تبادل السفارات بين سورية ولبنان: المقدمات والنتائج (3)
الجمل: يوجد ترابط وثيق بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية وبسبب التأثير المتبادل بينهما فقد برزت الكثير من الخلافات وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بثنائية الثابت والمتغير في المجالين الخارجي والداخلي.
تأسيساً على هذه القاعدة لن تكون لدمشق مشكلة في صنع واتخاذ القرار المتعلق بتوجيهات السياسة الخارجية السورية إزاء لبنان بسبب وحدة مركز القرار الذي ظلت تتميز به السياسة الخارجية السورية طوال تاريخها أما بالنسبة لبيروت فسوف تكون هناك مشكلة كبيرة إزاء القيام بصنع واتخذ القرار المتعلق بتوجهات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا، وذلك بسبب تعدد مراكز القرار الذي اتسمت به السياسة الخارجية اللبنانية طوال تاريخها.
* السياسة الخارجية اللبنانية وإشكالية تعدد مراكز القوى:
إشكالية صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية اللبنانية هي إشكالية لا يمكن القول بأنها بدأت حصراً ببدء العلاقات الدبلوماسية السورية – اللبنانية وإنما هي إشكالية ظلت موجودة بشكل ترافق مع تطورات الأزمة اللبنانية منذ فترة الحرب الأهلية.
تشير معطيات خبرة السياسة الخارجية اللبنانية إلى أن وزارة الخارجية اللبنانية ليست سوى سكرتارية تقوم بأعمالها البيروقراطية، وبأن وزير الخارجية اللبناني أياً كان ليس سوى سكرتير يقوم بأداء المهام البيروقراطية أما صنع واتخاذ القرار في السياسة الخارجية فهو أولاً في يد النخبة اللبنانية التي تضم من تنطبق عليهم مقولة "صانعوا الرئيس اللبناني" وتحديداً زعماء الكتل النيابية المسيطرة على مجلس النواب.
ويقول البعض بأن سيطرة هؤلاء على صنع واتخاذ القرار هو من سمات الأنظمة الديمقراطية إضافة إلى أنه دلالة على ديمقراطية لبنان، ولكننا نقول بأن ما يحدث من سيطرة على صنع واتخاذ القرار لا يماثل ما يحدث لا في أمريكا ولا في بريطانيا ولا في فرنسا التي تمثل أكبر الديمقراطيات في العالم. ما يحدث من هيمنة ونفوذ بواسطة الزعامات اللبنانية على السياسة الخارجية يتميز بالسمة المزدوجة التي تتمثل في ثنائية تلازم: المزاجية الشخصية – المصالح الخاصة. وعلى أساس هذه الثنائية:
• لم يعد لوزارة الخارجية اللبنانية القدرة على التحرك الدبلوماسي خارج نطاق الهامش الذي يسمح به زعماء الكتل النيابية الذين بالطبع لم يتركوا لوزارة الخارجية مجالاً تتحرك فيه سوى الإجراءات البيروقراطية – المكتبية.
• تضارب توجهات السياسة الخارجية اللبنانية بسبب تضارب تحركات دبلوماسية الزعماء السياسيين.
* السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا: إشكالية الترابط فإلى أين؟
السياسة الخارجية، أي سياسة خارجية، تصنف على أساس اعتبارات أنها تهدف إلى سياسة خارجية لجهة توجهاتها الهادفة إلى تحقيق نتائج خارج حدود الدولة بشكل معلن ورسمي، بما يترتب عليه التأثير إيجاباً على الوضع الداخلي. وبالتالي فإن الترابط المطلوب سفي مجال السياسة الخارجية هو ترابط وتلازم هذه السياسة مع السياسة الداخلية، ويمكن في الحالة اللبنانية الإشارة إلى النقاط الآتية:
• هل تستطيع السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا تحقيق الارتباط والترابط بين الهياكل اللبنانية الداخلية والسلوك السياسي الخارجي اللبناني إزاء سوريا؟
• إلى أي مدى ستستطيع "الأطراف الخارجية" أن تؤثر على السياسة الداخلية اللبنانية وعلى السياسة الخارجية وعلى مدى مصداقية توجهات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا؟
• من سيسبق الآخر، عملية صنع السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا أم اتخاذ قرار السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا؟ وبكلمات أخرى هل سيتم صنع القرار في وزارة الخارجية، أو في قريطم أو المختارة أو معراب، وهل حقيقة تستطيع هذه المقرات صنع قرار السياسة الخارجية بناء على منطلقاتها الذاتية، أم أنها ستقوم بعملية اتخاذ القرار الذي تم مسبقاً صنعه بواسطة الأطراف الثالثة الخارجية وعلى وجه الخصوص الطرف الرئيسي: محور واشنطن – تل أبيب، والأطراف الثانوية المتمثلة في تحالف المعتدلين العرب.
* مدى ترابط السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا:
طالب الزعماء السياسيون أن تتحول العلاقات اللبنانية – السورية من نموذج علاقات البيت الواحد الكبير إلى نموذج العلاقات الدبلوماسية الذي أرسته معاهدة فيينا، والآن، وبعد استجابة سوريا لذلك، فإن نجاح النموذج الجديد يتوقف بقدر كبير على ما سيحدث في بيروت، وبكلمات أخرى، فإن قدرة النظام السياسي اللبناني على تحقيق الترابط بين السياسة الداخلية والخارجية إزاء سوريا هو السبيل الوحيد لإقامة علاقات تعاون ناجحة مع سوريا، أما إذا لم يتحقق ذلك، بسبب إصرار الزعامات اللبنانية على ربط السياسة الخارجية اللبنانية بتحالفاتهم الخاصة مع الأطراف الخارجية، فإن السياسة الخارجية سوف لن تجسد التعبير عن السياسة الداخلية، وسوف لن تكون سوى جزء مكمل لسياسات الأطراف الخارجية الأجنبية إزاء سوريا.
سيناريو ترابط السياستين الداخلية والخارجية في لبنان إزاء سوريا هو سيناريو يمكن تصوره في ظل وجود عاملين هما:
• العامل الأول: بسبب خصوصية التطابق المجتمعي بين سوريا ولبنان والسمات الاجتماعية الواحدة التي تؤطر المجتمعين فإنه لابد أن:
- ترتبط السياسة الخارجية اللبنانية بالخصوصية الداخلية التي تميز العلاقات البينية.
- تدفع السياسة الخارجية اللبنانية بالمزيد من الأدوار المتميزة والتي يجب أن تركز أولاً وقبل كل شيء على عدم تجاوز دائرة منظومة القيم والمصالح الحيوية التي تربط ما هو لبنان بما هو سوري.
• العامل الثاني: بسبب عدم استقرار البيئة السياسية الداخلية اللبنانية من جراء اهتمام الساسة اللبنانيين بالبيئة السياسية الخارجية وإعطاءها الأولوية بسبب إصرار هؤلاء الزعماء على مدى اعتماد المذهبية الخاطئة القائلة بأن لبنان هو ساحة لتقاطع المصالح الدولية والإقليمية فإن المطلوب حالياً أن تدرك الزعامات اللبنانية بأن العلاقات الدبلوماسية مع سوريا لن تتحمل "المناورات" و"المقامرات" و"المغامرات" لسبب بسيط وهو أن هذا كله يمكن أن يكون قليل المخاطر في حالة تعامل بيروت مع عواصم عمان – القاهرة – الرياض، وغيرها من العواصم التي لا ترتبط بحدود مع لبنان، أما في حالة دمشق فإن اضطراب العلاقات سيؤدي بسبب التداخل إلى اضطراب التوازنات داخل المجتمع اللبناني الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى اضطراب الأوضاع السياسية الداخلية.
• إن أبرز ما يتضمنه العامل الثاني المشار إليه هو ضرورة تفادي أوضاع وحالات عدم المصداقية واللايقين التي ظلت تتسم بها أهداف السياسة الخارجية اللبنانية وبكلمات أخرى سيواجه الزعماء اللبنانيون الكثير من الضغوط والإغراءات والإملاءات الخارجية لجهة التلاعب بملف العلاقات مع سوريا وما يجب الانتباه إليه جيداً في بيروت هو أن التلاعب بملف العلاقات مع سوريا سوف لن يؤدي إلا إلى تأزيم الوضع الداخلي اللبناني.
ليس مطلوباً الآن، مثلما لم يكن مطلوباً في أي يوم من الأيام، من الساسة اللبنانيين العمل من أجل تحرير الجولان، فهذا أمر سوري، ويعرف السوريون جيداً كيف يحررون أراضيهم وكيف يدافعون عن أمن واستقرار بلدهم تماماً مثلما دافعوا عن أمن واستقرار لبنان في الماضي، وما هو مطلوب منهم هو عدم اللجوء إلى استخدام ملفات المصالح السورية في مناوراتهم وتحالفاتهم الخارجية لأن ذلك بكل بساطة لن يعود عليهم سوى بالخسارة وعدم المصداقية خاصة وأن الأطراف الخارجية أصبحت تدرك تماماً مدى عدم قدرة هؤلاء الزعماء على التأثير في سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد