ساركوزي والمعلّم: فتحنا صفحة جديدة تنطلق مع لقاء الأسد
يوم فرنسي حافل لوزير الخارجية وليد المعلم. المسؤول الدبلوماسي السوري الأول الذي يصل باريس، بعد أربعة أعوام من شبه قطيعة سياسية، انتزع اهتماماً إعلامياً بارزاً، رغم منافسة شديدة على الأضواء، فرضتها على المعلم، الرهينة الكولومبية الفرنسية المحررة إنغريد بيتانكور العائدة إلى فرنسا.
المعلم استقطب، مع ذلك، اهتماماً أكاديمياً وإعلامياً كبيراً، حيث تدافع العشرات من الباحثين والصحافيين للإصغاء إلى الوزير السوري في قاعة المركز الفرنسي للعلاقات الدولية. ثم استجوبه على دفعتين، حشد إعلامي فرنسي، في حيز من استقبال فندق الأنتركونتينتال، تلاه عرب ولبنانيون. وكرر أمام الجمعين مواقف دمشق، وتوضيحات لا بد منها.
مهمة الوزير الأولى بدت عملية تنسيق مباشرة مع أمين الأليزيه كلود غيان، لمراحل الزيارة الرئاسية السورية، وأمينة للعنوان المعلن أصلاً: تحديد برنامج اللقاء الثنائي بين الرئيسين السوري بشار الأسد والفرنسي نيكولا ساركوزي، في ١٢ تموز الحالي، ومواضيع البحث، من لبنان وفلسطين، و«الاتحاد من أجل المتوسط«، والشراكة الأوروبية السورية، والعلاقات الثنائية بين سوريا وفرنسا، وهذا عنوان بدأ يكتسب مضموناً حقيقياً، بخروجه نهائياً من حيز الارتهان للملف اللبناني، بناءً على رغبة فرنسية، وهو ما قاله المعلم.والمسار الجديد سيكرس تعميقه لقاء الأسد بساركوزي.
والتقى المعلم، كما كان مقرراً، غيان ومستشار الرئاسة جان دافيد ليفيت. ساركوزي حضر جزءاً من اللقاء.
المعلم وجد اللقاء مع الرئيس الفرنسي »فرصة مهمة للوقوف على الأفكار« التي يريد بحثها مع الأسد، »ولمست تطابقاً في الأفكار، في دعم اتفاق الدوحة وإنجاز تطبيقه، والإسراع في تشكيل حكومة لبنانية، ليتسنى لنا بعدها أن نبدأ المحادثات معها، من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع لبنان، وقد حان الوقت للبنانيين لكي يشكلوا حكومة من دون تدخل خارجي، والجهود ستتوصل قريباً إلى تشكيل هذه الحكومة«.
وكان المعلم قال، في مركز العلاقات الدولية، رداً على سؤال حول التأخر بتشكيل الحكومة اللبنانية، »لست لبنانياً لأحدد موعداً لقيام هذه الحكومة، ولكنني كسوري وكجار للبلد الشقيق لبنان، أرجو أن يتوصل اللبنانيون إلى اتفاق سريع لتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد«.
وأعلن المعلم أن دمشق وباريس قررتا فتح »صفحة جديدة في العلاقات بينهما والعمل سوياً من أجل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط«. وقال إن »زيارة الرئيس الأسد إلى باريس ستشكل محطة تاريخية في علاقاتنا الثنائية«. وكان قال، في المركز، إن »العلاقات بين بلدينا شهدت فتوراً لكن قدوم الصيف بعث فيها شيئاً من الحرارة«. وأضاف »نتطلع إلى علاقات جيدة مع فرنسا، ونأمل في أن تشارك فرنسا في برنامج إصلاحاتنا وتمنحنا التكنولوجيا الحديثة.
وأشار المعلم إلى انه عرض مع ساركوزي »المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وعبر لي عن دعم فرنسا لهذه المفاوضات، ورغبة في رؤية المفاوضات المباشرة تنطلق. كما أعرب عن استعداده المساهمة في تقدم المفاوضات«.
المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري حضرت في اللقاء مع غيان، لأن المعلم »توافق وغيان على عدم تسييسها، لأننا معاً نريد محاسبة من ارتكب هذه النكبة ومعاقبته«. كما حضرت مسألة المحكمة أمام المركز حيث قال إن »البريء لا يخشى من المحكمة«، مضيفاً »لا أحد ضد هذه المحكمة إذا كانت على أساس قانوني. ونحن في سوريا نريد أن نعرف من قام بهذه الجريمة وإحالته إلى المحكمة«، مضيفاً أن المحكمة كانت في الماضي »مسيسة، ولكنها اليوم تحافظ على جانبها القانوني«.
أما بيت القصيد في ما تريده دمشق من باريس، فقال المعلم أن »ننسق مع فرنسا، لتسهم في حل مشاكل المنطقة« لقاء موقف فرنسي »يرعى بشكل أفضل الموقف السوري في أوروبا«. وهو محاولة لتجديد الرعاية الفرنسية التي ساهمت، قبل القطيعة، بالوصول إلى اتفاق الشراكة السورية الأوروبية، المجمد.
»ولا مشروطية في الحوار مع فرنسا« تابع المعلم، لأنه من دون ذلك تبقى طريق دمشق إلى باريس، تمر عبر بيروت، موضحاً »نحن مع التنسيق، والحوار طبيعي. إن تطابق الأهداف مع اختلاف الرؤى طبيعي أيضاً، ومن يطلب المساعدة في تشكيل الحكومة اللبنانية، يطلب التدخل، وقرارنا هو عدم التدخل في لبنان«.
ولم يستبعد المعلم أن يذهب ساركوزي إلى دمشق قريباً، والدعوة تنتظر لقاءه بالأسد.
الرئيس الفرنسي أبدى استعجالاً كبيراً لاستغلال الود المستجد مع دمشق، ووعد، خلال استقباله بيتانكور، أن »يطلب من الرئيس الأسد أن يقوم بكل ما يمكن للإفراج عن الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت«.
الأسد قد يلتقي الرئيس اللبناني ميشال سليمان في باريس، وهو ما لم يستبعده المعلم، لكنه كان جازماً أمام إلحاح الإعلاميين الفرنسيين، بأن الأسد لن يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت عندما تضمهما قمة »الاتحاد من أجل المتوسط«.
وأعلن المعلم أن سوريا، ومن دون أن تطلب منها فرنسا، ستسارع بتعيين سفير لها في باريس، حيث يقتصر مستوى التمثيل حالياً على قائم بالأعمال.
المعلم عرض لمحادثيه الفرنسيين مآل المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر تركيا. وقال »أنهينا جولة ثالثة من المحادثات، واتفقنا على إجراء جولة رابعة، ولكننا لم نصل إلى أرضية مشتركة مع إسرائيل، وعندما نتوصل إلى أرضية مقبولة، والتي تتناول كل عناصر اتفاقية السلام، ننتقل إلى المحادثات المباشرة. إن المحادثات المباشرة تحتاج إلى مشاركة ورعاية أميركية نشطة. من اجل إعطاء ضمانات، نحتاج إلى دور أوروبي نشط، يمكن أن تمثله فرنسا، كما نحتاج لدور لروسيا، ودور من الأمم المتحدة في هذه المحادثات«.
وأضاف »حصلنا من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على ضمانات بأن إسرائيل مستعدة لإعادة الجولان. إن مسألة استعادة الجولان غير قابلة للمساومة. لن نقبل بأن ينقص شبر واحد« منه.
أما الرهان الفرنسي والأوروبي على أن يؤدي التقارب مع دمشق إلى إبعادها عن طهران، أو أن تنقلب على حزب الله، فأوضح المعلم »لم أسمع بطلب من ساركوزي حول ذلك«. وأضاف »لا يمكن قبول شروط مسبقة لمفاوضات السلام. لم نطلب من إسرائيل أن تنأى بنفسها عن الولايات المتحدة، ولكن لا يجب القفز فوق المراحل، لكننا نعلم أنه لو وصلت المفاوضات إلى نهايتها المنطقية، فلا بد لها أن تطال المسائل الإقليمية، لكن لا نريد القفز فوق المراحل«.
وكان المعلم قال، خلال المحاضرة في المركز الفرنسي، حول تحسين العلاقات بين سوريا والسعودية، »نتطلع إلى تحسين العلاقات مع السعودية، ونتطلع إلى جهد مشترك لتحسين هذه العلاقات لأننا والسعودية نستطيع أن نؤدي دوراً بارزاً في خدمة القضية العربية وخدمة أمن المنطقة واستقرارها ودرء المخاطر المحيطة بها«. وأضاف »سوريا من جانبها بذلت جهوداً من أجل تقريب وجهات النظر مع السعودية، ولكنها تنتظر جهوداً في المقابل من الجانب السعودي تصب في نفس الاتجاه«.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد