استقالة رئيس القيادة الوسطى للقوات الأمريكية في العالم
أعلن رئيس القيادة الوسطى للقوات الأميركية في العالم، الاميرال وليام فالون، أمس، استقالته من منصبه، وذلك في أعقاب تقرير كشف عن تناقض بين استراتيجيته «الدبلوماسية» ومطامح الادارة الاميركية العسكرية في إيران.
وأعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس أن فالون طلب إليه الموافقة على استقالته، وأنه قبل طلبه. أضاف غيتس في مقر البنتاغون «أؤمن بأنه اتخذ القرار الصائب»، مشيداً بقدرات فالون الاستراتيجية العسكرية، ورفض وجود رابط بين الاستقالة وتقرير صدر مؤخراً عن مجلة «إسكواير» الاميركية. وقال «أعتقد» أن الاستقالة بنيت على «نوع من التراكم»، وأنها «ليست نتيجة لأي تقرير بذاته، أو مسألة بذاتها».
من جهته، أصدر فالون الذي يقوم بزيارة إلى العراق، بياناً من مكتبه في فلوريدا، قال فيه «إن التقارير الإعلامية الأخيرة التي تحدثت عن انفصال بين وجهات نظري وأهداف سياسة الرئيس (جورج بوش)، أصبحت بمثابة تشويش في وقت حرج، وعرقلة للجهود في منطقة القيادة الوسطى».
أضاف البيان «ورغم أنني لا أؤمن أنه كان هناك على الاطلاق أي خلافات حول الاهداف في سياستنا في منطقة القيادة الوسطى التي نتولى مسؤوليتها... فهذا يجعل من الصعب عليّ خدمة المصالح الاميركية بفاعلية هناك».
وقد أثارت استقالة فالون، بعد نحو أسبوع من صدور تقرير «إسكواير»، الذي تنبأ بإقالة فالون إذا ما كان البيت الأبيض مصمماً على شن حرب على إيران، قلقاً من حتمية الحرب. لكن غيتس أكد أن «الكلام عن أن هذا القرار ينذر بأي تغيير في السياسة حيال إيران هو، برأيي، سخيف»، مؤكداً أن «هناك سوء إدراك» لموقف فالون والإدارة: «لا أعتقد أنه كانت هنالك أية خلافات على الإطلاق» بينهما.
ومن المتوقع أن يتولى مهام فالون، الذي أمضى 41 عاماً من حياته في الخدمة العسكرية، وتولى منصبه في 16 آذار العام ,2007 نائبه الجنرال مارتن ديمبسي.
وكان التقرير الذي كتبه توماس بارنيت أشار إلى أن «المراقبين المطلعين يقولون الآن إن إعفاء فالون من مهامه قبل انتهائها في الربيع المقبل، وقد يتم هذا في مطلع الصيف، لن يشكل مفاجأة، وذلك من اجل تعيين قائد يعتبره البيت الأبيض أكثر انصياعاً».
فالرئيس بوش، أضاف التقرير، ليس معتاداً على مرؤوس يقول رأيه بحرية مستقلة كما يفعل فالون.
أضاف التقرير «وإذا حصل ذلك، فسيكون مؤشراً على أن الرئيس ونائبــه ينويــان بالفــعل التحرك عسكرياً ضد إيران، قبل نهاية العام الحــالي، من دون أن يعرقلهما قائد» يحمل الخطط الاستراتيجــية السلمــية التي يـروّج لها فالون.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» نقلت عن فالون، في الأسبوع الماضي، وصفه التقرير بأنه «مغرض».
وكان غيتس اختار فالون، فور استبداله بسلفه ديفيد رامسفيلد قبل عام ونيف، لأنه «أحد أفضل المفكرين الاستراتيجيين باللباس العسكري اليوم». وقد أمل وزير الدفاع الاستفادة من تجربة فالون في حماية السلم مع الصين، لبسط الاستقرار في المنطقة الشرق أوسطية الساخنة، وتوجيه التعليمات للجنرال المتحمس ديفيد بتراوس في العراق.
وقد وصــف فالــون نفسـه بالفعل، في تقرير «إسكواير» بأنه يأتي «من مدرسة السير بنـعومة وبعصا كبيرة»، ويحاول أن يكـون «عقلانــياً أمام شعبي (الاميركي)، وغير متوقع أبداً للخصوم المحتملين».
ويبدو أن فالون أوجد، بالنظر إلى النوبات الأخيرة الموجهة ضد إيران من قبل الإدارة البوشية المتصلبة، صدعاً مع المتعصبين من المحافظين الجدد الذين يتصدرهم نائب الرئيس ديك تشيني. فخلال العام ,2007 وفيما دأبت الادارة الاميركية على تجييش الرأي العام وكأنها على أهبة حرب مع إيران، بدأ فالون في الوقت ذاته تقريباً يجادل ضد ما وصفه بالخطوة غير الحكيمة، مستبعداً إمكانية وقوع الحرب، وموجداً حالة شقاق بينه وبين البيت الأبيض.
«إن قرع طبول الحرب المستمر هذا... لا يساعد ولا يفيد»، قال فالون في تصريح لقناة «الجزيرة» القطرية في الخريف الماضي، مضيفاً «أتوقع ألا تكون هناك حرب، وهذا ما يجدر بنا العمل عليه. يجدر بنا أن نحاول بذل أقصى ما في مستطاعنا لخلق ظروف مختلفة».
وفالون، الذي يقف في مركز العالم، هو بمثابة شهادة على فشل الدبلوماسية الأميركية في المنطقة. فلقد وجد رجل الزي العسكري نفسه مضطراً إلى أداء دور رجال ربطات العنق. وهو في حالة تنقل دائم بين العراق، أفغانستان، باكستان، ودول آسيا الوسطى، يحشد الحلفاء لاستراتيجيته السلمية، وينظم المؤتمرات والمناورات العسكرية، ويحاضر حول موقفه المناوئ لضربة عسكرية ضد إيران.
وقال فالون لبارنيت إن مسؤولي البيت الابيض انتقدوا جولاته هذه قائلين «ما الداعي للقائك بمبارك؟». أضاف حامل لقب «الثعلب» المعروف بهدوئه البالغ: «لماذا؟، لأن من واجبي التعامل مع هذه المنطقة، وهي كل ما يراد التحدث عنه الآن. الناس هنا ينصتون إلى ما أقول ويفهمون»، وفيما «يترجم» المسؤولون في واشنطن «كل هذا على أنه موجه ضدهم»، «فالواقع أنه موجه إلى حكومات وإعلام المنطقة». «أنا لا أتكلم عن البيت الابيض»، يؤكد الاميرال، «هذا مركز الجاذبية خاصتي. هذا هو عملي».
ورغم اعتباره أن «طهران تشعر بالغرور حالياً، لأنهم (الايرانيون) تمكنوا من إيلامنا في العراق وأفغانستان»، إلا أن الحيلة تكمن برأيه «في معرفة ما يريدونه (الايرانيون) بالفعل، وبعدها، ربما، لن نلعب دور بابا نويل... لكن الحقيقة أن الجميع بحاجة إلى شيء في هذا العالم، ومعظم دول العالم الفعالة وجدت طريقها لتسويق قواها أمام قوى أخرى من أجل مساعدتها».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد