هل تتمكن الدبلوماسية السورية من حل الأزمة القبرصية
الجمل: تتميز دبلوماسية سوريا بالمزايا الجيو-سياسية النسبية التي أتاحها موقع سوريا على خارطة العالم وهو موقع يوفر ويتيح للدبلوماسية السورية هامشاً واسعاً من حرية الحركة والمناورة وذلك لجهة تعدد القضايا والمشاكل وتعدد الأطراف إضافةً إلى التداخل والتقاطع الشديد التعقيد.
* دبلوماسية سوريا وديناميكية تفعيل الإدارة الجديدة – المتجددة:
من الخطأ الاكتفاء القول بأن دبلوماسية سوريا الوقائية تركز على استرداد الحقوق السورية إزاء الجولان وملفات الصراع العربي – الإسرائيلي، لأن القوام الجيو-بوليتيكي السوري يعطي لدبلوماسية سوريا المزيد من المهام والوظائف والمسؤوليات الجديدة – المتجددة، طالما أن ملفات النزاع الشرق أوسطية تحفل بالقضايا الجديدة والقضايا القديمة التي ظلت تتجدد وتعيد إنتاج نفسها ضمن الكثير من الصيغ والأشكال الجديدة.
* الأزمة القبرصية: نقطة تقاطع المجال الجيو-سياسي السوري – التركي:
الأزمة القبرصية التي وصلت إلى مرحلة انقسام الجزيرة إلى جزأين، أحدهما يسيطر عليه القبارصة الأتراك والآخر يسيطر عليه القبارصة اليونانيون هي أزمة وجدت ديناميكية حركية يسيطر عليها القبارصة من جراء تدخل الأطراف الدولية ومن أبرزها:
• التدخل الإسرائيلي الهادف إلى استمرار الأوضاع المضطربة في قبرص لجهة استثمارها في ابتزاز تركيا وابتزاز قبرص واليونان وابتزاز العلاقات التركية – اليونانية.
• التدخل الأمريكي الهادف إلى استمرار الأوضاع المضطربة في قبرص لجهة استثمارها في دعم وتعزيز النفوذ الأمريكي على كل من تركيا واليونان إضافة إلى إفساح المجال لإسرائيل من أجل استخدام المجال الجيو-سياسي القبرصي كنافذة تتسلل لجهة تنفيذ عملياتها السرية ضد بلدان الشرق الأوسط.
• التدخل الأوروبي الهادف إلى الإبقاء على الأزمة القبرصية لجهة توظيفها واستثمارها في عرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
لقد عانت أنقرة من توترات أزمة قبرص وعانى القبرصيون من حالة الانقسام ويجب ألا نستغرب إذا قلنا بأن سوريا تعاني أيضاً من استمرار الأزمة القبرصية لجهة وجود جزيرة قبرص ضمن المجال الجيو-سياسي الحيوي السوري، وبكلمات أخرى تمثل جزيرة قبرص نقطة تقاطع هامة بين المجال الحيوي التركي والسوري.
تستطيع دبلوماسية دمشق، أن تعطي الأزمة القبرصية زخماً ديناميكياً ولكن في الاتجاه الصحيح الذي يركز على التهدئة وحل الأزمة بما يعيد إلى قبرص تماسك قوامها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هذا، وحالياً تعتبر دمشق من العواصم الأكثر تأهيلاً للقيام بالوساطة في حل الأزمة القبرصية لعدة أسباب:
• استقرار العلاقات على خط دمشق – أنقرة، ودمشق – أثينا.
• حيادية دمشق وتفاعلها الإيجابي مع كل أطراف الأزمة.
• حرص دمشق على إحلال الاستقرار والسلام في كامل أنحاء منطقة الشرق الأوسط وتحديداً منطقة شرق المتوسط التي تضم مربع: دمشق، أنقرة، بيروت، نيقوسيا.
• إبعاد شبح تدخل القوى الأجنبية عن المنطقة.
وعلى هذه الخلفية يمكن الإشارة إلى أن كل محفزات دمشق للقيام بدور إيجابي في الأزمة القبرصية هي محفزات متوافرة وموجودة خاصةً وأن المياه ما تزال هادئة على الممر المائي الفاصل بين الساحلين السوري والقبرصي.
* دبلوماسية دمشق وأفق الحل للأزمة القبرصية:
تعاملت الأطراف الدولية مع الأزمة القبرصية على أساس اعتبارات أنها:
• أزمة سياسية بين القوى السياسية القبرصية المؤيدة لأنقرة والقوى السياسية المؤيدة لأثينا.
• أزمة دبلوماسية على خط أنقرة – أثينا يقوم كل طرف من الاثنين بتوظيف واستثمار القوى القبرصية المرتبطة به في الصراع ضد الآخر.
ولكن وبرغم فعالية الدور الوظيفي لثنائية أنقرة – أثينا ذات الخصوصيات التاريخية العميقة الجذور منذ أيام الصراعات الإمبراطورية القديمة إضافةً إلى الصراعات التي ولدت نتائج الحرب العالمية الأولي والثانية وما ترتب عليها من نزاعات حول السيادة على جزر بحر إيجة ومستقبل منطقة البلقان، فإن دمشق تستطيع جمع الأطراف والدفع باتجاه أفق الحل السياسي الحقيقي لهذه الأزمة.
الميزة الإيجابية التي تؤهل دمشق للقيام بدور في حل الأزمة القبرصية تتمثل بمكانة تختلف عن مكانة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية لأن كل هذه الأطراف حاولت التدخل لحل الأزمة القبرصية ولكن تدخلاتها باءت بالفشل بسبب:
• استخدام الاتحاد الأوروبي ملف الأزمة القبرصية في التأثير على ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد وقد أدى ذلك لقيام أثينا بممارسة دور اللوبي داخل الاتحاد الأوروبي على النحو الذي دفع الاتحاد لطرح الحلول التي تنسجم مع المنظور اليوناني الذي ترفضه أنقرة، ويرفضه القبارصة الأتراك.
• استخدام الولايات المتحدة الأمريكية ملف الأزمة القبرصية في التأثير على أنقرة وأثينا لجهة المناورة وإفساح المجال أمام واشنطن لابتزاز الطرفين.
• استخدام الأمم المتحدة للأساليب البيروقراطية الفوقية التقليدية التي ظلت تحاول تطبيقها في حل النزاعات وهي أساليب توقع الجميع أن تفشل في حل الأزمة القبرصية طالما أنها أثبتت فشلها في حل جميع الأزمات الأخرى المنتشرة في بقية أنحاء العالم.
آخر التطورات في مسرح الأزمة القبرصية يتضمن مشهداً سياسياً لم يعد قادراً على تجاوز جدول أعمال وبنود خطة كوفي أنان الأمين السابق للأمم المتحدة وهي الخطة التي ما تزال بنودها موضع الشكوك والجدل بين الأطراف القبرصية وبسبب مرور الوقت وتزايد تداعيات الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط والأدنى، فإن ملف الأزمة القبرصية أصبح أكثر حاجة لإعادة القراءة ومحاولة إنتاج الحل الحقيقي الذي يستطيع أن يوحد بين شطري الجزيرة وهو ما لن تستطيع لا أنقرة ولا أثينا القيام به منعزلين ولن نكون بعيدين عن الصواب إذا قلنا أن فراغ الدبلوماسية الوقائية في المنطقة أصبح بانتظار الطرف الثالث المؤهل للتقدم وملء الفراغ ومن ثم فإنه لا أحد خلاف دمشق يستطيع القيام بذلك حالياً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد