أيام مخمورة...
الأربعاء الفائت كان يوم المسرح العالمي. وكما نعلم, في كل سنة, توزع رسالة كتبها كاتب مسرحي, وتُقرأ في انحاء العالم في هذا اليوم.
ولقد مُرّرت عبر السنين كلماتٌ ورسائلُ في هذه المناسبة. وكانت كلها, تقريباً, تدور حول الحرية والسلام, وحول أهمية المسرح وجريمة إهماله, سواء عمداً او لأن فنوناً بديلةً أزاحته. وقد يصل الأمر الى إمعان النظر في هذه الجملة الفعلية: «قد لا يكون مطلوباً شراء مسرح, بل بيع المسرح الموجود» ذلك لأن المسرح يشبه شخصاً مستوحداً يقتله... الإهمال. انه لا يتحمل ان يكون كلُّ مَنْ عشِقَهُ شهيداً. او في أسوأ الأحوال مغامراً بالبقاء في الظل والفقر والهامش!
في يوم المسرح العالمي, في دمشق, انقسم الاحتفال الى قسمين, الأول: في صالة «مسرح الحمراء» كاحتفال رسمي لوزارة الثقافة حضره اقل من او اكثر من خمسين شخصاً €وهو عدد ممثلي مسرحية هابطة€ وألقيت كلمات رفع العتب.. فيما استعجل الموجودون لكي يلتحقوا بالاحتفال الثاني في صالة سينما راميتا الذي حضره المئات.
الاحتفال الثاني برعاية شركة خصوصية...
والعرض المسرحي هو «الأيام المخمورة» للراحل سعد الله ونوس...
يمكن القول ان كل دمشق الثقافية والوجوه الفنية كانت هناك في ازدحام يفاقمه مضيفو الصواني والشراب بغزارة وسخاء مقارنة لها معنى بين احتفال فقير وبلا ضيافة ولا مسرحية ولا جمهور وبين احتفال مكرس لأن يكون بديلاً وفارقاً!! فضيافة سخيّة ومسرحية سخيّة لكاتب محترم تميّزُ, على الفور, بين سلطة المال ومال السلطة. حيث الأول يستطيع ان يزاحم وهو «مجهول» الثاني وهو «معلوم» في مختلف النشاطات الثقافية. وان يجعل المقارنة بين احتتفالين متجاورين... مؤسفة حقاً!!
لسنا من حرّاس فقر القطاع العام. ولا من مشاة غنى القطاع الخاص.. لكننا, ونحن نرى الحياة الثقافية في سوريا تتنشط على أيدي المال الخاص. فيما يشبه زكاةً ثقافية لأموال مالية, نتساءل كيف عندنا يكون المال بيد «الدولة» يكون مقتّراً وفقيراً وبيروقراطياً, وغبيّاً وعندما يصبح في يد «أبنائها» الخاصين يتحول الى سخي وذكي ومثقف؟!
اما الجدّ الكبير للحفيد الصغير لهذا السؤال فأعمق وأبعد وأكثر نَكَداَ.
قد يكون على حق دعاة الاستسلام اللطيف لهذه الظاهرة. وبين هؤلاء فنانون ومثقفون ومتعهدو «علم جمال المراحل». ثمة من يقول «أريد عنباً لخمرتي» من أي كرمةٍ جاء.. وها هو من يعرض «الأيام المخمورة» لسعد الله ونوس, بدلاً من الشكوى المملة من «الأيام المهدورة».
ألم يقولوا ان «البورجوازية» هي حاضنة النشاط الابداعي للطبقة... الوسطى!!؟
عادل محمود
الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد