الصراع على أوكرانيا

الجمل: تناقلت وسائل الإعلام المختلفة المعلومات والتقارير حول أزمة العلاقات الروسية – الأوكرانية، وتحديداً الخلافات المتعلقة بملف الغاز وبرغم انفراج الأزمة فإن المزيد من تداعياتها ما زال متوقعاً إضافة إلى أن الاحتقانات الكامنة التي سببت الأزمة ما تزال موجودة وعلى الأغلب أن تؤدي إلى تنشيط مفاعليها متى ما توافرت الظروف العالمية لإشعال الفتيل.
* ما هي أهمية أوكرانيا؟
تقع أوكرانيا في الجانب الشمالي من البحر الأسود وتمثل حلقة الوصل بين روسيا ومنطقة جنوب شرق أوروبا، إضافة إلى تميزها بالموقع الاستراتيجي الهام المؤثر من عدة اتجاهات فهي تؤثر على العمق الحيوي الروسي، وعلى دول شرق أوروبا وعلى دول القوقاز وعلى دول البلقان إضافة إلى إطلالتها على البحر الأسود الفائق الأهمية الاستراتيجية للقوى الدولية المتصارعة.
* الصراع حول أوكرانيا؟
منذ لحظة استقلال أوكرانيا عن اتحاد الجمهوريات السوفيتية سعت الولايات المتحدة للسيطرة عليها، ومن الجهة الأخرى سعت روسيا لتعزيز تحالفها مع أوكرانيا من أجل قطع الطريق على احتمالات تحالف أمريكي – أوكراني. وعلى خلفية الصراع الأمريكي – الروسي حول أوكرانيا واجهت الساحة السياسية الأوكرانية صراعاً داخلياً بين القوى الموالية لأمريكا والقوى التي تتمسك بضرورة الإبقاء على استقلالية أوكرانيا بعيداً عن أي تحالفات أجنبية.
أدى الصراع الداخلي الأوكراني إلى تدخل الأطراف الثالثة، فمن جهة عمدت واشنطن إلى دعم حلفائها ومن الجهة الأخرى عمدت موسكو إلى دعم حلفائها وعلى خلفية التصعيد شهدت الساحة السياسية الأوكرانية الأزمة الانتخابية الشهيرة التي أطلقت عليها تسمية "الثورة البرتقالية" وأدت إلى صعود القوى الحليفة لواشنطن.
لاحقاً، احتدم الصراع بين الطرفين بما أدى إلى التوصل إلى صيغة ائتلافية هدفت لتحقيق قدر من التوازن بين الطرفين بحيث تولى حلفاء واشنطن منصب الرئيس الأوكراني وتولى خصمه منصب رئيس الوزراء.
* محفزات الأزمة الأوكرانية:
تقول المعلومات أن واشنطن تسعى إلى الحصول على المزايا العسكرية الأوكرانية وتحديداً الحصول على تسهيلات للبحرية الأمريكية التي تحاول النفاذ والتسلسل إلى البحر الأسود.
ولكن العائق الرئيس يتمثل في تمركز أسطول البحر الأسود الروسي في المنطقة بموجب اتفاقية روسية – أوكرانية تلزم أوكرانيا بتقديم التسهيلات للبحرية الروسية.
حاول حلفاء واشنطن في أوكرانيا السعي للإضرار بموسكو عن طريق ابتزاز إمدادات الغاز الروسي لأوكرانيا وللإمدادات المارة عبر الأراضي الأوكرانية لمنطقة شرق وغرب أوروبا. وكانت النتيجة تشدد موسكو والقيام بقطع الإمدادات بما أدى إلى قيام أوكرانيا بالاستيلاء على إمدادات الغاز الروسي المتجهة شرق وغرب أوروبا الأمر الذي أدى إلى معاناة الأوروبيين من شح إمدادات الغاز.
سعى حلفاء واشنطن إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وإلى عضوية حلف الناتو وبالمقابل سعى الأوروبيون إلى تلكؤ في انضمام أوكرانيا للاتحاد والحلف وتقول التحليلات أن الأسباب الحقيقية وراء الموقف الأوروبي تتمثل في الآتي:
• أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو سيؤدي إلى توتير العلاقات الروسية – الأوروبية.
• ضم أوكرانيا لحلف الناتو سيتيح لأمريكا تحويل منطقة البحر الأسود إلى ساحة للحرب الباردة مع روسيا.
• ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو سيؤدي إلى توتير العلاقات الأوروبية – التركية خاصة وأن أنقرة ستفهم انضمام أوكرانيا باعتباره يتضمن إشارة واضحة تقول أن الأوروبيين قد تعمدوا عدم ضم تركيا.
• ضم أوكرانيا سيتيح لواشنطن الحصول على حليف استراتيجي جديد داخل الاتحاد الأوروبي وبالتأكيد فإن هذا الحليف سيلتزم بالوقوف إلى جانب أمريكا داخل الاتحاد الأوروبي.
الصراع من أجل السيطرة على أوكرانيا سيحتدم خلال المرحلة المقبلة لأن توازن القوى الأوكراني الداخلي بين حلفاء واشنطن وحلفاء موسكو ما زال يتسم بالهشاشة والضعف لجهة القابلية للتعديل بتأثير المعونات والمساعدات.
موقف حلفاء روسيا ما زال قوياً داخل أوكرانيا وذلك بسبب تأثير نفوذ القوة الناعمة الروسية على الاقتصاد والمجتمع الأوكراني، إضافة إلى أن الحرب الروسية – الجورجية دفعت الكثير من الأوكرانيين إلى النظر إلى ملف تعزيز التحالف مع أمريكا باعتباره مصدراً للتهديد ومخاطر عودة سيطرة موسكو على أوكرانيا، وحالياً تقول التسريبات أن واشنطن ستسعى خلال المرحلة القادمة إلى تعزيز العلاقات مع أوكرانيا ليشكل قيمة مضافة إلى جانب علاقاتها مع جورجيا، بهدف ردع محاولات حزب العدالة والتنمية التركي الهادفة إلى المضي قدماً في استقلالية أجندة السياسة الخارجية التركية عن أجندة واشنطن – تل أبيب إضافة إلى حرمان أنقرة من مزايا القيام بتجميع دول منطقة البحر الأسود ضمن تحالف إقليمي  يترتب عليه حرمان الأساطيل الأمريكية من التمركز في المنطقة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة