لبنان: المواجهة بين الموالاة والمعارضة تدخل مرحلة شديدة الخطورة
دخلت المواجهة بين الحكومة والمعارضة، وتحديداً “حزب الله”، مرحلة دراماتيكية، شديدة الخطورة، سوف تكون لها انعكاسات بالغة الحساسية على العلاقة بين الطرفين في المرحلة المقبلة، وتالياً على الأزمة الرئاسية والحكومية، مع ما يعنيه ذلك من أن عنوان المواجهة في المرحلة المقبلة لم يعد فقط الاستحقاق الرئاسي، في جلسته المقررة في 13 الجاري، الذي تشير كل المعطيات المتوافرة حتى الساعة الى أن مصيره سوف يكون مرحلة جديدة من التأجيل، برغم أن مقربين من رئيس “تيار المستقبل” النائب سعد الحريري ينقلون عنه جزمه بحصول تطورات سوف تقود الى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
وبلغت المواجهة بين الموالاة والمعارضة ذروتها أمس، بعد الجولة الماراثونية، الأطول في تاريخ جلسات الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الاستقلال، حيث استمرت من السابعة والنصف مساء اول أمس الاثنين الى الرابعة والنصف فجر أمس الثلاثاء، والقرارات التي صدرت عنها، والتي تصب في معظمها في رفع استعار المواجهة مع المعارضة، وخاصة مع “حزب الله” ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، حيث بنت الحكومة قراراتها على ما أورده رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب وليد جنبلاط في مؤتمره الصحافي منذ 3 أيام، واعتبرت شبكة الاتصالات الهاتفية الداخلية الخاصة بالمقاومة وقيادة “حزب الله”، والتي كان وصفها نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم بأنها “توأم لسلاح المقاومة”، بأنها “غير شرعية”، وتشكل اعتداء على السيادة اللبنانية، ودعت الى إزالتها، كما أنها قررت “إقالة” رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، ودعت لنقله الى ملاك قيادة الجيش، فيما كشف مصدر أمني أمس لقناة “الساعة” المصرية أن العميد شقير ظل موجوداً أمس في مكتبه وكان يزاول عمله كالمعتاد.
وباستثناء قرار تصحيح الأجور، ورفعه الى 500 ألف ليرة لبنانية وتثبيت الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، وذلك لاحتواء مطالبة الاتحاد العمالي برفع الأجور الى 960 ألفاً، والقيام بتظاهرة عمالية اليوم، وكذلك تثبيت 7600 دركي من المتعاقدين مع قوى الأمن الداخلي، فإن القرارات “المصيرية” الأخرى التي أخذتها الحكومة كانت بحسب أوساط المعارضة و”حزب الله” وبري، بمثابة تصعيد خطير للأزمة القائمة، ولحالة “اللا ثقة” التي تحكم العلاقة مع السلطة، كما اعتبرت مصادر الحزب قبل إصدار موقف رسمي عنه، أن قرارات الحكومة، برغم اعتبارها “غير شرعية” وغير “دستورية”، بسبب وضع الحكومة غير الشرعي وغير الدستوري، فإنها تأتي بمثابة “إعلان حرب” على المقاومة و”حزب الله”، وتسعى الى تصويره خارجاً على سلطة الدولة، بما يخدم بحسب أوساط الحزب، البيان الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية الذي اعتبر “حزب الله” “أقدر المنظمات الإرهابية في العالم”.
وسوف تعقد هيئة الرئاسة في حركة “أمل” اجتماعاً طارئاً واستثنائياً اليوم الاربعاء، برئاسة رئيس الحركة، رئيس البرلمان نبيه بري، للرد على قرارات الحكومة، وكذلك أكدت مصادر ان مجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سيلتئم “قريباً” للبحث في الأمر نفسه، وخاصة ما يتعلق منه بالشق الخاص بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، وأيضاً بما خص اعتبار الحكومة شبكة اتصالات “حزب الله” “اعتداء على الدولة”.
وأكدت مصادر قريبة من بري، أنه لن يتم التساهل مع هذه القرارات، وسوف تُعتبر مساساً بحقوق الطائفة الشيعية. أما بالنسبة الى شبكة الاتصالات، فأكدت مصادر بري أن هذه الشبكة هي لحماية قيادات المقاومة، وخاصة الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله، من عمليات الاغتيال، واستغربت توقيت إثارة هذه القضية، وأكدت انها غير موجهة ضد الدولة، وانها تُعتبر من ضمن البيان الوزاري للحكومة الحالية لجهة التعاطي مع سلاح المقاومة، مستغربة كيف تنقلب الحكومة على بيانها الوزاري، وخاصة ان شبكات الاتصالات تُعتبر ضمن “السلاح اللوجستي” الذي يمكن للمقاومة استعماله خلال مواجهتها أي عدوان “إسرائيلي”.
وقالت مصادر مطلعة إن “حزب الله” أبلغ المعنيين بأن أية محاولة للتعرض لشبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، سوف تواجه بمقاومة شرسة من الحزب الذي “سيتعامل مع المتعرضين للشبكة على انهم من عملاء “إسرائيل”. وأكد مسؤول العلاقات الدولية في “حزب الله” نواف الموسوي ان الحكومة وفريق الأكثرية يلعبان بالنار، ومن يلعب بالنار يحرق يديه، وأشار الموسوي في حديث إذاعي أمس، إن إقالة العميد شقير تجاوز الخطوط الحمر، رافضاً الإفصاح عما سيقوم به “حزب الله” للرد على هذه التجاوزات. ولفت الى أن هناك محاولات لوضع اليد على مطار بيروت تحت عنوان التدويل وحماية المؤسسات اللبنانية. وأشار الى أن تصعيد الخلاف بين اللبنانيين خطير بعدما كانوا يراهنون عليه من حرب أمريكية “إسرائيلية” على لبنان.
وكان نائب الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم استبق قرارات الحكومة بشأن شبكة اتصالات الحزب وإقالة العميد شقير قبل ساعات قليلة على صدورها، وقال في حديث الى قناة “المنار” ان شبكة الاتصالات هي توأم لسلاح المقاومة، وجزء من حماية قيادة المقاومة، واعتبر أن أي مسّ بها سوف يعتبره الحزب مساً بالمقاومة وسلاحها، وسوف يتعاطى مع الأمر على هذا الأساس. وعلق على موضوع الكاميرات في مطار بيروت، واتهام “حزب الله” بالتجسس على المطار، واعتبر هذا الموضوع “تافهاً جداً”. واعتبر ما يجري في المطار هو محاولة من الحكومة لتدويل أمنه، وهو مرفوض من الحزب، كما اعتبر الخرائط التي تم توزيعها على وسائل الإعلام عن شبكة اتصالات للحزب، هي بمثابة إخبار الى الكيان “الإسرائيلي”، ووضع من قاموا بنشرها في خانة من يُخبر عن عمل المقاومة، ومن يخدم العدو.ورأى ان النائب جنبلاط يتحرك بإشارات أمريكية، ودعا إلى محاسبة من سرّب إليه وثائق عسكرية سرية، كما دعا الى تحييد المؤسسة العسكرية عن التجاذب السياسي، والقضاء الى متابعة التسريبات التي حصلت بشأن المطار.وقال قاسم، ان الحملة التي وصفها ب”التحريضية” التي يقودها جنبلاط ضد المقاومة لن تجد نفعاً حيث إن الصهاينة بعديدهم وعتادهم لم يتمكنوا منها. أضاف اننا في “حزب الله” واثقون مما نقوم به ومتيقظون ومطمئنون وان هذه الحملات لن تؤثر فينا شيئاً وفي المسير ضفدع ونقيق.
وفي تعليقه على قرار الحكومة بشأن شبكة اتصالات “حزب الله” قال البطريرك الماروني نصر الله صفير في حديث الى محطة “الجزيرة” يُبث الجمعة المقبل، ان الحكومة أبدت رأيها في ملف كان عليها ان تبدي رأيها فيه منذ زمن. واعتبر انه لا يجوز أن تكون هناك دولة داخل الدولة، وقال إنه لا يمكن أن تكون هناك ازدواجية بين المقاومة والدولة.
وأكد عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب وائل أبو فاعور أن القرارات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية ليست تصعيداً، متهماً “حزب الله” بأنه هو من صعّد بإقامة شبكة الاتصالات الخاصة به “بمساعدة إيرانية”. وأكد في حديث إلى تلفزيون “العربية”، أن هذه القرارات ستُنفّذ، مشيراً إلى أن “العنوان إذا كان مقاومة “إسرائيل”، فإنّ ما وصفه بتخريب الداخل ليس الطريقة المناسبة”، مذكراً أن هناك استراتيجية دفاع طُرِحت للنقاش “لكنهم يرفضون حتى مجرد النقاش ويتصرفون بناء لمعطيات وتوجيهات سورية إيرانية”. واعتبر أنّ المعيار ليس المقاومة وإنما ضرب الدولة اللبنانية وتحويلها لملحق.
ورأى اللقاء الوطني الذي عقد اجتماعه برئاسة الرئيس عمر كرامي بأن “الحملة التي بدأت منذ إصدار القرار 1559 كانت تستهدف رأس المقاومة وسلاحها”، مشيراً الى “أن ما جرى بالأمس يأتي ضمن هذا السياق لا سيما بعد فشل رهانهم على حرب اقليمية”. وأكد ان ازالة شبكة اتصالات المقاومة تؤدي الى الانتقاص من مناعة المقاومة.
ووصف عضو تكتل “التغيير والإصلاح” النائب سليم عون قرارات الحكومة بغير الحكيمة ورفض تصنيف شبكة اتصالات المقاومة بالاعتداء، لافتاً “الى ان فريق السلطة مرتبط بجدول خارجي ينفذه”، معتبراً “أن هذا الفريق فقد وعيه ويأخذ البلد الى مكان لا يؤمن أي مصلحة للبنانيين”،كما اعتبر المؤتمر الشعبي اللبناني “ان شبكة اتصالات حزب الله هي حق مشروع طالما أن الهدف هو حماية المقاومة من الاستهداف الصهيوني والاستعماري وليس استخدامها في أمور داخليه”،فيما رأى تجمع اللجان والروابط الشعبية “ان قرارات الحكومة تسعى لإسقاط شرعية المقاومة واعتبار قادتها ومجاهديها، وربما شهدائها بمثابة الخارجين عن القانون، وهذه تشكل مخالفة واضحة للبيان الوزاري”.
بدوره اعتبر تحالف الأحزاب الوطنية “ان مقررات الحكومة تقطع كل الخطوط الحمراء وتدفع بالأزمة اللبنانية الى حافة التفجير”، ودعا الى اليقظة وعدم الانجرار وراء مفتعلي الفتنة وأعلن “الوقوف بقوة الى جانب المقاومة ضد “إسرائيل” وعملائها في الداخل”.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد