مؤسسات النفاق الاقتصادي تمتص دم الفقراء
يصف الخبير الامريكي جوزيف ستجليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001 المؤسسات الاقتصادية الدولية بممارسة نفاق يزيد الاغنياء ثراء والفقراء فقرا.
وقال في كتابه (ضحايا العولمة) ان صندوق النقد الدولي على سبيل المثال ينتهج سياسة تحركها الايديولوجيا والاقتصاد "الرديء" مفسرا قوة ردود الفعل المناهضة للعولمة بأنها نوع من الوعي بما وصفه النفاق الكبير.
وأضاف "لا يوجد اليوم من يدافع عن هذا النفاق الكبير ألا وهو الادعاء بمساندة البلدان النامية باجبارها على فتح أسواقها لمنتجات البلدان الصناعية المتقدمة التي هي نفسها تستمر في حماية الاسواق الخاصة بها. ان طبيعة هذه السياسات تجعل الاغنياء أكثر ثراء والفقراء أكثر فقرا وأكثر سخطا."
وأشار الى أن الدول الصناعية بنت اقتصادها عن طريق حمايته حتى يصبح قويا وقادرا على المنافسة أما التحرير السريع للتجارة فيؤدي الى نتائج وصفها بالوخيمة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي حيث يهدد فرص العمل كما يدمر القطاعات الصناعية والزراعية في الدول النامية.
وقال ان الولايات المتحدة "بالطبع في مقدمة المذنبين وكانت هذه المسألة تحز في نفسي. وعندما كنت رئيسا لمجلس المستشارين الاقتصاديين حاربت بشدة ضد هذا النفاق."
وعمل ستجليتز أستاذا جامعيا في كينيا بين عامي 1969 و1971 ومارس التدريس في بعض الجامعات الامريكية وترك الجامعة عام 1993 لينضم الى مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون ثم انتقل الى البنك الدولي عام 1997 حيث شغل منصب النائب الاول لرئيسه حتى يناير كانون الثاني 2000.
ويضم مجلس المستشارين الاقتصاديين ثلاثة خبراء يعينهم الرئيس الامريكي لتقديم الاستشارات الاقتصادية لمؤسسات السلطة النتفيذية الامريكية. وكان ستجليتز عضوا بهذا المجلس ثم أصبح رئيسا له.
ووصف جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية في القاهرة الكتاب في المقدمة بأنه "من أهم الكتب الاقتصادية التي صدرت خلال الاعوام العشرة الاخيرة على الاقل" مشيرا الى أن مؤلفه حين قبل منصبي رئيس مجلس مستشاري الرئيس الامريكي وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي كان يريد أن يرى كيفية صياغة السياسات الاقتصادية "ومن المؤكد أن ما راه ستجليتز لم يعجبه."
وصدر الكتاب في بريطانيا عام 2002 أما طبعته العربية الاولى التي ترجمتها المصرية لبنى الريدي فصدرت عن دار ميريت بالقاهرة في 334 صفحة كبيرة القطع.
وأتاح عمل ستجليتز في البنك الدولي أن يزور عشرات الدول ويقابل ألوفا من المسؤولين والخبراء وأساتذة الجامعات والمناضلين والطلبة والمزارعين في نيبال والهيمالايا والصين وبنجلادش وكوريا واثيوبيا والمغرب.
وقال "رأيت التاريخ وهو يصنع."
لكنه لخص تلك التجربة قائلا "تأكدت أن القرارات تتخذ غالبا على أسس أيديولوجية وسياسية... يصبح الجامعيون (في البنك الدولي) عندما يضعون التوصيات مسيسين ويلوون الحقائق لتتناسب مع أفكار المسؤولين."
وأشار أيضا الى أن اتخاذ القرار في صندوق النقد الدولي "يعتمد على ما يبدو على خليط غريب من الايديولوجيا والاقتصاد الرديء" مشيرا الى أن الدول النامية حين تلتمس من الصندوق العون في أكثر المواقف سوءا لا تعي أن حالات فشل العلاج لا تقل ان لم تزد على حالات النجاح.
وقال ان سياسات صندوق النقد الدولي التي تهدف الى المساعدة في التكيف في مواجهة الازمات "أدت في العديد من الحالات الى المجاعة والهياج الشعبي. وحتى عندما نجحت هذه السياسات في احداث نمو هزيل لفترة فان جزءا كبيرا من هذه المكاسب ذهب في الغالب الى الاوساط الاكثر ثراء في هذه البلدان."
وأضاف أن العولمة التي تحكمها ثلاث مؤسسات رئيسة هي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية اضافة الى "جيش" من مؤسسات أخرى تلعب دورا في الاقتصاد الدولي تهدف الى الغاء الحواجز أمام التجارة الحرة ولها أثر "مدمر" على البلدان النامية خاصة الفقراء في هذه البلدان.
وقال ان تعامل صندوق النقد والبنك الدوليين مع برامج الخصخصة في الدول النامية ناتج عن "منظور أيديولوجي ضيق" مشيرا الى تجربة كان شاهدا عليها في بعض القرى الفقيرة في المغرب حيث شجعت منظمة أهلية على تربية الدواجن وكان نساء القرى يحصلن على كتاكيت عمرها سبعة أيام من شركة حكومية. ثم انهار المشروع لان صندوق النقد الدولي أبلغ الحكومة ألا يكون لها دور في عملية توزيع الكتاكيت فتوقفت عن بيعها.
وعلق قائلا "قضي على صناعة وليدة كانت ستحدث اختلافا في حياة هؤلاء الفلاحين الفقراء" بسبب افتراض الصندوق أن مشروعا تقوم به نساء القرى الى جوار نشاطهن التقليدي سيملأ هذه الفجوة.
وقال ان صندوق النقد الدولي في دفاعه عن تحرير سوق رأس المال يعتمد على تفكير اعتبره ساذجا.
وسجل أن 1.2 مليار نسمة يعيشون على أقل من دولار يوميا كما يعيش 2.8 مليار يعيشون على أقل من دولارين.
وقال ستجليتز ان العولمة خطر على الديمقراطية حيث تستبدل بالدكتاتوريات القديمة دكتاتوريات المالية الدولية.
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد