مؤامرة القضاء على فرنسا الديغولية
الجمل: أعلن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي مؤكداً بأن فرنسا ستلتزم بالمضي قدماً بالمسير في مسيرة الردع النووي وذلك خلال قيامه بتدشين الغواصة النووية الفرنسية الجديدة، التي اعتبرها المراقبون العسكريون بأنها، وإن كانت تشكل إضافة إلى الترسانة العسكرية النووية الفرنسية، فهي تشكل أيضاً نقطة انطلاق جديدة في انحياز فرنسا أكثر فأكثر إلى الخيار العسكري كوسيلة للتعامل مع البيئة الدولية الجديدة.
* تفاهم فرنسا ساركوزي – بريطانيا غوردون براون:
تقول التسريبات الواردة من باريس ولندن، بأن الرئيس الفرنسي سيقوم يوم 27 آذار الحالي بزيارة إلى العاصمة البريطانية لندن لعقد لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني براون، ويهدف اللقاء إلى الآتي:
• التفاهم حول ولاية فرنسا لرئاسة الاتحاد الأوروبي التي اقترب أوانها.
• التفاهم حول إعادة فرنسا لعضوية حلف الناتو العسكرية والسياسية كعضو ملتزم كامل العضوية والمشاركة.
• التفاهم حول إقامة تحالف أنجلو – فرنسي، يتولى مهمة توجيه أوروبا في المستقبل.
*الطبيعة الجديدة للتفاهم الأنجلو – فرنسي:
تنظر التحليلات إلى تفاهم ساركوزي – براون باعتباره يشكل نقطة تحول ومنعطف نوعي دراماتيكي جديد في توجهات السياسة الخارجية الفرنسية، على أساس اعتبارات أن القيام بهذه الخطوات سيجعل من فرنسا مفارقة للخط السياسي الديغولي جملة وتفصيلاً.
* باريس وموسم العودة إلى حلف الناتو:
من الصعب القول بأن عودة فرنسا إلى عضوية حلف الناتو ستؤثر على الميزان العسكري العالمي، لأن القوة العسكرية الفرنسية ظلت تقبع دائماً ضمن معادلة حسابات القوة العسكرية الغربية، وبالتالي لا يمكن القول بأن الوزن الكلي للقوة العسكرية الغربية قد حصل على قيمة مضافة جديدة، ولكن بالتأكيد، ستؤدي عودة فرنسا إلى الكثير من الحسابات العسكرية والسياسية الجديدة داخل حلف الناتو.
قبل الانسحاب من الناتو كانت فرنسا تتمتع بكامل عضوية حلف الناتو العسكرية والسياسية، ولكن بسبب نزعة الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول الساعية لتحقيق الاستقلالية الأوروبية، وإدراكه لحقيقة أن استقلال أوروبا عن النفوذ الأمريكي سيجعل من فرنسا القوة القائدة للقارة الأوروبية، وقد سعت فرنسا إلى:
• إضعاف حلف الناتو عسكرياً عن طريق الانسحاب من الاتفاقية العسكرية.
• التعاون مع البلدان الأوروبية الغربية الداعمة لمسيرة الاستقلالية الأوروبية وبالذات ألمانيا.
• شن حملة ضد المزاعم الأمريكية القائلة بأن أوروبا تحتاج إلى مظلة الردع النووي الأمريكي عبر حلف الناتو لردع ومواجهة الخطر الشيوعي والتمدد السوفييتي، وكان الطرح الفرنسي الديغولي يركز على أن أوروبا لم تعد بحاجة إلى قوة الردع النووي الأمريكي طالما أن بمقدورها الاعتماد على قوة الردع النووي الفرنسي.
التسريبات حول عودة فرنسا إلى حلف الناتو لو تحققت، فإن ساركوزي سيكون قد أكمل الحلقة الأكثر أهمية في ملف تمكين الولايات المتحدة من بسط نفوذها الكامل، ليس على دول غرب أوروبا، وإنما على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وعندها لن تكون لعلاقات عبر الأطلنطي أي أهمية سوى تلقي الأوروبيين للإملاءات الأمريكية الوحيدة الاتجاه.
* ماذا وراء خط باريس – لندن الجديد:
كانت باريس تمثل محور الاستقلالية الأوروبية عن الولايات المتحدة، بينما كانت لندن تمثل محور التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، وعلى خلفية خط باريس – لندن الجديد الذي يقوم لا على استقلالية أوروبا وإنما على عودة باريس "الغزالة" التي "شردت" من البيت الأبيض الأمريكي في فترة الجنرال ديغول، يمكن القول:
• إن توسيع حلف الناتو شرقاً وجنوباً قد أصبح أكثر احتمالاً.
• إن تغيير المذهبية العسكرية والقتالية لحلف الناتو هو أكثر احتمالاً أيضاً.
• إن تنفيذ بنود اتفاقية لشبونة هو أكثر احتملاً أيضاً.
وتقول التحليلات بأن الجمع بين معطيات اتفاقية لشبونة المتعلقة بتوسيع مفهوم الدفاع عن الأمن الأوروبي ومعطيات مؤتمر أنابوليس هو جمع يؤدي إلى النتائج الآتية:
• إعطاء مفهوم الدفاع عن الأمن الأوروبي بعداً شاملاً بحيث تصبح مهمة حلف الناتو ليست الدفاع ضد المخاطر التي تهدد الأراضي الأوروبية، وإنما التقدم واستخدام الضربة الاستباقية في كافة أنحاء العالم ضد مصادر التهديد المحتمل ضد المصالح الحيوية الأوروبية.
• إن منطقة شرق المتوسط هي المرشحة حالياً للضم ضمن المجال الحيوي الجديد للأمن الأوروبي.
• إن إعادة انضمام فرنسا إلى حلف الناتو معناه أن الدور العسكري الذي سيقوم به الناتو في منطقة الشرق الأوسط سيكون تحت قيادة وإشراف فرنسا.
• إن فرنسا ستلعب دوراً هاماً بمشاركة بريطانيا، في القيام بدور حصان طروادة الأمريكي في أنشطة حلف الناتو السياسية والعسكرية.
والسؤال، بعد قيام ساركوزي بإلغاء الديغولية وإعادة ضم فرنسا إلى حلف الناتو، ما هو الثمن الذي سيحصل عليه؟ هل سيفتح الأمريكيون لفرنسا ساركوزي أنابيب ضخ رؤوس الأموال المباشرة وغير المباشرة، بما يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد الفرنسي وجعل فرنسا تقوم بدور الولايات المتحدة الأوروبية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وبالتالي يتحقق وعد ساركوزي للشعب الفرنسي بأنه سيجعل من فرنسا أمريكا أوروبا، أم أن الأمريكيين سيؤجلون تدفقات الاستثمار ويطلبون من ساركوزي المزيد من الأجندة والبنود والمشروطيات الجديدة.
عموماً تقول المعلومات، بأن ريتشارد بيرل زعيم المحافظين الجدد إضافة إلى العديد من الخبراء في معهد المسعى الأمريكي ما زالوا يؤكدون على ضرورة ألا تنزلق أمريكا وتتعامل مع فرنسا باعتبارها أصبحت بلداً صديقاً لأمريكا بعد فوز ساركوزي، لأن فرنسا برغم كل شيء ستظل الخصم الرئيسي الأوروبي لأمريكا، طالما أن الشعب الفرنسي ما زال متمسكاً بالنزعة الاستقلالية، وطالما أن الرأي العام الفرنسي ما زال يحمل بذور النزعة الأوروبية المعادية للأمركة والأمريكيين
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد