ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في تحالف أوباما - كلينتون
الجمل: بقيام الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما بالإعلان عن اختيار منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون لتولي منصب وزير الخارجية الأمريكية، بدأت دائرة الخلافات تضيق أكثر فأكثر حول طبيعة توجهات سيناريو السياسة الخارجية الأمريكية المتوقع انتهاجها بواسطة الإدارة الديمقراطية الجديدة.
* ماذا تقول التسريبات والتحليلات؟
أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن خياراته إزاء التعيينات لمناصب الإدارة الأمريكية الجديدة، ذات العلاقة بملفات الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية وحتى الآن اتضح الجزء الرئيس من شكل الإدارة الجديدة ويتمثل هذا الشكل في الآتي:
• حقيبة الخارجية الأمريكية: هيلاري كلينتون.
• حقيبة الدفاع: روبرت غيتز.
• حقيبة مستشار الأمن القومي: الجنرال المتقاعد من قوات المارينز جيمس جونيز.
• حقيبة النائب العام الأمريكي: إيريك إتش هولدار جي آر.
• حقيبة السفير الأمريكي في الأمم المتحدة: سوزان رايس.
• حقيبة الأمن الداخلي الأمريكي: جانيت نابوليتانو، حاكمة ولاية أريزونا.
هذا، ومن خلال خبرة الأداء السلوكي لعناصر هذه المجموعة لاحظ المراقبون بأنها تنتمي جميعها إلى تيار يمين الحزب الديمقراطي الأمريكي ما عدا روبرت غيتز، الذي ينتمي إلى تيار المحافظين التقليدي داخل الحزب الجمهوري وهذا معناه بوضوح أن الإدارة الديمقراطية الجديدة لن تكون تحالفاً بين أجنحة الحزب الديمقراطي كما جرت العادة، وإنما تحالفاً بين الجناح اليميني في الحزب الديمقراطي مع بعض الجمهوريين المنتمين إلى معسكر الرئيس جورج بوش الأب وجيمس بيكر وغيرهم.
* آليات صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية: بين الذاتي والموضوعي:
من الصعب على رئيس الجمهورية أو وزير خارجيته القيام على انفراد بصنع السياسة الخارجية الأمريكية واتخاذ قرارها، لأن هذا القرار يخضع لعملية "صناعة" تتم وفقاً للآتي:
• تعدد "الأطراف الداخلية" التي تشارك في صناعة القرار.
• تعدد الأطراف الخارجية التي تشارك في صناعة القرار.
على هذه الخلفية فإن تفاعل متغير التأثيرات الخارجية مع متغير التأثيرات الداخلية، هو بالذات الذي يؤدي إلى المحصلة النهائية المؤثرة على عملية صناعة قرار السياسة الخارجية الأمريكية وتأسيساً على ذلك نشير إلى الآتي:
• البعد الهيكلي – المؤسسي: ويتضمن مجموعة الهياكل والمؤسسات التي تلعب دوراً في صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية كلجان العلاقات الخارجية والأمن القومي الأمريكي التابعة للكونغرس إضافة إلى مجلس الأمن القومي ووزارتي الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات المركزية. إضافة لهذه الهياكل نجد العديد من الهياكل المؤسسية الأخيرة ذات الطابع غير الرسمي والتي تلعب دوراً لجهة توجيه قرار السياسة الخارجية باستخدام الضغوط وجماعات المصالح ومن أبرزها جماعات المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وجماعات اللوبي الإسرائيلي.
• البعد القيمي – الإدراكي: تعتمد توجهات الديمقراطيين والجمهوريين بشكل أساس على مفهوم القوة الأمريكية وإسقاطها كأساس للتدخل في شؤون الآخرين لجهة السيطرة على العالم ولكن الخلاف بين الطرفين يتمثل في:
- الجمهوريون: ويراهنون على استخدام الوسائل العسكرية.
- الديمقراطيون: ويراهنون على استخدام الوسائل الدبلوماسية.
والفرق بين الطريقتين لا يترتب عليه أي فرق جوهري كبير بين توجهات الإدارات الجمهورية والديمقراطية، وعلى الأغلب أن تعتمد الإدارتان الوسيلتين، أما الفارق فيتمثل في أن الديمقراطيين يستخدمون الوسائل الدبلوماسية بقدر أكبر في حين يركز الجمهوريون على الوسائل العسكرية بقدر أكبر.
• البعد التفاعلي: تتفاعل عملية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية ضمن متغيرين: الأول يتمثل في مقاربات معادلة حسابات الفرص والمخاطر، بحيث يركز الأمريكيون على أهمية استغلال الفرصة المتاحة وعدم التقيد بالخطأ أو الصواب طالما أن استغلال الفرصة يبرر وسيلة الحصول على نتائجها، وكالعادة فقد أصبحت السياسة الخارجية الأمريكية لا تلجأ إلى تطبيق الخيارات الصحيحة الصائبة إلا كحل أخير بعد تجريب كل الخيارات الأخرى. أما الثاني فيتمثل في متغير نفوذ جماعات المصالح ومدى قدرتها على القيام بالعمل الاستباقي في الدوائر الآتية:
- التأثير على السلطة التشريعية (الكونغرس).
- التأثير على السلطة التنفيذية (الإدارة الأمريكية).
- التأثير على تدفقات المعلومات (المعلومات الاستخبارية والتقارير الإعلامية وبحوث مراكز الدراسات).
وعلى الصعيد الميداني خارج أمريكا فقد ظلت الإدارات الأمريكية تطبق سياساتها التدخلية بشكل "كامل الدسم" دون التقيد بأي رادع، مع مراعاة أن لا يصل التدخل إلى مستوى المواجهة المرتفعة الشدة مع القوى النووية العالمية مثل روسيا والصين وغيرهما.
* ماذا يحمل جدول أعمال شراكة هيلاري كلينتون – باراك أوباما:
تشير التوقعات إلى أن أجندة جدول أعمال شراكة كلينتون – أوباما، ستتضمن ما يلي:
• ملف الهند: تقديم المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية للهند مقابل توريطها في ملف أفغانستان وملف إضعاف الصين.
• ملف أفغانستان: زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان مع الضغط على أعضاء الناتو بضرورة تقديم المزيد من الدعم.
• ملف المناطق والأقاليم المضطربة: استخدام ذرائع التدخل للأغراض الإنسانية في كل من بورما وإقليم دارفور وشرق الكونغو وكوسوفو.
• ملف نشر الديمقراطية: استخدام ذرائع نشر الديمقراطية والضغط على بلدان الشرق الأوسط ومحاولة إدماج أجندة نشر الديمقراطية مع أجندة إدارة الصراع العربي الإسرائيلي وبرامج المساعدات الأمريكية الدولية.
• ملف النفط: الاستمرار في تأمين مصادر إمدادات النفط إلى أمريكا إضافة إلى تفادي التعاون مع روسيا في المجالات النفطية مع ضرورة الضغط على دول الاتحاد الأوروبي باتجاه تفادي الدخول في أي شراكة نفطية حقيقية مع روسيا.
• ملف كوريا الشمالية: تشديد الضغوط الدبلوماسية ضد كوريا الشمالية مع ضرورة تشديد الضغوط ضد الصين بما يترتب عليه دفع الصين إلى القيام بدورها بالضغط على كوريا الشمالية.
• ملف العراق: ستستمر هيلاري كلينتون في المطالبة بضرورة إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق مع ملاحظة عبارة "الوجود العسكري" التي تستخدم بخلاف عبارة "الاحتلال الأمريكي"، والذي لم يحدث أن طالبت هيلاري بإنهائه، وتقول بعض المعلومات أن هناك احتمالات بأن توافق إدارة أوباما على استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق ولكن بشرط: إجراء استفتاء للرأي العام العراقي، وهناك تسريبات أخرى تقول بأن الأمر سيخضع برمته للتفاهمات الجارية حالياً على خط واشنطن – طهران التي يمكن أن يترتب عليها التوصل لصفقة حول ملف الوجود الأمريكي في العراق.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية ستتعامل خلال المرحلة الجديدة القادمة مع نوعين من الملفات هما:
• الملفات الجهوية: التي تهتم بالسياسات الخارجية الأمريكية الخاصة بكل منطقة إقليمية وبكل دولة.
• الملفات النوعية: التي تهتم بالسياسات الكلية كالتجارة العالمية، أمن الطاقة، النظام المالي والنقدي العالمي، ضبط التسلح وحظر انتشار الأسلحة النووية، قضايا البيئة والمناخ، وما شابه ذلك.
خلال الفترة الماضية كانت إدارة بوش تركز على استخدام الملفات الجهوية كمتغيرات مستقلة إزاء الملفات النوعية التي ترتبط بها، ولكن إدارة أوباما ستركز على الملفات النوعية كمتغيرات مستقلة إزاء الملفات الجهوية المرتبطة بها. بكلمات أخرى، سيركز الديمقراطيون على ربط نظام التجارة العالمي بالنظام العسكري العالمي ولكن الاستثناء الوحيد سيكون منطقة الشرق الأوسط التي سوف لن تلتزم السياسة الخارجية الأمريكية إزائها إلا خياراً واحداً، وهو خيار نظرية دواعي الأمن القائم على الالتزام بأمن إسرائيل أولاً وقبل كل شيء طالما أن استخدام الخيارات والمسارات الخاطئة مع الأطراف العربية يساعد واشنطن في الحصول على المنافع المتزايدة واستغلال الفرص ولن تلجأ السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية إلى الخيار الصحيح إزاء الشرق الأوسط إلا بعد أن تفشل كل الخيارات الأخرى الأمر الذي لن يحدث إذا لم تلعب الأطراف العربية والشرق أوسطية دوراً رئيسياً في إفشال هذه الخيارات.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد