الشارع للتعارف والرقص ... وقتل وقت الفراغ
انتهى موسم الامتحانات وبدأ الشباب بالتجمع على الأرصفة والتقاطعات الرئيسية لشوارع المدن السورية لقضاء أوقات فراغهم. ولعل مدينة اللاذقية على الساحل السوري خير مثال على ذلك. فما إن يحين وقت الغروب حتى يبدأ شباب غالبيتهم في العشرينات بالتدفق على أرصفة شارع 8 آذار وحي الأميركان وبقية الأحياء الغنية في المدينة حيث محلات الألبسة والزينة ذات الماركات العالمية. ويصل الأمر أحياناً إلى درجة أن المرء يظن أن هناك تظاهرات شبابية صغيرة على هذا التقاطع أو ذاك.
وتختلف أسباب الإقبال على الشارع لقضاء أوقات الفراغ بحسب الهدف منها. فمحمود شاهين طالب الآداب (24 سنة) مثلاً يرى فيها فرصة لاصطياد الفتيات لا سيما أنه يحلم بواحدة غنية من اللواتي يترددن على محلات «بينيتون» أو «كيكرز». ويقول محمود: «لا أفضل زيارة مقهى الركن الإيطالي وغيره من المطاعم الفاخرة التي تتردد عليها حسناوات غنيات بسبب ارتفاع أسعارها من جهة وشيوع طقوس الأكل والشرب المملة فيها، ما يجعلني أفضل الرصيف الذي تقصده أيضاً بعض تلك الحسناوات». أما زميله في التسكع مهند سلوم (20 سنة) فيقوم بحركات راقصة لافتة عند تقاطع شارعي الكرنك و8 آذار. يقول مهند إن أوقات الفراغ طويلة خلال العطلة الصيفية ولا سبيل لتجاوز مللها سوى بالتجمع ليلاً والسمر والرقص مع أصدقائه على أنغام موسيقى صاخبة. وبينما يحاول محمود التعرف الى فتاة من خلال الشارع الذي يستخدمه مهند ورفاقه للرقص والسمر، يجده سامر حربا (19 سنة) المكان الأنسب لتبادل الأحاديث والآراء في قضايا مختلفة بما فيها القضايا السياسية.
حال الفتيات لا تختلف كثيراً عن حال الشباب، فهن يتجمعن إمام المحال التجارية، ليس بهدف الشراء، وإنما بهدف التعرف الى شباب وبناء صداقات وعلاقات عاطفية وفقاً لما تقوله ندى سلهب. وفي هذا السياق تقول غفار دريباتي: «أقصد الشارع للتعرف الى اصدقاء جدد لعلني أوفق بشاب يعوضني وفاة أبي وأمي».
عملية البحث عن الصداقات بين الجنسين لا تقتصر على الشارع. ولعل أكثرها شيوعاً هذه الأيام مقاهي الإنترنت التي تكتظ بالزوار الشباب أمثال طوني حنينو الذي يتردد على مقهى رامي وسط اللاذقية. بداية كان طوني يستخدم الإنترنت للبحث وكتابة الواجبات الدراسية، غير أنه تحول تدريجياً إلى غرف الدردشة حيث تعرف الى فتيات نشأ بينه وبينهن نوع من الصداقة. وقال طوني: «أصبحت أخصص أكثر من ثلثي الوقت الذي أقضيه في مقاهي الإنترنت من أجل الدردشة والتعارف». ويتوقع رامي صاحب المقهى أن تشهد هذه الأماكن المزيد من الإقبال بسبب تخفيض أسعار الاتصالات أخيراً.
غير ان أعداداً متزايدة من الشباب السوري تقضي أوقات فراغها في ممارسة هوايات أخرى متنوعة مثل ارتياد النوادي الرياضية وزيارة الأماكن الأثرية وحضور النشاطات الثقافية وتعلم اللغات. عامر ورفاقه مثلاً يفضلون زيارة المواقع الأثرية في المنطقة الساحلية السورية مثل أوغاريت وقلعة الحصن.
ويقول: «من المفيد أن نتعرف الى تاريخ بلادنا وحضارة أجدادنا عن قرب لا سيما أن الكثير من السياح الأجانب يأتون من بلاد بعيدة لاكتساب هذه المعرفة». وتفضل شيرين وصديقتها زيارة معارض الكتب والكومبيوتر بغية التعرف الى آخر ما نشر في مجال المعلوماتية التي تتخذ منها مجالاً لعملها.
في المقابل، ينتظر كثيرون «مهرجان المحبة» الذي يقام سنوياً في مدينة اللاذقية طيلة شهر آب (أغسطس) ويقدم لشباب الساحل السوري فرصاً مهمة لقضاء أوقات فراغهم في النشاطات الرياضية والموسيقية والثقافية التي ينظمها.
ولكن، وعلى رغم تنظيم المهرجانات ووجود المتاحف والمواقع الأثرية والتشجيع على السياحة الداخلية، لا تستثمر غالبية الشباب وقت فراغها في شكل مفيد. فالمنشآت الرياضية قليلة والأندية الخاصة بالشباب كذلك كما تقول جوليا التي تزور موطن والدها سورية كل صيف قادمة من ألمانيا. أما أخوها رائد فيشتكي أيضاً من ارتفاع أسعار الأماكن العامة بالنسبة الى الشباب، ويقول: «من الصعب زيارة الشاطئ في منـــطقة نظــيفة للسباحة من دون دفع مبالغ كبيرة لا يستطيع الطالب تحملها مرات متكررة في الأسبوع».
ويتساءل: «لم لا تفتح الأماكن العامة أمام الطلاب مجاناً كي يتاح للقسم الأكبر منهم زيارتها وقضاء جزء من وقت فراغهم فيها كما هي الحال في كثير من الدول مثل ألمانيا».
وتقول جوليا: «في برلين مثلاً تقدم السلطات المحلية بطاقة صيفية للشباب بسعر رمزي يمكنهم بموجبها زيارة المتاحف والمكتبات والأندية وحدائق الحيوانات وغيرها من الأماكن العامة مجاناً. كما يتم تنظيم نشاطات شبابية في الساحات العامة والملاعب والمتاحف والمدراس في شكل يلبي مختلف الأذواق ويساعد على قضاء العطلة الصيفية بين التسلية والفائدة كما تقول المعلمة البرلينية.
وتضيف: «صحيح أن الشارع يمكن أن يكون متنفساً للكثيرين عندما يكون الطقس جميلاً، غير أنه ينبغي ألا يكون المكان الرئيسي كما هي عليه الحال في مدن مثل دمشق واللاذقية».
عفراء محمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد