«مساحات شرقية» صراع الأجيال مستمرّ
اختُتم أخيراً الملتقى الأول للموسيقى الشرقية في سوريا «مساحات شرقية» الذي دعا إليه قسم «ثقافة وتراث» في الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة الثقافة والهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون. اتّخذ الملتقى بعداً عالمياً، جامعاً شخصيات موسيقية من الشرق وأخرين من فرنسا، التقوا على علاقتهم بالموسيقى الشرقية بغضّ النظر عن الرؤى الخاصة وآليات التوظيف وطبيعتها.
افتتح المهرجان بأمسية غنيّة أدّت خلالها أوركسترا الحجرة السورية بقيادة ميساك باغبوداريان برنامج موسيقى شرقية معاصرة تضمّن ستة أعمال. البداية كانت مع كونشرتو للبيانو بعنوان «طريق الحرير»، للمؤلف التركي فازيل ساي (هو أيضاً عازف بيانو كلاسيكي من الطراز الأول) وقسّمه إلى أربع حركات ذات طابع معاصر وهوية شرقية. أعقب «طريق الحرير» عمل قيّم بعنوان «أغنية بلا كلمات رقم» للمؤلف السوري الشاب زيد جبري تضع التشيلو (كنان أبو عفش) في الواجهة أمام أوركسترا الوتريات والآلات الإيقاعية. عمل شديد التعقيد، في انزلاقات الوتريات، وخصوصاً في حواراتها التي تقوم على استقلالية كل آلة وتتفادى ذوبانها في وحدة صوتية (كما هي الحال عادةً)، إضافة إلى الإقحام غير النافر لربع الصوت. بعد مقطوعة جبري، عزفت الأوركسترا «مقام فونيّة» من ثلاث حركات لمواطنه حسّان طه. أمّا «الثلاثي الوتري» (آلتا فيولون وتشيلو) لعميد المؤلفين السوريين الكلاسيكيين المعاصرين نوري إسكندر فكانت الأقل طليعية رغم قالبها الحداثوي، وتخللها مداورةً تقاسيم شابهت شكلاً ما نعرفه في الموسيقى الشرقية ونغماً (جزئياً) ما يقوم عليه التوجّه الكلاسيكي الغربي في هذا المجال. وانتهت المساهمة السورية مع شفيع بدر الدين الذي اتخذ من سمش، الطفلة العراقية التي شوّهها سلاح الاحتلال، عنواناً لمقطوعة استعادت ذاك المشهد وما حمله من خطر (آلة الغونغ الإيقاعية) وضياع فوضوي (وتريات مسحوبة بالقوس بالتواتر مع أخرى منقورة بالأصابع)، وألمٍ يليه حزن (إدراج مقام النهاوند بنَفَسٍ «شوبرتيّ» معطوف على المعاصر في الجزء الأوسط).
من تركيا مروراً بسورياً وصولاً إلى الختام الإيراني التوقيع مع نادر مشايخي الذي جمع بين الفارسي التراثي والكلاسيكي المعاصر، هذا ليس سوى جزء يسير من برنامج حفلات أحياها على مدى خمسة أيام أيمن جسري (عود) إبراهيم كيفو (غناء) وشيخ المنشدين حسن الحفّار (غناء) من سوريا، خالد محمد علي وحسن فالح (عود وقانون) من العراق، بارثو ساروتي (سارود) من الهند، مظفر شافعي وجان دورينغ (غناء وتار) من إيران وفرنسا، بالإضافة إلى محاضرين تناولوا التجارب الموسيقية الشرقية المعاصرة والتفاعل بين الحضارات...
بشير صفير
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد