذاً العنصران الرئيسيان اللذان من شأنهما إفساح المجال لتحقيق خطوة حاسمة إلى الأمام في مجال الوقاية وعلاج الأورام.
والحال أن المزايا العلاجية للمواد الموجودة في الخضراوات معروفة منذ زمن بعيد، وما مادة الليكوبين إلا مجرد مادة أخرى من هذا النوع تم اكتشافها وتمكن العلماء من تحديد الآليات التي تعمل من خلالها على وقف تكاثر الخلايا السرطانية التي غالبا ما تنتج عن الجذور الحرة (free radicals) أي تلك الجزئيات التي تفقد احد اليكتروناتها نتيجة لعملية الأكسدة التي تحدث أثناء التنفس فتحاول استعادة توازنها على حساب الجزئيات الأخرى ما يلحق فيها الضرر، وفي بعض الأحيان تشكل نقطة الانطلاق بالنسبة لتكون الخلايا السرطانية.
ويعتبر القنبيط والبروكولي مفيدين بشكل خاص حيث يعملان على تخفيض مخاطر الإصابة بسرطان الصدر والرئتين. وينصح بالبندورة للوقاية من سرطان البروستاتة وتجويف الفم. الجزر يحمي القولون والجهاز الهضمي في حين يفيد البصل والثوم بشكل خاص للوقاية من سرطان البروستاتة والقولون.
ولا تقتصر قائمة الأغذية التي تهدف إلى تقوية المناعة للجسم والوقاية من الإصابات السرطانية على الخضراوات، فقد ظهر وجود فوائد أيضا للقهوة وزيت الزيتون والشاي الأخضر والحبوب واللفت والأسماك وصفار البيض.
والمواد الثلاث الأخيرة تحديداً تعتبر غنية بدهون أوميغا 3 التي تمنع تدفق الدم إلى الخلايا السرطانية وتسبب موتها.
- وقد وضع أومبيرتو فيرونيزي أحد أهم الخبراء العالميين في مجاله، اثنتي عشرة قاعدة ذهبية تبناها الاتحاد الأوروبي لتشكل «الدليل الأوروبي لمكافحة السرطان»، وينصح بالالتزام بها بحذافيرها حتى تصبح ثقافة وأسلوب حياة للوقاية من الأورام كما تساعد في إجراء الفحوصات المبكرة ما يزيد من فرص نجاح أي علاج في حال ثبوت الإصابة بالمرض.
والقواعد سهلة وبسيطة كما يمكن وصفها بأنها بديهية ومفروغ منها، لكن يتم في معظم الحالات التغاضي عنها وتجاهلها، في حين أن مراعاتها والعمل على نشرها قد يمكننا بشكل حازم من الحيلولة دون تفشي المرض وفي الوقت نفسه يساعدنا على تحسين نمط الحياة التي نعيشها. وهذه القواعد هي:
1ـ عدم التدخين. فإذا كنت تدخن ينبغي أن تتوقف. وإن لم يكن بوسعك أن تتوقف عن التدخين فلا تدخن بوجود غير المدخنين.
2ـ تحاشي الوزن الزائد.
3ـ القيام كل يوم بمزاولة بعض النشاطات الرياضية.
4ـ تناول الفاكهة والخضار يومياً: على الأقل خمس حصص والتقليل من تناول الأغذية التي تحتوي على الدهون الحيوانية.
5ـ التخفيف من تناول الكحول بكافة أنواعها والاكتفاء بكأسين من النبيذ أو المشروبات الأخرى بالنسبة للرجال وكأس بالنسبة للنساء.
6ـ الانتباه من التعرض لوقت طويل لأشعة الشمس ومن المهم بشكل خاص حماية الأطفال واليافعين. أما الأشخاص المعرضون لحروق الشمس فيجب أن يتحاشوا مدى الحياة التعرض الطويل لأشعة الشمس.
7ـ الانتباه الجيد لمراعاة النصائح والإرشادات الخاصة بتحاشي التعرض للعوامل المسرطنة المعروفة.
8ـ مراجعة الطبيب عند ملاحظة وجود أي أورام أو تقرحات لا تشفى بسهولة أو الشامات التي تتغير من حيث الشكل، أو ملاحظة فقدان الدم غير العادي واستمرار أعراض كالسعال والحموضة في المعدة والصعوبة في البلع وفقدان الوزن والتغيرات في العادات الهضمية أو التبول.
9ـ للنساء في سن 25 فما فوق التأكد من عدم التعرض لأورام الرحم.
10ـ بالنسبة للنساء فوق سن الخمسين التأكد من عدم التعرض لأورام الثدي.
11ـ للأشخاص فوق سن الخمسين التأكد من عدم وجود أورام في القولون.
12ـ المشاركة في برامج التطعيم ضد التهاب الكبد الوبائي من النوع «ب».
أما النقطة الثانية التي يتحدث عنها فيرونيزي فتتمثل بوضع نظام تغذية نباتي شخصي وفقا لمواصفات الحمض النووي، وهذا النظام لا يزال قيد الدراسة إلا ان مساره أصبح محدداً، حيث يتطلب تحديد الآليات الجزيئية التي تشكل الأساس لتأثيرات الطعام على الصحة بحيث يمكن فهم تفاعل كل شخص مع الأطعمة وفقا لطبيعته وكيفية تأثير وجود أو عدم وجود بعض الأمراض وفي نفس الوقت تحديد المؤشرات التي تسمح بالمراقبة المستمرة للتفاعل بين الصحة والطعام.
وفي ما خص تأكيد فيرونيزي ضرورة الامتناع عن أكل اللحوم كإحدى وسائل الحماية من السرطان تشير بعض الدراسات مثلا إلى أن المغذيات يمكنها أن تساهم في نمو سرطانات القولون والمعدة والثدي. فقد حددت عدة متغيرات وراثية بأنها مسؤولة عن زيادة القابلية للإصابة بالسرطان. ومن الأمثلة على ذلك الموروثة المسؤولة عن إنتاج أنزيم «أسيتيل ترانسفيراز» NـAcetyltransferase أو NAT وهو أحد أنزيمات المرحلة الثانية من الأيض وموجود في شكلين: NAT1 و NAT2. وتتورط هذه الموروثة في عملية acetylation للأمينات العطرية المتعددة الحلقات (heterocyclic aromatic amines) الموجودة في المنتجات التي يتم تسخينها لا سيما اللحم الأحمر المطبوخ جيدا. فأثــناء طهــو اللــحوم على درجــة حرارة عالية قد تتفاعل بعــض الأحماض الأمينيــة مع الكرآتين (creatine) وهو بروتــين موجــود في اللحوم من أجل تشكيل أمينات عطرية متعددة الحلقات HAA. وهذه الأمينات تتحول بفعــل عملية التمثيل الغذائي والأنزيم إلى مواد قادرة على التفاعل مع الحمض النووي وترتبــط به مما يسـبب ظهور السرطان. وقد أظهرت الدراسات أن وجود الموروثة NAT2 لدى إنسان ما ممكن بالتالي أن تزيد من احتمالات إصابته بسرطان القولون لدى الأشخاص الذين يستهلكون كميات كبيرة نسبيا من اللحوم الحمراء.
فعلم الوراثة الغذائي يركز على دراسة تفاعل الطعام مع وظائف جيناتنا وكيف يمكن لجينوم كل شخص والفروقات التي تميزه عن غيره أن تحدد طريقة تفاعله مع المواد المختلفة الموجودة في الطعام الذي يأكله بحيث يمكن أن يشكل النظام الغذائي الذي يتبعه شخص عامل خطورة يزيد من احتمال الإصابة ببعض الأمراض. وتزايد الاهتمام مؤخرا بهذا الفرع الجديد من العلم، بسبب الإمكانيات الكامنة فيه لجهة الوقاية أو التخفيف أو حتى علاج بعض الأمراض المزمنة والسرطانات من خلال تغييرات بسيطة وإنما مهمة في النظام الغذائي (راجع «السفير» 15ـ2ـ2007).
ربما ليس من الصحيح تماما أن «المرء هو ما يأكله» ولكن الصحيح أن «المرء قد يكون مريضاً أو سليماً وفقا للطعام الذي يتناوله».
طلال خريس
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد