خطة واشنطن لتوريط طهران في المستقنع الأفغاني
الجمل: برغم العداء المتزايد على خط طهران – واشنطن فقد ظل هذا الخط يشهد المزيد من جلسات التفاهم الإيراني – الأمريكي التي بدأت باللقاءات التي ظلت تشهدها المنطقة الخضراء في بغداد بين السفير الإيراني والسفير الأمريكي، لكن برغم عدم وجود أي معلومات أو تسريبات تفيد لجهة تحديد خطوط تفاهم الطرفين فقد برزت في الآونة الأخيرة بعض التسريبات القائلة بوجود تفاهم إيراني – أمريكي ليس حول الملف العراقي وإنما حول الملف الأفغاني.
* الملف الأفغاني ومدى مصداقية خلفيات الخيار الإيراني جغرافياً وتاريخياً:
شهد الشريط الحدودي الإيراني – الأفغاني المزيد من التقلبات لجهة علاقات التعاون وعلاقات الصراع في أحيان أخرى وخلال الحرب الأفغانية – السوفيتية وفترة الحرب الأفغانية – الأفغانية لعب هذا الشريط دوراً كبيراً في علاقات التعاون الإيراني – الأفغاني وتحديداً فيما يتعلق بملف الدعم الإيراني للفصائل الأفغانية الحليفة لها ولكن خلال مرحلة صعود حركة طالبان وسيطرتها على كابول فقد توترت العلاقات الأفغانية – الإيرانية ووصلت إلى مستوى حشد القوات الإيرانية على طول الشريط الحدودي، وذلك على النحو الذي أثار العديد من التوقعات باحتمالات اندلاع الحرب الإيرانية – الأفغانية وأشارت بعض التحليلات إلى احتمالات أن يكون السبب هو سعي طهران إلى إلهاء الجيش الإيراني بحرب جديدة بعد أن انتهت جولات الحرب الإيرانية – العراقية.
تشير معطيات الجغرافيا والتاريخ إلى أن الشريط الحدودي الإيراني – الأفغاني لا يمثل سوى فاصل حدودي سياسي افتراضي لأن المجموعات السكانية والقبلية الموجودة على جانبي الحدود تمثل في نهاية الأمر كياناً إثنو-ثقافي وإثنو-طائفي واحد، إضافة إلى مناطق غرب أفغانستان وتحديداً إقليم هرات الأفغاني الحالي الذي كان في الأساس جزءاً من الأرض الإيرانية لكن البريطانيين استطاعوا ضمه إلى أفغانستان بموجب اتفاقية حدودية دولية خلال فترة الحكم الاستعماري البريطاني للهند وباكستان وأفغانستان.
* الإدراك الأمريكي لجدوى الخيار الإيراني في أفغانستان:
تقول المعلومات والتسريبات أن واشنطن تسعى خلال الفترة القادمة لتكثيف الجهود الرامية إلى حسم سيطرتها النهائية على أفغانستان بدلاً من العراق، طالما أن الرأي العام الأمريكي أصبح أكثر رفضاً لفكرة الحرب في العراق، كما وأنه بات أكثر قبولاً لفكرة حرب أفغانستان.
تشير التحليلات والدراسات العسكرية – الأمنية الأمريكية الصادرة مؤخراً إلى أن الاستعدادات تجري على قدم وساق داخل الإدارة الأمريكية الجديدة لجهة تصعيد الصراع حول الملف الأفغاني وتشير بعض التسريبات إلى النقاط الآتية:
• يوجد تداخل سكاني كبير على الحدود الأفغانية – الباكستانية وتداخل سكاني كبير على الحدود الأفغانية مع كل من أوزبكستان طاجيكستان.
• تشكل قبائل الباشتون المسلمة السنية القوام الرئيسي الداعم لحركة طالبان وبقية فصائل التمرد المسلح الإسلامي السني الناشط في جنوب أفغانستان.
• توجد في مناطق غرب أفغانستان قبائل الطاجيك المعادية تاريخياً لنفوذ قبائل الباشتون الأفغانية.
• توجد في مناطق غرب أفغانستان قبائل الهازار الإسلامية الشيعية ذات العلاقات مع إيران.
الفكرة التي حاولت مراكز الدراسات التأسيس عليها تتمثل في مدى جدوى إمكانية تشكيل نخبة أفغانية مسيطرة من قبل قبائل الطاجيك وقبائل الهازار لمواجهة نفوذ قبائل الباشتون وبكلمات أخرى يمثل الباشتون 40% من سكان أفغانستان، ويمثل الطاجيك 25%، والهازار 10% وهذا معناه بالنسبة للأمريكيين إمكانية القيام بإعادة توازن القوى الإثنو-سياسي داخل المسرح الأفغاني بحيث يحدث الآتي:
• بناء تكتل حلفاء أمريكا من الطاجيك والهازار إضافة إلى محاولات ضم الأقليات الأفغانية كالأوزبك وغيرهم.
• عزل تكتل خصوم أمريكا المتمثل في قبائل الباشتون.
تقوم واشنطن حالياً بتفاهمات واسعة مع كل من طاجيكستان وأوزبكستان إضافة إلى محاولة التفاهم مع إيران جول إمكانية بناء هذا التحالف على النحو الذي يشكل القوام الذي يقدم الإسناد الشعبي اللازم لنظام كابول بالحليف لأمريكا.
تقول التسريبات بأن واشنطن تحاول إقناع إيران طاجيكستان وأوزبكستان من أجل تقديم التعاون اللازم مع واشنطن من أجل:
• السماح بتمرير خطوط الإمداد لتزويد القوات الأمريكية وقوات الناتو داخل أفغانستان بعد أن أصبحت عملية التزويد عبر باكستان تنطوي على المزيد من المخاطر.
• دعم بناء تحالف قبلي يضم الطاجيك والهازار والأوزبيك يمكن أن تعتمد عليه واشنطن في بناء وتفعيل عملية سياسية أفغانية تكون على غرار العملية السياسية العراقية.
تقول التسريبات بأن طهران ما تزال أكثر تمسكاً بموقفها القائل أنها لا ترفض تقديم التعاون في الساحة الإيرانية إذا كان هذا التعاون يهدف إلى سحب القوةات الأمريكية من أفغانستان.
عموماً، برغم قلة المعلومات، فإن "الخيار القبلي" هو ما تسعى واشنطن من خلاله لإسقاط نموذج القوة والسلطة في أفغانستان بالشكل المطلوب أمريكياً، وسبق أن برزت بعض التسريبات الأمريكية التي حاولت كشف النقاب عنه.
لا يمكن القول بأن الخيار القبلي سهل التطبيق في الساحة الأفغانية وذلك لأن كل الأطراف الأفغانية أصبحت أكثر وعياً بما يترتب على نماذج الخيار القبلي والخيار الطائفي التي سبق أن وظفتها أمريكا في العراق إضافة لذلك فإن زعامات القبائل الأفغانية وتحديداً الباشتونية والأوزبكية والطاجيكية والهازارية ترتبط بعلاقات قوية توثقت عراها خلال فترة الحرب الأفغانية – السوفيتية إضافة لذلك فإن طهران ستقاوم بشدة فكرة التورط في الساحة الأفغانية طالما أن مثل هذا التورط سيؤدي بالضرورة إلى إشعال الحرب الشيعية – السنية في بلدان آسيا الوسطى، بما فيها أفغانستان وسيكون الخاسر الأكبر الوحيد هو حلفاء إيران وتحديداً الأقليات الشيعية المنتشرة في بلدان آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية إضافة إلى أنه قد يترتب عليه تحول الجماعات السنية التي تشكل الأغلبية إلى التحالف مع واشنطن في مواجهة إيران وهو بالضبط ما تريده واشنطن ومن ورائها إسرائيل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد