من المسؤول عن موتنا المجاني على الطرقات
مع ازدياد عدد السيارات في سورية, زادت حوادث المرور التي حصدت أرواح ضحايا أبرياء تركوا أحزانا( عميقة الأثر لايمكن نسيانها أبدا( لدى أقاربهم. فلقد بلغ عدد السيارات المسجلة عام 2001 779562 سيارة في حين وصل عددها عام 2007 إلى 1389346 سيارة. واجازات السوق الممنوحة عام 2001 عددها 594 إجازة سوق,
في حين وصل عددها عام 2007 إلى 30701 إجازة سوق. وفي دمشق قفزت أعداد السيارات مابين عامي 2005و2006 من 204 آلاف سيارة إلى 250ألف سيارة, وفي ريف دمشق قفز العدد من 122ألف سيارة إلى 150ألف سيارة وفي حلب أكثر من 180 ألف سيارة.
كذلك تضاعف عدد السيارات في جميع مناطق سورية, وازداد تلوث الهواء بالغازات المنبعثة من عوادم السيارات, وتحولت السيارة من نعمة إلى نقمة في واقعنا الحالي لعدم الحد من تلوث الهواء وعدم تأمين سلامة المرور بالشكل المطلوب حيث تعتمد سلامة المرور على حساب الفعل المتبادل للعوامل الثلاثة التالية : أحوال الطريق, وسائل النقل, والسائق, وهي العوامل التي تسمى عادة( بمجموعة (الطريق, السيارة, السائق) وهي مجموعة متكاملة, وسلامة المرور لاسيما في المناطق السكنية تعتمد كذلك على طائفة أخرى من المشاركين في حركة المرور وهم المشاة, ولهذا السبب ربما كان من الأصح أن نسمي المجموعة المتكاملة (الطريق —السيارة — الإنسان).
ويمضي العام 2007 مسجلا (أرقاما) مذهلة بحوادث المرور حيث بلغ عددها 28599 حادثة مرور تسببت في وفاة 2818 شخصا( وجرح 16145 آخرين.
وقد توزعت أسباب الحوادث المرتكبة كما هو واضح من الجدول رقم(1)
الجدول (2) عدد وفيات حوادث الطرق في سورية خلال خمسة أعوام (ادارة المرور).
ونلاحظ زيادة عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق بشكل تصاعدي حسب السنوات المذكورة, وهذ1 يرافقه كذلك زيادة في عدد الجرحى فلقد بلغ عدد الجرحى عام 2007 (16145 جريحا), وعام 1995 (7897 جريحا), وعام1996 (8425 جريحا), وعام 1997 (8337 جريحا), وعام 2001 (8447 جريحا), وعام 2005 (12841 جريحا).
وبذلك نلاحظ بأن عام 2007 هو الأكثر من حيث عدد الوفيات والجرحى مقارنة بالأعوام السابقة.وهذا يضعنا أمام ضخامة الكارثة التي نسير باتجاهها وضرورة وضع حلول سريعة وهامة تتعلق بحوادث السير وسلامة المرور في سورية.
أسباب حوادث السير في سورية
1- السرعة الزائدة : إن عدد العوامل التي يتمكن السائق من تمييزها وتثبيتها في فكره بوضوح,محصور بأقل فترة زمنية لازمة لتمييز المؤثرات المستقلة بأعضائه الحسية. ولكل عامل من عوامل الإثارة قيمة معينة يعتمد مقدارها على الجهد الانفعالي العام للشخص ومعدل القيم المذكورة يساوي مايلي : 1/16 ثانية للبصر, 1/20 ثانية للسمع, 1/5 ثانية لرد الفعل العضلي للرجة والارتطام.
والمؤثرات الأكثر تردداً تندمج مع بعضها البعض, وتستوعب من قبل الأعضاء الحسية على هيئة عمليات مستمرة الحدوث : وميض في العيون, دوي في الآذان, اهتزاز. وبالإضافة إلى ذلك يستطيع السائق في كل لحظة زمنية تركيز انتباهه على حالة معينة فقط, مع حصوله أيضا على فكرة عامة عن بعض الظواهر الأخرى التي تحدث في وقت واحد مع الحالة المذكورة, ويعتبر المصدر الأساسي للمعلومات المتعلقة بأحوال الطريق بالنسبة لسائق السيارة نظره شخصيا. وعندما يتحرك السائق بسيارته على الطريق تتغير الصورة في ذهنه بشكل متعاقب.وتبعا لحالة الطريق يتغير عدد الأشياء التي يتركز عليها ذهن السائق أي العوامل التي تثيره وتلفت انتباهه.
وبالرجوع إلى الجدول (1) نلاحظ أن السرعة الزائدة تسببت بنحو 53% من مجمل حوادث السير لعام 2007 في سورية, وبشكل عام يظل السبب الرئيسي في معظم حوادث السير هو السرعة الزائدة وهذه يعود للسائق.
وإذا أردنا أن نعرف النسبة المئوية من مجموع حوادث السير التي تقع بسبب السائق فلنرجع إلى الجدول (1) فنلاحظ بأن 86% من الحالات سببها السائق (السرعة الزائدة, عدم التقيد باشارات المرور- الدوران غير النظامي التجاوز المخالف تأثير النعاس والكحول السير باتجاه معاكس التوقف غير النظامي).
علما بأن بقية العوامل غير المذكورة كسوء حالة الإطارات والأنوار والمكابح تعتبر من مسؤولية السائق واهتمامه.
وبالمقارنة مع مراجع عالمية نجد أن السائق مسؤول عن : 82% من حوادث الطرق في ألمانيا و 74% في هنغاريا و 87% في روسيا و 41% في ايطاليا و40% في بولونيا.
2- تأثير أحوال الطرق على سلامة المرور :
تخصص الدراسات والإحصائيات: دورا لأحوال الطرق في وقوع الحوادث تصل نسبته إلى 8% في ألمانيا الغربية و22% في روسياو25-30 % في أمريكا و41% في ايطالياو47% في اليابان ان كل تغير في أحوال حركة المرور عند الدخول إلى قسم خطر من الطريق أو نشوء حالة مرور معقدة نظرا( للتصرف الخاطىء للسائقين أو المشاة يرتبط عادة بالتقلب الحاد في الجهد الانفعالي للسائق الذي تعتمد عليه مدة ردة الفعل وحجم المعلومات المستوعبة وسرعة تحليل هذه المعلومات وإمكانية الخطأ في تقرير حالة المرور وأسباب ذلك هي صعوبة قيادة السيارة في حالة نظام المرور الانتقالي وضرورة التخلي عن إيقاع الحركة الذي كان سائدا في القسم السابق من الطريق وتغيير مسافة الرؤية والظروف الطبيعية على جانبي الطريق
والأمر الذي يتميز بصعوبة كبيرة هو عملية الانتقال التي عندما يقوم السائق خلالها بتقدير حالة أو وضعية المرور على القسم الجديد من الطريق وتغيير سرعة السيارة بما يتفق مع أحوال الطريق الجديدة.
ان الممارسة العملية لإنشاء الطرق قد أدركت منذ زمن بعيد خصائص أنظمة المرور هذه وبناء على ذلك اقترح الخبراء والمهندسون تعريض ممر السيارات عند منحنيات الطرق وإنشاء منحنيات انتقال وحارات تغيير السرعة وهي الأشياء التي لم تقدر أهميتها حتى الآن على الوجه المطلوب.
من ناحية الجهود العصبية والنفسانية التي يبذلها السائق عند السير على الطريق فالطرق الطويلة المستقيمة تؤدي إلى حالة ملل عند السائق قريبة من النوم تؤدي إلى حوادث مؤسفة ومايساعد على ظهور هذه الحالة بالإضافة إلى الاهتزازات المنتظمة للسيارة وهو تعرض السائق للتأثير المنوم الناجم عن رؤية سطح الطريق العاكس ولمعان غطاء مقدمة السيارة ولا يتعرض كافة السائقين إلى مثل هذه الظاهرة بنفس الدرجة.
إن عدد حوادث الطرق الناجمة عن حالة النوم أو النعاس التي تصيب السائقين كثيرة ويجب تجنبها.
كذلك كثافة المرور تهيىء ظروفا صعبة للغاية عند تحرك السيارات ضمن تدفق مزدحم أو عند السير في طوابير حيث يضطر كافة السائقين السير بسرعة واحدة متميزة هي سرعة الطابور وهذه السرعة لا تتفق في أغلب الأحيان مع المميزات النفسانية للسائقين ومع درجة إرهاقهم ومهاراتهم.فالسائق غير المتمرس الذي يتابع السير ضمن الطابور على مسافة قليلة من السيارة التي تسير أمامه,لايملك الفترة الزمنية الكافية لتنفيذ القرارات معرضا نفسه إلى خطر الوقوع في أخطاء تهدد بحدوث اصطدامات أو حوادث مؤسفة لان حركة المرور الكثيفة لا تترك للسائق إلا وقتا قليلا جدا للتفكير فيما سيفعله.
بعض السائقين الذين يسيرون بسرعة كبيرة جدا يتعرضون إلى درجة كبيرة من الخطورة خاصة عند مرورهم على الأقسام الخطرة من الطرق ذات الرؤية المحدودة المدى المحتوية على جسور ضيقة مع عدم استواء سطح الطريق في بعض الأماكن بالإضافة إلى بعض العيوب في إنشاء وتنفيذ الطريق. وعندما يسير السائق بسرعة عالية بينما تكون درجة انتباهه أو يقظته منخفضة نوعا ما, لا يسعفه الوقت أحيانا في تقرير ما سيفعله في نفس الوقت الذي يجد فيه بأن أحوال الطريق قد أصبحت سيئة عند دخوله إلى القسم الخطر من ذلك الطريق. إن نسبة 80% من حوادث الطرق تقريبا مرتبطة بانقلاب السيارات بسبب السرعة المفرطة, أي أن السيارة في حالة السرعات الكبيرة هي التي تقود الإنسان وليس هو الذي يقودها. ضرورة المناورات المرتبطة باتمام عمليات التجاوز تؤدي إلى الزيادة التدريجية في العدد النسبي لحوادث الطرق, وتزداد كلما زادت كثافة المرور كما يعتبر عرض ممر السيارات (حارة المرور) له علاقة بحوادث الطرق.
لمقارنة تأثير عرض ممر السيارات على درجة سلامة المرور نورد الجدول 3 التالي :
ويدل تحليل المعطيات الواردة أعلاه على أنه بزيادة عرض ممر السيارات في الطريق تقل حوادث المرور. وعندما يبلغ عرض ممر السيارات في طريق ذي حارتي مرور (7.5 أمتار) تقل حوادث الطرق وهو العرض الذي يتفق مع الخبرة العملية لإنشاء الطرق في عدد كبير من البلدان الأجنبية.
مع مراعاة وجود أكتاف متينة وثابتة للطريق تسمح عند الضرورة بإمكانية سيرعجلات السيارة على كتف الطريق ونزولها إلى الطريق ثانية ونلفت الانتباه إلى أن العرض القليل لأكتاف الطريق يؤدي الى زيادة عدد حوادث الطرق.
ولكن التجارب الخاصة التي أجريت في أمريكا أثبتت بأن رداءة الرؤية تبقى قوية إلى درجة كبيرة تتطلب وجود حارة وسطية ذات عرض كبير للغاية لأجل المرور في حالة تشغيل الأضواء بعيدة المدى (ضوء عال) للسيارة عند السير بسرعة عالية. كما هو واضح في الجدول (4):
ولهذا السبب يجب أخذ بعض التدابير الخاصة لحماية السائقين من انبهار البصر عند التعرض للأنوار البعيدة المدى
للسيارات ذات الاتجاه المعاكس ومن أكثر هذه التدابير انتشارا طريقة غرس الأشجار داخل الحارة الوسطية الفاصلة أو إقامة حواجز شبكية على امتداد محور الحارة الوسطية الفاصلة.
ففي ألمانيا انخفض عدد الحوادث بعد وضع حواجز شبكية مضادة لانبهار البصر على قسم تجريبي من أحد الطرق بطول 1.6 كم بنسبة 60%, وانخفضت درجة خطورة تلك الحوادث بنسبة 97%, وقد تمكن السائقون من قيادة سياراتهم ليلا مع تشغيل الأنوار بعيدة المدى للمصابيح الأمامية, ومن خلال التجارب التي أجريت في انكلترا انخفض عدد حوادث الطرق المسببة للإصابات المختلفة والحوادث المسببة للوفاة بمقدار 3 مرات نتيجة وضع الحواجز الشبكية بالإضافة إلى أنها تقوم بالدلالة على اتجاه الطريق بصورة جيدة ليلا وذلك عند المنعطفات.
إن تأثير الرؤية الحقيقية على سلامة المرور هو تأثير كبير للغاية, ويعتبر الخبراء في ألمانيا إن نسبة 44 % من مجموع كافة حوادث الطرق الناجمة عن أحوال الطرق غير الملائمة تعود إلى الرؤية المحدودة وخاصة عند السير أمام الآليات الأخرى أو تجاوزها في المنحنيات الرأسية والأفقية التي أنصاف أقطارها صغيرة نسبيا.
وتتميز أقسام الطريق المحتوية على ميول طولية صاعدة أو هابطة بوقوع عدد كبير من الحوادث عليها, وتزداد الخطورة عند الهبوط أو الانحدار مما هي عليه عند الصعود وذلك يعود إلى عطل الفرامل أو توقفها عن العمل وهذه الحالات من العطل تبلغ طبقا لمعطيات معهد أبحاث الطرق الروسي نسبة 58 % من المجموع الكلي للحوادث الناجمة عن العطل الميكانيكي للسيارة. وتزداد هذه النسبة زيادة محسوسة عند الانحدارات الحادة الطويلة حيث تستخدم الفرامل بشدة وكثرة.
وعندنا في سورية تعتبر منطقة الثنايا على طريق عام دمشق- حمص مثالا واضحا على أسباب وقوع الحوادث المذكورة أعلاه.
الجسور التي يقل تحتها عرض ممر السيارات المرصوف (حارة المرور) عن العرض الإجمالي لحارة المرور والأكتاف على الطريق, تعتبر بمثابة أماكن تتركز فيها حوادث الطرق المؤسفة والقاتلة وهي موجودة بكثرة في سورية.
وهناك حالة لاتقل خطراعن حالة حصر أو تضييق عرض ممر السيارات نتيجة لوجود الجسور الضيقة, ألا وهي وجود الأشجار والشجيرات المزروعة بمحاذاة الطرق, إن وجود مثل هذه الأشجار يزيد من درجة خطورة الحوادث التي تقع نتيجة لخروج السيارات عن الممر المرصوف للطريق, بالإضافة إلى ذلك فان الأشجار تقيد أو تحصر الرؤية الجانبية (مسافة الرؤية الأفقية) وعند الغروب عندما تسقط عليها أشعة الشمس تشكل ظلالا على سطح الطريق, تتعاقب في الظهور مع الأقسام المشمسة.
التعاقب السريع لظهور الأماكن الساطعة والأماكن العاتمة أو الظليلة يتعب نظر السائق ويجعل من الصعب عليه تقدير أحوال الطريق وظروف المرور وحوادث اصطدام السيارات بالأشجار المزروعة على جوانب الطريق تؤدي إلى إصابات بالغة بالركاب وفي أمريكا تنصح جمعية مهندسي الطرق الرسميين بأن لا تقل المسافات التي تبعد بين الشجيرات عن حافة الطريق عن 6متر للشجيرات الرفيعة وعن 9متر بالنسبة للأشجار الأكبر قطرا, ومن الضروري اختيار نوع الشجيرات الملائم لتشجير الحارة الوسطية الفاصلة بحيث لا يؤدي نمو تلك الشجيرات الصغيرة بعد فترة من الزمن إلى تحولها إلى أشجار غليظة الجذوع.
إن الأشجار التي يزيد ثخنها عن 8 سم في مستوى يساوي 1 متر عن سطح الأرض لا يسمح بوجودها في الحارةالوسطية الفاصلة كما أن حوادث الدهس كثيرة في طرقاتنا نتيجة خروج أحد المارة فجأة من بين الشجيرات في الحارة الوسطيه دون أن يراه السائق.
والنوع الثاني من الأشياء التي تشكل خطورة على سلامة المرور هي أعمدة الإنارة الكهربائية, ولهذا يتوجب على السائقين عند مرورهم مراعاة مسافة الأمان الفاصلة التي تعتمد قيمتها على سرعة السيارات.
إن العواقب المأساوية لاصطدام السيارات بالأعمدة والدعامات ثقيلة الكتلة أدت إلى ظهور الأعمدة والدعامات التي تحتوي على مقاطع عرضية تتميز بمقاومة كافية ضد الرياح ولكنها تنكسر في الحال عند اصطدام السيارة بها.
ومن الأساليب التي يمكن اتباعها لتقليل عدد حوادث الطرق عند التقاطعات في المستوى الواحد وخاصة عندما تتقاطع عدة طرق في نفس المكان, هو إنشاء تقاطعات دائرية الشكل مثل التقاطعات المنتشرة على نطاق واسع في انكلترا وألمانيا ودول أجنبية أخرى وتدل الدراسات التي أجراها مختبر أبحاث الطرق البريطاني على أن عدد الحوادث قد قل بمعدل 2.5-3 مرات بعد استبدال التقاطعات العادية بتقاطعات دائرية.
إن إضاءة بعض الأماكن المختارة مثل ممر المشاة وتقاطعات الطرق بكافة أنواعها والجسور الضيقة يمكن أن تعتبر بمثابة وسيلة مهمة لتحسين درجة سلامة المرور, وتشير الحسابات الاقتصادية دائما إلى الفعالية العالية للاضاءة الكهربائية للطرق مع انخفاض قيمة الأضرار الناتجة عن حوادث الطرق المختلفة وان تكاليف الإضاءة الكهربائية لاتزيد عادة عما يتراوح بين 2-4 % من التكاليف العامة لإنشاء طريق جديد وذلك فان تقليل تكاليف إنشاء الطريق بالاستغناء عن الإضاءة الكهربائية في أماكن حيوية وحساسة يعتبر من قبيل الوهم أو الخداع لان الأضرار الناجمة عن ذلك تكون كبيرة جدا.
بسام مهنا
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد