تجاذبات السياسة التركية بين موسكو وواشنطن
الجمل: تزايدت تحركات أنقرة الدبلوماسية خلال الأسبوع الماضي في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى والعراق وإيران وتأتي هذه التحركات في نفس الوقت الذي تواصل فيه أنقرة رعاية المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة.
* حزب العدالة والتنمية: قصة أزمتين:
تضمنت مسيرة حزب العدالة والتنمية التركي الدخول في كثير امن المواجهات مع القوى والحركات السياسية التركية الأخرى وعلى وجه الخصوص في الفترة الممتدة من لحظة انتصار الحزب في انتخابات 2002م وحتى الآن.
• أولاً: أزمة البيئة السياسية الداخلية: وتضمنت مواجهات على الخطوط الآتية:
- المواجهة ضد المؤسسة العسكرية أخذت شكل الحرب الباردة خلال الفترة التي سبقت العملية العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني.
- المواجهة ضد الحزب الجمهوري التركي والقوى العلمانية المتحالفة معه وأخذت شكل الصراع البرلماني، الانتخابي، والإعلامي.
- المواجهة ضد الجماعات والتنظيمات السرية التي حاولت تنفيذ العمليات السرية ضد الحزب وحكومته ومن أبرزها جماعة أرغينكون التي تم الكشف عنها مؤخراً.
- المواجهة ضد الكيانات المؤسسية الدولتية وعلى وجه الخصوص هيئة الإدعاء العام التركي والمحكمة الدستورية العليا برغم إدانتها لحزب العدالة بارتكاب جريمة تقويض العلمانية فإن الحزب نجح في الإفلات من العقوبة والحظر بسبب عدم توافر الأغلبية المطلقة اللازمة لإصدار الحكم الذي طالبت به عريضة المدعي العام.
• ثانياً: أزمة البيئة السياسية الخارجية: وتتضمن المواجهات على الخطوط الآتية:
- الخطوط الإقليمية: وتتضمن:
* المواجهة بالوسائل العسكرية مع حزب العمال الكردستاني.
* المواجهة الباردة بالوسائل السياسية لإرمينيا.
الخطوط الدولية: وتتضمن المواجهة بالوسائل السياسية الباردة مع كل من أمريكا وإسرائيل.
وحالياً بعد أن انتهت الأزمة الأكبر التي شهدتها البيئة السياسية التركية الداخلية فإن البيئة السياسية الخارجية تشهد واحدة من أكبر الأزمات الإقليمية والدولية المعاصرة، والتي تشير التحليلات إلى أنها تمثل خطوة البداية لدخول النظام الدولي مرحلة الحرب الباردة الجديدة.
* حزب العدالة والتنمية: إشكالية إعادة ترتيب الأولويات والسيناريوهات المتوقعة:
بعد قرار المحكمة الدستورية العليا الأخير الذي أدى لتهدئة وتنفيس ضغوط أزمة البيئة السياسية التركية الداخلية ولم تكد حكومة حزب العدالة والتنمية تلتقط أنفاسها حتى اندلع الصراع الروسي – الجورجي الذي أدى إلى تصاعد ضغوط البيئة السياسية التركية الخارجية، على النحو الذي ألقى بظلاله على السياسة الداخلية والخارجية لتركيا.
تحليل واستقراء ما يجري وسيجري في أنقرة يشير إلى أن تركيا ستشهد تطورات الوقائع والأحداث الآتية:
• لجوء حزب العدالة والتنمية لخيار الإصلاح على محورين هما:
- إصلاح هياكل الحزب ودوره الوظيفي.
- إصلاح هياكل ووظائف الدولة التركية.
• لجوء حزب العدالة والتنمية إلى خيار التأكيد على سياسة خارجية تركية تؤدي إلى الآتي:
- الحفاظ على الروابط مع واشنطن.
- بناء الروابط مع موسكو.
وعلى ما يبدو فإن محاولة انتهاج سياسة خارجية تركية تجمع بين موسكو وواشنطن خلال المرحلة المقبلة سيجعل من حزب العدالة والتنمية بمثابة من يحاول المشي على الحبل وذلك لعدة أسباب:
• رغبة واشنطن في عدم السماح لأي قوة دولية كبرى أن ترتبط بتحالفات يترتب عليها حصول هذه القوى على المزايا في الساحة التركية.
• رغبة موسكو في بناء الروابط مع موسكو بما يؤدي إلى إخراج أمريكا من تركيا أو على الأقل تحييد دور تركيا في مواجهات الحرب الباردة الجديدة على خط موسكو – واشنطن.
اللافت للنظر في توجهات حكومة حزب العدالة والتنمية خلال فترة الصراع الجورجي – الروسي أنها لم تسع إلى محاولة الوقوف بشكل مطلق مع أمريكا كما كان يحدث في الماضي بل اكتفت بما يلي:
• الالتزام بتنفيذ اتفاقياتها القائمة مع أمريكا مع عدم الدخول في أي ترتيبات جديدة.
• الالتزام بمبدأ التفاهم والتعاون مع روسيا وعدم إبداء أي توجهات عدوانية تجاهها إزاء ما كان يحدث في الماضي.
• التحرك المكثف في المجال الإقليمي القوقازي ومنطقة بحر قزوين من أجل لم شمل الأطراف الإقليمية ضمن موقف موحد يتم خلاله إدارة الأزمة بما يحقق التوازن للجميع.
من المتوقع أن تواجه السياسة الخارجية التركية المزيد من التجاذبات وعلى وجه الخصوص بسبب:
• احتمالات مواجهة أنقرة للمزيد من المطالب الأمريكية – الإسرائيلية الرامية إلى استخدام الساحة التركية لأغراض الحرب الباردة وربما الساخنة ضد موسكو ومناطق شرق المتوسط وإيران.
• احتمالات مواجهة أنقرة المزيد من الضغوط من موسكو فيما يتعلق بترتيبات تمرير أنابيب النفط والغاز عبر الأراضي التركية بما يعطي تركيا مزايا اقتصادية واستراتيجية لن تستطيع تركيا الحصول عليها من أمريكا وإسرائيل ومن أبرز هذه المزايا أن تركيا تصبح الممر النفطي العالمي الأكثر أهمية وبالذات لدول الاتحاد الأوروبي، وهو أمر سيشكل ورقة هامة بيد أنقرة للضغط في ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
ما هو أكثر أهمية هو أن أنقرة تواجه بعض الضغوط إزاء ملف المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة في الفترة القادمة وعلى وجه الخصوص إذا أبرزت أنقرة المزيد من المواقف المعارضة لأمريكا والموالية لموسكو وهو أمر سيترتب عليه بلا شك توتير العلاقات بين أنقرة وواشنطن وبالتالي أنقرة وتل أبيب والتي سوف لن تتردد في السعي من أجل التخلي عن التزاماتها تجاه أنقرة بما في ذلك الالتزام باحترام الوساطة التركية في المحادثات مع سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد