الدبلوماسية التركية على خط الاتحاد الأوروبي والخلاف مع باريس
الجمل: بذلت الدبلوماسية التركية على خط أنقرة – بروكسل (الاتحاد الأوروبي) خلال السنوات الماضية جهوداً حثيثة من أجل ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبالمقابل لجهود أنقرة فقد ظلت بروكسل تبذل جهودها الحثيثة لفرض مشروطيات العضوية الأكثر تشدداً وكلما اقتربت أنقرة من تلبية شرط كلما قامت بروكسل بسيناريو إعادة إنتاج ذلك الشرط ضمن مواصفات نسخة جديدة أكثر تشدداً.
* تطورات خط أنقرة – بروكسل: من دبلوماسية التعاون إلى دبلوماسية الصراع؟
تقول آخر التسريبات بأن وزير الخارجية التركي علي بابكان قد تحدث هذه المرة بطريقة تقريرية مباشرة عندما اتهم باريس بوضوح بأنها هي المسؤولة عن وضع العوائق التي تحول دون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. هذا، وقد نقل التقرير الإخباري الذي نشرته صحيفة زمان اليوم التركية الصادرة هذا الصباح فحوى ما تطرق إليه وزير الخارجية التركي ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
• تتولى باريس حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي وقد تقدمت بالمزيد من الشروط الجديدة إزاء ملفات ضم تركيا لعضوية الاتحاد.
• سيتم طرح أجندة باريس الجديدة المتعلقة بملف ضم تركيا في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي القادم علماً أن اجتماع الوزراء الذي انعقد خلال الأسابيع الماضية قد أخر الالتزام بعقد اجتماع مخصص للنظر في ملف ضم تركيا.
• مسودة ملف ضم تركيا التي أعدتها باريس رئيسة الاتحاد، لم تتضمن كلمة "التحاق" أو "الانضمام إلى العضوية"، وهو الأمر الذي نظرت إليه أنقرة باعتباره خطوة للوراء لجهة أنه لا يشكل تجاهلاً أو قصوراً فحسب، وإنما هو أمر مقصود في حد ذاته يهدف أولاً وأخيراً إلى إعادة توجيه ملف تركيا باتجاه أي نوع آخر من العلاقات ما عدا "العضوية".
• التقى بابكان مع جميع وزراء الخارجية الأوروبيين وإن كانوا قد اتفقوا معه في الرأي حول إجراءات ضم تركيا إلى أنهم كانوا يشيرون إلى "الإليزيه" باعتباره المسؤول عن كل ما حدث ويحدث إزاء ملف ضم تركيا.
* دبلوماسية أنقرة وسيناريو الإدراك الجديد لدبلوماسية باريس:
خلال فترة ما قبل الصعود إلى الإليزيه كان الرئيس الفرنسي الحالي ساركوزي يتحدث علناً عن معارضته لانضمام تركيا إلى الاتحاد وكان الأتراك منتبهين إلى ذلك جيداً ومن ثم بعد فوز ساركوزي بالانتخابات الرئاسية الفرنسية تزايدت التوقعات في الأوساط التركية والأوروبية والعالمية أن صعود ساركوزي لن يكون في مصلحة انضمام تركيا لعضوية الاتحاد. ولكن برغم ذلك تبنى الرئيس ساركوزي موقفاً ذرائعياً لجهة مطالبة تركيا بالقيام بدور فاعل في تنفيذ مشروع مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط موافقاً على شرط أنقرة المطالب بأن لا يكون وجودها ضمن الاتحاد من أجل المتوسط بديلاً عن عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وبالفعل وافق الرئيس ساركوزي على ذلك، وبالفعل أيضاً التزمت باريس بأن تقف موقف الحياد إزاء ملف ضم تركيا إلى الاتحاد.
قال وزير الخارجية التركي لصحيفة زمان اليوم التركية بأن باريس التزمت وعودها بالوقوف على الحياد خلال الأشهر الخمسة الأولى من رئاستها للاتحاد الأوروبي ولكن في الشهر السادس وتحديداً قي كانون الأول الحالي حدث تحول في الموقف الفرنسي وظهرت هذه التحولات من خلال التحضيرات والترتيبات ومسودة جدول أعمال وأجندة اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين. هذا، وأشار بابكان إلى أن "النص الأساسي" احتفظ بكلمة "ضم" تركيا إضافة إلى أن وزراء الخارجية قالوا أن تركيا قد أحرزت تقدماً "محدوداً". برغم ذلك، فإن على تركيا مضاعفة الجهود أكثر فأكثر حتى تتمكن من إحراز المزيد من التقدم في الإيفاء بمتطلبات مشروطيات العضوية المطلوبة. إضافة لذلك، أشار الوزير بابكان إلى النقاط الآتية:
• تواجده في العاصمة بروكسيل يوم الجمعة الماضية لحضور مؤتمر الأطراف الحكومية.
• تطرق المؤتمر إلى فصلين من فصول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي تبعاً لذلك يكون مجموع الفصول التي تم التطرق لها بواسطة الاتحاد الأوروبي "خلال السنوات الماضية" هو عشرة فصول من جملة 35 فصلاً وبكلمات أخرى فإن فصول مشروطيات عضوية الاتحاد الأوروبي المتبقية يبلغ عددها 25 فصلاً وعلى الأغلب أن تشهد هذه الفصول المزيد من الإضافات الجديدة.
• لم يلتزم الاتحاد الأوروبي بفتح المحادثات مع أنقرة حول 6 فصول جديدة برغم من أن كل الترتيبات قد تم الالتزام بتنفيذها بين تركيا والمفوضية الأوروبية.
• الفصول الستة التي تفادى الاتحاد الأوروبي فتح التفاوض حولها تشمل: ملف الخدمات المالية، ملف حرية حركة انتقال العمالة، ملف الطاقة، ملف السياسة الاقتصادية والنقدية، ملف التعليم والثقافة، ملف البنود الخاصة بالمالية والميزانية.
• أكملت تركيا الترتيبات المطلوبة منها وأكملت مفوضية الاتحاد الأوروبي ترتيباتها إضافة لذلك أرسلت المفوضية الرسائل لكافة عواصم أعضاء الاتحاد لإخبارهم بأن كافة الترتيبات قد اكتملت وبالتالي المطلوب هو فتح المفاوضات مع تركيا، برغم ذلك فإن العواصم الأوروبية لم تحرك ساكناً، وحتى الآن ما زالت تركيا غير قادرة على فتح التفاوض.
ويرى بابكان أن العراقيل الفرنسية أدت إلى حرمان تركيا من إكمال المناقشات والمحادثات حول 16 فصلاً جديداً بدلاً من مجرد الوقوف ضمن حدود 10 فصول.
* ماذا تقول التخمينات الجديدة؟
ستشهد الساحة التركية خلال الفترة القادمة تطوران هامان هما:
• التطور الأول: إجراءات القيام بعملية تعديل الدستور التركي.
• التطور الثاني: إجراء الانتخابات المحلية في شهر آذار 2009م.
وتقول المعلومات أن دول الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية ما تزال متحفظة إزاء المضي قدماً في فتح المفاوضات كما تجدر الإشارة إلى الخلفيات الآتية المتعلقة بكل تطور:
• أولاً بالنسبة للدستور: الدستور التركي الحالي تم إعداده عام 1982م وبالتالي فهو يمثل إرثاً لنظام انقلاب 12 أيلول 1980م العسكري الذي أطاح بالحكومة التركية المنتخبة آنذاك ويتضمن بنوداً تتماشى مع المعايير الدستورية الأوروبية والقيام بإجازته ليس عن طريق البرلمان فحسب بل وفي استفتاء شعبي كذلك.
• ثانياً: بالنسبة للانتخابات المحلية: برغم أن التاريخ المحدد لإجرائها هو شهر آذار القادم إلا أن هذه الانتخابات تمثل نقطة هامة لجهة الآتي:
- ارتباطها بالتطور الدستور.
- ارتباطها بملف الأقليات التركية.
- ارتباطها بملف حرية التعبير والحقوق الاجتماعية.
- ارتباطها بملف الاستقرار السياسي التركي الحالي.
الأطراف التركية المتفائلة إزاء إمكانية الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي ترى أن توجهات حزب العدالة والتنمية هي السبب في تلكؤ الاتحاد الأوروبي وعزوفه عن ضم تركيا، أما الأطراف التركية المتشائمة ترى بأن نظرية المؤامرة هي الإطار التفسيري السليم الذي يجب أن توضع ضمنه حيثيات الأداء السلوكي للاتحاد الأوروبي.
حتى الآن، وبرغم شدة اللهجة المستخدمة من قبل الوزير التركي علي بابكان فإن باريس لم تظهر أي رد فعل إزاء اتهاماته وعلى الأغلب أن تحاول أنقرة المضي قدماً في تصعيد لهجتها إزاء الموقف الفرنسي غير المواتي لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في حال تصاعد الخلافات إلى الإضرار بتركيا في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط وربما تؤدي إلى إضعاف التعاون الفرنسي – التركي حول دبلوماسية القوقاز والشرق الأوسط والملف النووي الإيراني وغيرها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد