بعد انفضاض القمة: ما هو مستقبل مشروع الاتحاد المتوسطي
الجمل: تقدمت فكرة الاتحاد من أجل المتوسط آخذة شكل المبادرة، وتقدمت بعد ذلك متطورة إلى شكل التجسيد على أرض الواقع بانعقاد قمة الاتحاد من أجل المتوسط في العاصمة الفرنسية باريس في الأسبوع الماضي، والآن بعد أن انفضت القمة التي أصدرت بيانها الختامي إلى أين سيتقدم الاتحاد من أجل المتوسط؟ وهل سيكون مصيره كمصير التجمعات الدولية الهلامية السائلة مثل دول عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وما شابه ذلك أم أن الاتحاد من أجل المتوسط سيتقدم باتجاه إقامة تكتل جيو-سياسي إقليمي حقيقي؟
* الرئيس ساركوزي وإشكالية تخطي البداية الصعبة:
عندما حاول الرئيس ساركوزي نقل الفكرة إلى حيز التنفيذ في 6 حزيران 2007م الماضي، عندما تحدث في تانغيير مطالباً بضرورة قيام الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط بإقامة اتحاد سياسي، اقتصادي، ثقافي، بدأت تظهر الصعوبات في مواجهة مبادرة ساركوزي ومن أبرز هذه الصعوبات:
• نظرت الأطراف الأوروبية غير المتوسطية إلى المبادرة باعتبارها تهدف إلى إقامة مشروع جديد سيترتب عليه تهميش الاتحاد الأوروبي.
• الأطراف الأوروبية المؤسسية مثل المفوضية الأوروبية ومعظم الحكومات الأوروبية نظرت إلى المبادرة باعتبارها تشكل خطراً يهدد:
- سياسة الجوار الأوروبي.
- سياسة الاستثمار الأوروبي.
• وجهت بعض الأطراف الحكومية انتقاداتها الرسمية لمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ومن أبرز هذه الأطراف:
- تركيا: أعلنت رفضها للمبادرة، إذا كانت تهدف لكي تكون بديلاً عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
- ألمانيا: أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ستؤدي إلى تشتيت الجهود الأوروبية بسبب انشغال ألمانيا بمشاكل وسط وشرق أوروبا وانشغال فرنسا بمشاكل المنطقة المتوسطية.
- سلوفينيا: أعلن الرئيس السلوفيني رفضه الصريح لمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط باعتبارها ستؤدي إلى الازدواجية المؤسسية التي ستؤدي بدورها إلى إضعاف تماسك قوام الاتحاد الأوروبي.
* مرحلة ما بعد باريس:
• معسكر المتشائمين: الدبلوماسية الفرنسية في مواجهة المخاطر: تقول التسريبات بأن مبادرة ساركوزي تجد معارضة شديدة من جانب بعض الأوساط الفرنسية المتشائمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي للشؤون الأوروبية جان بيير جوييت، قائلاً بأن إقامة أي صيغة لمبادرة ساركوزي ستكون خطأً استراتيجياً من الطراز الأول. وأضاف أن المشروع الحضاري العظيم هو المشروع الأوروبي. وتطرقت بعض التحليلات الفرنسية المعارضة للمبادرة باعتبارها:
- تظهر فرنسا أمام حلفاءها الأوروبيين باعتبارها تسعى من أجل تحقيق مصلحة مزدوجة من خلال انتمائها للاتحاد الأوروبي وانتمائها للاتحاد من أجل المتوسط.
- تلحق المزيد من الأضرار بمصداقية الرئاسة الفرنسية وتقلل صدق توجهاها إزاء الاتحاد الأوروبي إضافةً إلى الإضرار بمصداقية رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي.
- تضع فرنسا في مواجهة خيارين هما: إما التفرغ للمضي قدماً في الملفات الأوروبية أو التفرغ لبناء الاتحاد من أجل المتوسط.
- تورط الأوربيين في علاقات غير متكافئة وذلك لأن الجمع بين بلدان شمال المتوسط الأوروبية المتقدمة تكنولوجياً واقتصادياً مع دول الجنوب التي لا تزال بعيدة عن الحد الأدنى من المعايير الأوروبية هو أمر سيترتب عليه المزيد من الضغوط والأعباء على الاقتصاد الأوربي.
• معسكر المتفائلين: الدبلوماسية الفرنسية في مواجهة الفرص: توجد العديد من الأطراف الفرنسية المتفائلة بمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط وتشير أبرز الآراء المتفائلة إلى النقاط الآتية:
- إن اهتمام الرئيس الفرنسي بإقامة الاتحاد من أجل المتوسط هو اهتمام مبعثه عدم قدرة الاتحاد الأوروبي وعجزه عن القيام بأي دور إيجابي إزاء مناطق جنوب المتوسط التي تمثل مجالاً حيوياً للأمن الأوروبي.
- إن دول شمال ووسط أوروبا وقفت إلى جانب تمديد الاتحاد الأوروبي شرقاً وبالفعل تم ضم العديد من الدول الجديدة، إضافةً إلى توقيع اتفاقيات الشراكة مع العديد من دول شرق أوروبا، ودول القوقاز، والآن لا يوجد أي سبب لمعارضة تمديد نطاق التعاون والشراكة الأوروبية، لمناطق جنوب المتوسط الفائقة الأهمية للمستقبل الأوروبي.
- تفوقت ألمانيا على فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي وذلك بسبب نفوذها الكبير على روابط الاتحاد الأوروبي مع دول الجوار الشرق أوروبية، ودول شرق أوروبا التي انضمت مؤخراً إلى الاتحاد الأوروبي، ولمعادلة التفوق الألماني فإن على فرنسا تعزيز دورها ونفوذها التاريخي على الفضاء الجيو-سياسي المتمثل بمنطقة جنوب المتوسط التي تضم شرق المتوسط وشمال إفريقيا.
حتى الآن ما زالت الخلافات محتدمة داخل الاتحاد الأوروبي بين ألمانيا وفرنسا، حول مستقبل مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط وتقول المعلومات بالآتي:
• تسعى ألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي المؤيدة لها، إلى إبقاء مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط ضمن حدود لا تتجاوز في أفضل الأحوال مجرد القيام بدور المنبر لتبادل الآراء والمشاورات بين دول جنوب المتوسط وشماله وتستند ألمانيا على ذريعة أن مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط يجب أن لا تحل محل عملية برشلونة حتى لا تضيع جهود الاتحاد الأوروبي السابقة أدراج الرياح.
• تسعى أمريكا عبر نافذة علاقات عبر الأطلنطي إلى استخدام استراتيجية "العمود المزدوج" في تحقيق هدفين هما:
- إضعاف الاتحاد الأوروبي عن طريق تصعيد الخلافات بين ألمانيا وفرنسا، فأمريكا من جهة أعطت الضوء الأخضر لساركوزي لكي ينفذ مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط وفي الوقت نفسه أعطت الضوء الأخضر للمستشارة الألمانية ميركل لكي تقوم بمعارضة المبادرة.
- إفساح المجال أمام بريطانيا للعودة إلى المسرح الأوروبي على خلفية تصاعد الخلافات الألمانية – الفرنسية.
الخلاف الفرنسي – الألماني حول مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط سيترتب عليه توليد المزيد من طاقة الخلافات على خط باريس – برلين وتقول التسريبات بأن إسرائيل حاضرة بقوة في هذه الخلافات خاصةً أن تل أبيب تجد أذناً صاغية لدى كل من ساركوزي وميركل الأمر الذي سهل على الإسرائيليين ممارسة هوايتهم الدبلوماسية التي تركز على التحدث بلسانين أحدهما مخصص لباريس والآخر لبرلين.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد