هل تكون إسرائيل سبباً في نكبة الاتحاد الأوروبي
الجمل: برغم النجاحات التي حققها الأوروبيون بشكل مضطرد بما ترتب عليه بروز وصعود تكتل الاتحاد الأوروبي فإن بعض التطورات الجارية حالياً، تشير إلى ظهور العديد من الخلافات التي إن تصاعدت فمن الممكن أن تحول البيت الأوروبي السعيد إلى جحيم، يمكن أن يؤدي بدوره إلى "الطلاق" والعودة بالعلاقات الأوروبية البينية إلى عداوات الحقب والقرون السابقة.
* إسرائيل ومعطيات خبرة التغلغل في الاتحاد الأوروبي:
تقول المعلومات والتسريبات القادمة من مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل إلى أن بعض مؤشرات الحرب الباردة الأوروبية – الأوروبية قد بدأت في الظهور إلى السطح، وتشير هذه المعلومات والتسريبات إلى أن ملف إسرائيل سيكون هو محور الخلافات الأوروبية – الأوروبية المتوقعة وحتى الآن تشير التطورات إلى الآتي:
• تسعى إسرائيل إلى الحصول على عضوية مجلس أوروبا ولجهة الحصول على ذلك فقد ظلت واشنطن تمارس المزيد من الضغوط على دول الاتحاد الأوروبي عبر نافذة علاقات عبر الأطلنطي.
• برغم تحفظ بعض الأطراف الأوروبية فقد بدأت المفوضية الأوروبية المزيد من المشاورات والتفاهمات والمفاوضات من أجل حسم موضوع عضوية إسرائيل في المجلس الأوروبي.
أكد معظم التسريبات الأوروبية بأن جولات وزيارات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني السابقة في دول الاتحاد الأوروبي لم تكن تركز على مجريات العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية وإنما كانت في جانب كبير منها تركز على إقناع الأوروبيين بضرورة الموافقة على منح إسرائيل عضوية المجلس الأوروبي وتشير المعلومات إلى أن ليفني ظلت تواصل جهودها على خلفية ارتباطها السابق بالأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأوروبية فقد عملت ليفني في جهاز الموساد وكانت تعمل ضمن فعاليات محطة الموساد المسؤولة عن المجال الأوروبي.
وتقول المعلومات والتسريبات أن ليفني كانت في ريعان الشباب عندما كانت تعمل في محطة الموساد الأوروبية وبأنها نجحت في "الإيقاع" بالعديد من الشخصيات الأوروبية وتجنيدهم كعناصر لصالح الموساد الإسرائيلي.
انتبهت الكثير من الأطراف الأوروبية لظاهرة التغلغل الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي، وكان اللافت للنظر أن التسريبات حول هذا التغلغل قد بدأت تظهر أكثر فأكثر خلال الحملات الانتخابية في البلدان الأوروبية وبهذا الخصوص فقد أشارت المعلومات الجارية إلى الآتي:
• قوى اليمين الأوروبي ظلت أكثر تطوراً إزاء التعامل مع إسرائيل.
• قوى اليسار ظلت بالأساس أكثر انتقاداً لإسرائيل.
• قوى يمين الوسط ظلت أكثر تقارباً مع إسرائيل.
وعلى هذه الخلفية فقد ظلت الجماعات اليهودية الأوروبية ومنظمات اللوبي الإسرائيلي الأوروبية أكثر دعماً لقوى يمين الوسط في الانتخابات الأوروبية، وحالياً يعتبر زعماء يمين الوسط المسيطرين على السلطة في البلدان الأوروبية الأكثر دعماً لتعزيز العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية ومن أبرزهم بيرلسكوني الإيطالي وميركل الألمانية وساركوزي الفرنسي وبراون البريطاني، إضافة إلى رؤساء حكومات بلغاريا وبولندا وتشيكيا التي تولت مؤخراً رئاسة الاتحاد الأوروبي.
* هل تكون إسرائيل سبباً لنكبة الاتحاد الأوروبي؟
استطاعت جهود ليفني المدعومة بالضغوط الأمريكية وضغوط اللوبيات الإسرائيلية إضافة إلى صعود حكومات يمين الوسط الأوروبية إلى دفع الاتحاد الأوروبي وتحديداً المفوضية الأوروبية إلى الشروع في تأسيس ملف بدء الخطوات لجعل إسرائيل في مكانة الشريك الأوروبي المتميز الذي يتمتع بالروابط التجارية والدبلوماسية والسياسية الخاصة، هذا وتعتبر مرحلة الشريك الأوروبي المتميز بمثابة خطوة متقدمة لنيل عضوية المجلس الأوروبي.
وحالياً تقول التوقعات بحدوث تطورين متعاكسين إزاء ملف مستقبل نيل إسرائيل عضوية المجلس الأوروبي:
• صعد إلى رئاسة الاتحاد الأوروبي بدءاً من أول كانون الثاني الحالي رئيس الوزراء التشيكي توبولانيك الذي يعتبر من أبرز حلفاء إسرائيل المخلصين وتقول المعلومات بأن تل أبيب تتوقع الحصول بواسطة جهود توبلانيك على ما لم تستطع الحصول عليه خلال فترة رئاسة صديقها ساركوزي.
• نجح خصوم إسرائيل داخل المفوضية الأوروبية في استخدام تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخيرة ضد قطاع غزة، في دفع المفوضية الأوروبية لتعليق ملف تطوير العلاقات الأوروبية الخاصة مع إسرائيل.
هذا، وتقول التسريبات أن مسؤولة العلاقات الخارجية بالمفوضية الأوروبية بينيتا فالدنر قد أصدرت تعليماتها لإدارات المفوضية الأوروبية بقرار تعليق ملف العلاقة الخاصة مع إسرائيل.
وتقول المعلومات بأن أصدقاء وحلفاء إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي وصفوا قرار المفوضية الأوروبية بأنه يرقى لمرحلة فرض العقوبات ضد إسرائيل.
وتقول المعلومات والتسريبات أن جهود ضم إسرائيل لعضوية المجلس الأوروبي كانت تمضي بشكل منتظم ينسجم مع إيقاع التطورات الجارية في الاتحاد الأوروبي:
• تفادي الإسرائيليين تسريع خطوات نيل عضوية المجلس الأوروبي في الأعوام الماضية خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تصاعد الخلافات داخل البرلمان الأوروبي الذي توجد ضمنه بعض عناصر اليمين واليسار والتي سوف لن توافق بالضرورة على منح إسرائيل هذه العضوية.
• خلال العامين الماضيين برزت فكرة إقامة هيكل تنفيذي ضمن قوام المفوضية الأوروبية بما يؤدي إلى وجود ما يشبه حكومة أوروبية تتخذ القرارات دون الرجوع للبرلمان الأوروبي وقد سعت قوى يمين الوسط الأوروبي مدعومة بواسطة الولايات المتحدة إلى إنشاء ذلك الكيان وتم الاتفاق على أن يتولى المسؤولية عنه طوني بلير بعد انتهاء فترة توليه منصب رئيس الوزراء البريطاني.
• تم تضمين إقامة هذا الكيان التنفيذي ضمن اتفاقية لشبونة والتي أجازها المجلس الأوروبي ولكن عندما عرضها للاستفتاء أسقطها الإيرلنديون الأمر الذي قطع الطريق على اتفاقية لشبونة ومضمونها وذلك لأن الاتفاقيات والمعاهدات لا تكون ملزمة داخل الاتحاد الأوروبي إلا إذا حصلت على الموافقة بالإجماع.
على هذه الخلفية انقطع أمل الإسرائيليين الذين كانوا يتوقعون أن تحصل اتفاقية لشبونة على الموافقة الإجماعية ما يترتب عليه قيام "سلطة تنفيذية أوروبية" توافق على عضوية إسرائيل في المجلس الأوروبي دون الرجوع إلى البرلمان الأوروبي.
الآن وبدءاً من أول كانون الثاني الحالي تولى رئيس الوزراء التشيكي توبولانيك رئاسة الاتحاد الأوروبي بعد أن انتهت دورة رئاسة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي وتقول التسريبات بأن توبولانيك يسعى حالياً إلى إزالة العراقيل تمهيداً لتسهيل انضمام إسرائيل إلى المجلس الأوروبي وهي العضوية التي ستبذل إسرائيل جهودها للحصول عليها خلال ولاية توبولانيك، وعلى وجه الخصوص إكمال إجراءات الحصول على وضعية الشريك المتميز الذي يرتبط بعلاقات خاصة مع الاتحاد الأوروبي تكون على غرار العلاقات الخاصة الأمريكية – الإسرائيلية.
وعلى ما يبدو، فإن بعض الأطراف الأوروبية المرتبطة بإسرائيل قد بدت أكثر نفوراً إزاء فكرة ربط إسرائيل بعلاقة خاصة مع الاتحاد الأوروبي بسبب:
• تزايد التأثير الإسرائيلي على السياسة الخارجية الأوروبية الموحدة التي سعى الاتحاد الأوروبي لإنجازها.
• إلقاء المزيد من الالتزامات الأمنية والدفاعية على الاتحاد الأوروبي وبالذات ما يتعلق باحتمالات إلزام الاتحاد الأوروبي بضمان أمن إسرائيل بما يفسح المجال أمام إلزام حلف الناتو بشن العمليات العسكرية دفاعاً عن إسرائيل.
• الإضرار بعلاقات الاتحاد الأوروبي بالبلدان العربية الشرق أوسطية.
• دخول المفوضية الأوروبية في صراعات مع الأحزاب الأوروبية اليمينية واليسارية الرافضة للتعاون مع إسرائيل.
• الإضرار بمصداقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي في أوساط الرأي العام الأوروبي الذي بدا أكثر انتقاداً للتوجهات الإسرائيلية.
ما لا يمكن التكهن به حالياً هو قيام المفوضية الأوروبية بإصدار رفضها النهائي لطلب إسرائيل بالحصول على وضعية الشريك الخاص ولكن ما هو متوقع هو أن تسعى إسرائيل خلال الفترة المقبلة إلى محاولة تحسين صورتها في الأوساط الأوروبية وعلى هذه الخلفية تشير التطورات الميدانية الجارية بأن إسرائيل ستسعى لاستغلال وتوظيف أجندة مؤتمر شرم الشيخ الأخير الخاص بمنع تهريب الأسلحة إلى داخل قطاع غزة بما يتيح لإسرائيل الظهور بمظهر الضحية التي يتربص بها خصومها الشرق أوسطيون وذلك بما يبرر إلحاح إسرائيل في مطالبة الأوروبيين بتعزيز شراكتها مع الاتحاد الأوروبي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد