«أسمهان».. جرأة تفتح الابواب لحكايات المشاهير
كثيرون وضعوا ايديهم على قلوبهم عند عرض الحلقة الاخيرة من مسلسل «اسمهان» خشية ان ينزلق هذا العمل الذي اجتذب نسبة مشاهدة جماهيرية مرتفعة في متاهة الانشغال بالبحث عن «قاتل» اسمهان على حساب الحبكة.
لكن النهاية المفتوحة اراحت هؤلاء، وتركت الحكم للمشاهد، واضعة امامه كل الاحتمالات الممكنة.
فإذا كان صناع المسلسل قد اختاروا قصة موت أسمهان قتلاً بدلاً من كونها ماتت قضاء وقدراً بتصوير السائق يتعمد انزلاق السيارة في الماء قبل ان يقفز منها، فإن عدم تحديد الجهة القاتلة، والتذكير في نهاية المسلسل بأكثر من خيط قد تكون على علاقة بمقتلها، ترك الباب واسعاً امام الجمهور لطرح الأسئلة.
وهذه ميزة تُحسب للمسلسل، ذلك ان أي عمل فني تتجلى أهميته في قدرته على جعل المشاهد يطرح الأسئلة، لا ان يعطيه الأجوبة وينتهي.
ومع هذا أتت الحلقة الأخيرة مخيبة للآمال، إذ بدت وكأنها خارجة عن السياق العام لإيقاع الحلقات. فإذا كان البطء في الحركة إحدى النقاط التي تؤخذ على الحلقات الاولى، فإن أحداث الحلقة الاخيرة جاءت «مسلوقة» وكأنها نُفذت على عجل، ناسفة في طريقها الجهود الكبيرة التي قام بها مؤلف النص نبيل المالح والمخرج شوقي الماجري لجهة الحوار المتماسك وجماليات الصورة واللقطات السينمائية التي طبعت الحلقات الاخرى.
وبعيداً من الخلافات التي نشبت نتيجة تحقيق هذا المسلسل وعرضه، واعتراض بعض ورثة آل الأطرش من أقارب اسمهان، ثم اعتراض «الأب الروحي» لهذا المسلسل وكاتب نصه الاساس ممدوح الاطرش واتهامه القائمين على المسلسل «بتشويه النص» و «تحريف سيرة اسمهان»، فإن المسلسل قدم صورة مشرقة للدراما العربية.
أولاً لجهة تصوير اسمهان إنساناً من لحم ودم: يحب ويكره، يسهر ويمرح، يثور أحياناً على التقاليد وينتفض ضد المجتمع... وكلها صفات قلّ ان نجدها في مسلسلات السير الذاتية العربية التي اعتادت ان تسلط الضوء على الايجابيات وتبتعد قدر الإمكان عن السلبيات. ومع هذا ما كان في إمكان صناع المسلسل ان يسترسلوا في هذا الجانب الذي طبع شخصية اسمهان لو لم يثيروا تعاطف المشاهد في مكان، ويجمّلوا الصورة في مكان آخر. وهنا تطل شخصية العرّاف الذي تنبأ لأسمهان بالموت باكراً غرقاً، بهدف جعل المشاهد يتعاطف معها، ويغض الطرف عن حياتها العابقة بالمغامرات، لأنها «تشعر انها ستموت قريباً»، كما رددت في اكثر من مشهد، من هنا تصميمها على الاستفادة من كل لحظة في حياتها.
هذا في ما يخص حياتها الخاصة، أما بخصوص حياتها العامة، فمنذ البداية مهّد صناع المسلسل لقابلية اسمهان للانخراط في الحياة السياسية، وتحديداً منذ زواجها من الأمير حسن، ورغبتها في المشاركة في مجالس الرجال، وطرحها الأسئلة عن الاستقلال والتحرير. اما ذروة الأحداث فأتت بتجنيدها في صفوف الحلفاء ضد الألمان و «فرنسا فيشي»، وهدفها، كما جاء في المسلسل، تحقيق استقلال بلادها. وهكذا برزت صورة مختلفة لأسمهان عن الصورة التي نعرفها عنها، إذ أطلت اسمهان بطلة وطنية «ستلعب دوراً كبيراً» للوصول الى استقلال سورية قبل ان يتخلى الحلفاء عنها وينكثوا بوعودهم... صورة بعيدة من الصورة التي رسمتها صحافة ذاك الوقت عنها، لجهة عملها جاسوسة بهدف متعة العيش الرغيد.
والأكيد ان هذا الترابط بين الخاص والعام، كان من ابرز نقاط قوة المسلسل. إذ لا يمكن الحديث عن سيرة اسمهان من دون الاطلالة على الواقع السياسي في تلك الفترة التي كانت تعج بالتطورات والمؤامرات والأحداث المصيرية، خصوصاً أن اسمهان تنقلت بين أكثر من عاصمة عربية من القاهرة الى دمشق الى بيروت والقدس. من هنا كان يفضل ان يحدد المسلسل الإطار العام لكل مرحلة بذكر التاريخ واسم المدينة مع بداية مثل تلك المشاهد.
واللافت في هذا المسلسل ايضاً، التطور الكبير في اداء سلاف فواخرجي التي اجادت في تقمص شخصية اسمهان.
صحيح ان اوجه الشبه بين الفنانتين لناحية الشكل لم تكن موفقة، لكنّ قدرة سلاف على الإقناع، جعلت المشاهد ينسى الصورة المطبوعة في رأسه عن أسمهان، ويرسم لها صورة أخرى بطلتها سلاف فواخرجي.
ولا يقف الأداء الجيد عند دور اسمهان فحسب، إنما برز نجوم آخرون، منهم ورد الخال التي جسدت شخصية عليا المنذر والدة أسمهان، على رغم انها في الحقيقة تنتمي وسلاف فواخرجي الى جيل واحد. ولا شك في ان هذا الدور سيلفت الأنظار الى ورد الخال للمشاركة في أعمال عربية أخرى، بعدما أجادت في لعب دور المرأة العشرينية في الحلقات الاولى من المسلسل، ثم المرأة الأربعينية وما فوق في الحلقات التالية. ولعل المأخذ الوحيد الذي يؤخذ على شخصية عليا هو اللهجة التي اعتمدتها، إذ اتت أقرب الى اللهجة اللبنانية الـ «مودرن» منها الى لجهة أهل الجبل الدرزي، باستثناء حرصها على التشديد على حرف القاف.
ومثلما يُتوقع ان تفتح الابواب امام ورد الخال بعد هذا الدور، يتوقع ايضاً ان يحالف الحظ الممثل أحمد شاكر الذي استطاع ان يدخل الى قلوب المشاهدين تحت عباءة فريد الأطرش. كما لفت الانظار نجوم آخرون مثل فراس ابراهيم على رغم الدور السلبي الذي يجسده (دور فؤاد أخ اسمهان الأكبر)، والممثل عابد الفهد في دور الامير حسن...
كل هذه امور تحسب لهذا المسلسل، الذي مهما قلنا عن بعض نواقصه، يبرز كواحد من اهم الأعمال التلفزيونية العربية التي تنطحت لتصوير سيرة المشاهير، الى جانب مسلسل «ام كلثوم» على سبيل المثال. بل يمكن ايجاد عناصر كثيرة في «اسمهان» تتفوق على بعض جوانب «ام كلثوم»، واهمها التكثيف في مقابل التطويل الذي طغى على العمل الذي كتب عن كوكب الشرق.
وإذا أضفنا، جرأة «اسمهان» - التي قد يدفع بعضهم ثمنها - وتقبل المتفرجين في شكل عام لهذه الجرأة، سيكون في امكاننا ان نفترض ان هذا المسلسل سيفتح ابواباً عريضة امام هذا النوع من الدراما... وامام مزيد من الجرأة في تناول المخفي والمسكوت عنه من حياة هؤلاء المشاهير. وفي هذا أيضاً، سيكون «اسمهان» قد لعب دوراً لا يمكن نكرانه.
فيكي حبيب
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد