ملتقى المغتربين نقاشات ساخنة وإعلام بارد
الجمل ـ خاص : مع أن محافظة حمص أجلت في الساعات الأخيرة مهرجان القلعة والوادي، بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلا أن "ملتقى الإعلاميين المغتربين" الذي دعت إليه وزارة المغتربين وكان مقرراً ضمن فعاليات المهرجان انعقد في موعده ، بعدما تم تغيير عنوان جلساته، من تكريم الإعلامي المغترب لتصبح "آفاق الرسالة الإعلامية للمغتربين السوريين، ودور الإعلاميين العرب في الوطن والمغتربات في فضح وكشف العدوان الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي" .
عشية انعقاد الملتقى وصل الإعلاميون المدعوون من سوريا والمغتربات إلى "منتجع مشتى الحلو" تلبية لدعوة الوزارة ، التي كلفت شباب وصبايا بمهمة الاستقبال، ولم يبخل محمد عطية على زملائه ومعارفه من الصحفيين باهتمامه ومتابعته أمور وصولهم وتسلمهم الغرف حتى ساعة متأخرة من الليل ، وكأنهم يحلون ضيوفاً عليه شخصياً، كما بدا واضحاً الاهتمام الكبير الذي توليه محافظة حمص والوزارة لنجاح الملتقى، سواء من ناحية اختيار مكان في أحلى بقاع بلادنا أو من جانب الكرم الحاتمي الواضح في الضيافة. كل شيء كان مرتباً بالشكل الذي يؤكد نيات القائمين على الملتقى الطيبة جداً جداً ، ولكن كما هي العادة دائماً ليس في ملتقياتنا السورية وحسب بل في الملتقيات العربية عموماً، حين تتحول هكذا مناسبات إلى فرصة للاستجمام واختبار محفوظات المجاملات الوطنية، فقد تحول اليوم الأول والذي كان مخصصاً لحفل الافتتاح إلى سوق عكاظ لاستعراض أدب المدائح، فتبارى المسؤولون المتواجدون في كيل المدائح لبعضهم البعض، وكان كل واحد منهم يرد للآخر الصاع صاعين، على غرار عيلة فستق، ولم يتورع بعض الإعلاميين المتواجدين عن المشاركة في حفلة الزار تلك فكالوا بدورهم المديح للوزارة ولسيادة المحافظ وأحدهم طالب بأن يأخذ المشاركون إلى مدينة حسياء الصناعية للاطلاع على منجزات السيد المحافظ.
إذا تجاوزنا كل ذلك الركام الصوتي إلى وقائع الجلسة الأولى التي خيم عليها أجواء العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان، فقد قدم عدد من الحضور رؤيته للدور الذي يجب أن يضلع الإعلام به في مثل هكذا ظرف، وكيف يمكن مواجهة الدعاية والحرب النفسية، وأفضل السبل لتحقيق التواصل بين الإعلاميين المغتربين والوطن الأم، وكان لافتاً جداً اللغة الدبلوماسية العالية للدكتورة بثينة شعبان وزيرة المغتربين في التعبير عن الموقف السوري بدقة، كما كان لافتاً أيضا مداخلة مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسون الذي مرر عتباً على الإعلام المحلي لأنه لم يعط الاهتمام الكافي لمشاركة سوريا في مؤتمر الأديان الذي انعقد مؤخراً في موسكو، وتحدث عن مداخلته في ذلك المؤتمر حيث شارك فيه رجال دين من مختلف المذاهب والطوائف والأديان في العالم ، أما المطران آزيدور بطيخة فكانت له ملاحظات مهنية على كيفية التخاطب الإعلامي مع الآخر، وأنه حين نتوجه للآخر يجب أن نفهم اهتماماته ومن خلال هذا الفهم نمرر رسائلنا إليه، وتخلل الجلسة دخول وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا، وبدوره أدلى بدلوه ، إلا أن أول دلو له كان بارداً جداً بحيث أيقظ من داهمه النعاس على حين غرة، لدى قوله في معرض حديثه عن وقائع الاعتداء الإسرائيلي على لبنان أن الاسرائيلين بدؤوا بالأمس يقصفون مواقع لأصدقائهم المسيحيين ، فانتفض الزميل رزوق الغاوي من خلف مكرفونه ليقول له : " إذا سمحت سمي الأشياء بمسمياتها" وكان يقصد أنه لا يجوز التعميم على هذا النحو، إلا أن السيدة الوزيرة أومأت للغاوي بأن يهدأ ويلفها، فيما تعالى الهمس واللمز حول تصريحات وزير الثقافة، ولم يوفره إعلامي رسمي جداً من نقده الهامس على قوله:" نحن كبلد مسلم" وقال ذلك الإعلامي هذا لا يجوز لوزير ثقافة يمثل ثقافة بلد شديد التنوع ، ألا يرى أنه يجلس بين رجال دين سورين من عدة أديان وطوائف!! أم أن هؤلاء يمثلون سكان المريخ؟
الكركبة السريعة التي عكرت صفو الجلسة الأولى أخمدتها في أرضها السيدة الوزيرة،إلا السيد الوزير ارتأى ترقيع ما فتقته تصريحاته في حواشي الوئام الوطني وراح يجلد الحضور بخطبة عصماء شيء من الشرق وشيء من الغرب ، كي لا يزعل منه رجال الدين، وحسب أما الإعلاميين من الحضور فمشاعرهم آخر هموم المسؤولين في بلادنا، والمستمع الى كلام الرسميين في الندوة يتأكد تماماً أن الإعلامي بنظرهم ليس أكثر من مستخدم عليه نقل المعلومات كما تعطى، لأنه إذ شغل مخه لا سمح الله لا بد أن يعك ويخرج عن سكة الخط الواحد . وكان هذا واضحاً في المحاضرات المهنية التي لقنها سيادة محافظ حمص للإعلاميين ، كما لم يقصر أي من المدعوين غير الإعلاميين في تعليم الإعلاميين الحاضرين أصول المهنة ونقل الخبر، ومع ذلك لا يمكن إغفال أهمية الحوارات التي جرت في اليوم الأول خاصة أن الزملاء من الإعلاميين المغتربين تحدثوا عما يحتاجونه ليتمكنوا من نقل الصورة الصحيحة لما يجري في وطنهم الأم، ووضحوا بالأمثلة كيف تحرف القضايا العربية في الإعلام الخارجي. وبينما تحدث الإعلاميون المحليون عن ضرورة وضع قائمة بالمصطلحات المعتمدة للتعبير عن الموقف الوطني من خلال صياغة المواد الإعلامية، طالب زملائهم المغتربون بضرورة الاهتمام بالمنشورات والمطبوعات والمواد الإعلامية التي تعنى بتاريخ القضايا العربية كي يتمكنوا من تعليمها لأولادهم أولاً وثانياً للاعتماد عليها في كتابة تقاريرهم في الوسائل الإعلامية التي يعملون بها.
انتهت جلسة اليوم الأول بعد نقاشات طويلة طلبت في نهايتها السيدة الوزيرة من المشاركين تدوين مقترحاتهم من أجل وضع توصياتها في نهاية الملتقى ، على أن تتم مناقشتها في جلسة اليوم الثاني. بعدها خرج المشاركون الذين تجاوز عددهم الـ200 إعلامي من سوريا والمغتربات وفي مقدمتهم د. بثينة شعبان وزيرة المغتربين والدكتور رياض نعسان اغا وزير الثقافة ومحمد اياد غزال محافظ حمص ، ليذهبوا ضمن موكب كبير باتجاه مركز الدبوسية الحدودي في محافظة حمص، من أجل الاطلاع على أوضاع اللبنانيين القادمين إلى سوريا والظروف الصعبة التي يعيشها لبنان جراء العدوان الإسرائيلي.ووجه المشاركون في الملتقى تحية إكبار وإعزاز إلى أبطال المقاومة اللبنانية مؤكدين أن من يدافع عن الوطن وكرامة الأمة لابد أن يكون النصر حليفه .
في اليوم الثاني غابت نسبة كبيرة من الوجوه التي حضرت الافتتاح ، وحضر الضيوف المغتربون والمدعون من سوريا ، والسيدة الوزيرة والسيد المحافظ ، فيما سجلت وزارة الإعلام غياباً غير مبرر رغم التبريرات الكثيرة التي ساقتها الدكتورة بثينة شعبان عن سفر وزير الإعلام إلى إسبانيا وانشغال معاونه ، وأن الأوضاع الطارئة لا تسمح للمسؤولين بمغادرة أماكنهم .. إلخ من مبررات لم تمنع همساً في الكواليس حول خلاف بين وزارتي المغتربين والإعلام حول هذا الملتقى الذي يعتبر من اختصاص وزارة الإعلام ، وأنها هي من يجب أن تدعو إليه وهي التي تحدد الضيوف ومسائل الاستضافة وغيرها، لولا أن وزارة المغتربين هي التي فكرت بالملتقى تكريما للإعلاميين لكن الوضع الطارئ في لبنان فرض عليها تغيير العنوان خاصة أن مهرجان القلعة والوادي تم تأجيله، وعلى أية حال فإن غياب وزارة الإعلام لم يقدم أو يؤخر في الملتقى الذي تألقت فيه وزيرة المغتربين، من حيث مشاركتها في الجلسة من خلال الإدارة والمناقشة ، فبدت وكأنها تخلت عن الرسميات اذ تحدثت بطلاقة لا تفتقر للحدة أحياناً في حوارها مع الصحفيين وخاصة حين وصل النقاش الى مناقشة مقترح توصية بتوسيع هامش الحرية ليتمكن الإعلامي من كتابة رسالته بشفافية وهنا اقترح بعض الصحافيين عدم مناقشة موضوع الحريات في هذا الملتقى لأنه من اختصاص القيادة السياسية وتوسيع هامش الحريات لا يحتاج الى توصية بل إلى قرار سياسي، ما استفز السيدة الوزيرة لتوجه انتقادات حادة للإعلاميين من الذين يتعمدون الإساءة عبر طرحهم موضوع الحريات، بمناسبة وغير مناسبة، وأوردت أمثلة تؤكد أنه حتى في أمريكا لا توجد حريات مطلقة، ومن ثم جاء الرد من الإعلاميين أن أمريكا ليست مقياساً وموضوع الحريات والشفافية واسع جداً ويتعلق بعدة قضايا أخرى ولا مجال لبحثه الآن إذ لا يمكن الحديث عن الحريات في بلد يكون فيه أحياناً الحديث عن رئيس بلدية خط أحمر، وبعد أخذ ورد ارتأى الجميع إلغاء هذا المقترح، وكذلك كان الأمر فيما يخص العديد من المقترحات التي دار حولها نقاشات حامية الوطيس، رفعت مستوى الحوار ليلامس قضايا هامة وحيوية، بشفافية وصراحة عالية، وكان لافتاً تفاعل د. شعبان مع تلك النقاشات ومرونتها العالية في تقبل الرأي الآخر رغم اختلافها الشديد معه، وكما كانت فرصة أيضاً للتعرف على السيد إياد غزال محافظ حمص عن قرب وفهم العقلية التي يعمل من خلالها ، وكان واضحاً أنه يمتلك رؤية ما بعد حداثوية شاملة من الصعب فهمها، أو تفسيرها دون الرجوع الى حيثياتها، كما كان واضحاً الجهد الكبير الذي بذله لإقامة مهرجان القلعة والوادي ، والمبالغ الكبيرة التي أغدقت لتحسين الطرق الواصلة إلى قلعة الحصن حيث عقد الملتقى، والمسارح والمرافق داخل القلعة، ناهيك عن برشورات ومطبوعات فاخرة للتعريف بالمهرجان وضيوفه وهدايا تذكارية .. إلخ من جهود ذهب معظمها سدى جراء التأجيل. وحرم الكثير من الإعلاميين مواد إعلامية دسمة نمت عنها الثرثرة التي دارت في الأروقة، فمن قائل عن المبالغ الطائلة التي وضعت الى آخر رأى في مهرجان القلعة والوادي مهرجان للسيد المحافظ ، إلى ثالث اعتبر أنه المهرجان لو تم كان أهم نشاط يسلط الضوء على محافظة حمص ومناطقها الرائعة الجمال ، وهو ما سيعود عليها بفوائد جمة طالما اعتبرت هذه المحافظة نفسها أنها مهملة، ولم يخل الأمر من غمز ولمز حول برشور طبع على غلافه صورة لمحافظة حمص مجردة عن خريطة الجمهورية العربية السورية، فراح أحدهم يسأل بصيغة السؤال الحمصي عما إذا كانت حمص دولة مستقلة !! وأياً كانت الملاحظات والتقولات فإن تفاصيل كثيرة حملتها الأيام الثلاث لملتقى المغتربين في مشتى الحلو ، وهي كانت كافية للكتابة عن جهد ونشاط بذل بنيات طيبة ، لتقديم صورة أفضل عن سوريا ، ولإيجاد شبكة اتصال وتواصل بين المغتربين ووطنهم الأم ، لكن الإعلام الرسمي الذي ورغم كل الانتقادات التي توجه إليه لازال يصر على تعقيم الأحداث وتجريدها من لحم التفاصيل ليقدم لقراءه العظام فقط، فرغم التوصيات والنقاشات والمعارك التي شهدها المؤتمر خرجت وكالتنا الوطنية العزيزة بأربع أخبار مقتضبة عن الملتقى ، الأول عن الافتتاح وتضمن أسماء الحضور وعنوان الملتقى وآخير عن الختام وما بينهما خبران: واحد عن زيارة معبر الدبوسية وثاني عن مضمون البرقيات والتوصيات، والأخبار الأربعة بمجموعها لم يتجاوز بحجمها صفحتي فولسكاب لأن شعارها أبداً تقديم المختصر غير المفيد . فكل هناك مثالاً حياً عن هدر المال والجهد في مناسبات تعد بالأساس بهدف الدعاية والترويج ، والمفارقة أن ابرز الغائب عن هذه المناسبات في بلادنا هي في غياب الدعاية والترويج المناسب، وهو ما تتحمل مسؤوليته الجهات القائمة على هذه الأنشطة، لأنه كما لمسنا قد دعت جيش من الإعلاميين غالبيتهم من الوسائل الرسمية، وغالبيتهم لديهم وجهات نظر قوية وآراء مفيدة لكنهم يفضلون الصمت ، وإذا سأل أحدهم عن سبب صمته لا يجد حرجاً في القول: "أخي أنا موظف إذا قلت رأي لا يعجب يمكن طردي بجرة قلم" .
الجمل
إضافة تعليق جديد