من الأزبكية إلى القزاز ..إجرام يثير الاشمئزاز!
د. محمد نعيم الجابي: كنت في الصف العاشر عندما صدمت لمقتل والد صديقي في مجزرة الأزبكية وهو الموظف الفقير في دائرة حكومية والمعيل لأسرة من 5 أبناء، وأذكر خروجي مع ثلة من رفاق الدراسة في ثانوية جودة الهاشمي لمرافقة الجنازة من منطقة التجهيز في مدينة دمشق ونحن نهتف : لا اله إلا الله والشهيد حبيب الله.
وصلنا يومها لمقبرة الدحداح وهناك وجدت العديد من رجال الصحافة الذين قدموا لمعرفة آرائنا في مجزرة الأزبكية التي نفذها مجرمون أطلقوا على أنفسهم : الاخوان المسلمون. قلت لأحد الصحافيين من جريدة الثورة وأنا مصدوم لهول الحدث: لا توجد شريعة سماوية على وجه البسيطة، تبيح قتل الإنسان.
في اليوم التالي صدر ملحق الثورة وفيه صورنا وتصدر المقال هذه الجملة التي خرجت من فمي دون وعي أو تفكير لأن الحدث كان بشعا وأبعد ما يكون عن ما يخص رب السموات والأرض.
نعم تذكرت هذه الحادثة وأنا أشاهد الاعترافات للصوص الأرواح وسكان جهنم الذين قطفوا حياة أناس ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا في صبيحة نهار مبارك من أيام رمضان لكسب رزقهم.
من يستمع لاعترافات أفراد المجموعة الإرهابية التي قتلت 27 شهيدا وجرحت أكثر من 55 جريحا بريئا في منطقة القزاز في دمشق يدرك أننا أمام أشخاص باعوا أنفسهم للشيطان وفقدوا كل إحساس بالوطن لقاء وهم مزعوم وجشع مادي مخيف .
تذهلك الصورة لأشباح رجال يجعلون الله مطية لكل ما يريدوا أن ينفذوه من مأرب دنيئة. فإذا نقص عندهم المال كفّروا من أرادوا ووصفوه بالخنزير وحللوا استلاب ماله.
عندما شاهدت المسؤول الأمني لتنظيم الإسلام على الشاشة واستمعت لاعترافاته وكلماته بأنه نادم قلت من فوري: لا أصدقك يا أبا الوليد بأنك نادم بل أظنك تضمر في نفسك أنك قمت بما يجب أن تقوم به وأن الجنة بانتظارك. خيالك المريض وأحلام السلطة وأوهام شخصيات مريضة كشاكر العبسي وأمثاله جعلتك مجرد أداة مدربة للقتل دون روح أو قلب. صوتك البارد وكلامك المنمق يثبت أنك قتلت بدم بارد ولو بقيت طليقا لمارست المزيد من القتل.
لفت نظري ما قاله هذا المجرم عن معهد إسلامي في مدينة دمشق يأتيه التلاميذ من أقطار شتى لدراسة الدين ولكنهم يعدون فيه لانجاز مهمات من طراز مختلف. آن لنا أن ندرك أن المعاهد الدينية وكليات الشريعة قد تكون معقلا لبذور مريضة تولد مثل هذه النماذج البشرية المريضة والسبب بالطبع ليس المكان بل المنهاج ومن يدرسه. إن الكثير من المناهج الدينية تزرع في عقول الدارسين أفكارا تبرر لهم في المستقبل هذه الأفعال النكراء وتشجع لديهم النظرة الأحادية وتكريس الفكر التفكيري.
من الضروري أن نقوم بدراسة هذه الحالة عندما يأتي دارس متحمس إلى تلك المعاهد الدينية فيتحول خلال أشهر إلى متشدد أحمق مع غياب آلية التأثير على فكر الدارس بالاتجاه الايجابي البناء بسبر جميع الشواهد والأمثلة التي توضح للدارس أن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس وأن القتال كان حالة مؤقتة لجأ لها الصحابة مرغمين مكرهين والأهم من ذلك أن يوضح لهم بالحجة والمنطق بأن المعرفة أفضل من الثروة وذلك لأن عليه رعاية الثروة ولكن المعرفة هي التي ترعاه.
لا ننسى هنا الدور السلبي الكبير الذي تلعبه المطبوعات والكتب (المتخلفة) التي تصدرها لنا دول الفكر الجامد كالسعودية مثلا والتي تؤسس لحالات التشدد والانحدار الحضاري.
لقد كانت سورية أول من ذاق من كأس الإرهاب المر وحذر حينها الراحل حافظ الأسد العالم من أن نارا تكمن في الرماد وأن العالم عليه أن يسرع لعقد مؤتمر للارهاب لدراسة طريقة تشكله وتطوره وطرق علاجه. ولكن العالم لم ينتبه إلى هذه النصيحة الاستشرافية المستقبلية وغرق في أحلامه الوردية في حين أن وحش الارهاب كشر عن أسنانه وبدأنا نشاهد على التلفاز من أطلقوا على أنفسهم أسماء الصحابة الكرام وهم منهم براء. هؤلاء المجرمون الذين خلفوا الله وراء ظهورهم وأخذوا منه عنوة عصا القيادة ولقبوا أنفسهم بالأمراء ظانين أنهم الجند الأوفياء وأنهم سيعيدوا لله (والعياذ بالله) هيبته وسلطانه فقتلوا الأبرياء وشردوا الأبناء وقزموا من قامة كتاب الله ورسله رضوان الله عليهم. أما المتخاذلون المختبئون ورائهم ممن أعمتهم السلطة وبذلوا المستحيل لاقصاء سورية عن الساحة كالحريري وأعوانه والذي كذب بصفاقة أمام وسائل الاعلام وصرح بأن سورية تصدر الإرهب واليوم التاريخ يفضحه ومن تعاون معه ودعم موقفه.
إن العالم الإسلامي اليوم في أشد الحاجة للأصوات المعتدلة والفكر التنويري الذي يثبت ارتباط الدين بالعلم ويبرهن على سماحة تعاليم الإسلام ونصاعة التاريخ الضائع لأمة قدمت للعالم نموذجا فريدا في الانتقال من حالة المجتمع الجاهلي الملئ بالأمراض إلى حالة المجتمع الإسلامي الذي قدم للعالم ابن سينا وابن خلدون والرازي وابن التفيس والزهراوي وابن رشد وقدم نماذج فريدة في القيادة السمحاء أمثال صلاح الدين الأيوبي وعبد الرحمن الداخل والغافقي وخالد بن الوليد وطارق بن زياد...
من الأزبكية إلى القزاز تاريخ أسود لجماعة من قطاع الطرق قدمت لهم الظروف والمتغيرات أرضا خصبة للقتل باسم الدين ولولا العين الساهرة لرجال الأمن لنامت المدينة على صراخ من عُلق على المشانق التي نصبها كلاب الإرهاب ليدخلوا جنتهم المزعومة ويُدخلوا من خالفهم جهنم الموت.
شكرا لكم أيها الساهرون على أمن الوطن وليعلم المتربصون بهذا البلد الآمن أن لكل متأمر يوم يشهد فيه الجموع على أنه خسر نفسه وأهله وآخرته.
المصدر: نوبلز نيوز
إضافة تعليق جديد