الأمن الغذائي بين التنمية ونمو السكان
قاربت عمليات تسويق الأقماح على الانتهاء,حيث بلغت الكميات المسوقة من قبل مؤسسة الحبوب نحو ثلاثة ملايين و300 ألف طن بينها أكثر من 1,4 مليون طن من محافظة الحسكة لوحدها,
علماً أن إجمالي الإنتاج يبلغ أكثر من 5 ملايين طن لهذا العام.
هذه الأرقام هي مؤشر لما حققناه في إطار استراتيجية الأمن الغذائي وتوفير فائض في المحاصيل الاستراتيجية وغير الاستراتيجية والانتقال من مرحلة العوز إلى مرحلة الوفرة والانتقال إلى تصدير الفائض.
المعلومات تؤكد أن حاجتنا من الأقماح سنوياً تقدر ب2,2 مليون طن,أي أن لدينا فائض من القمح من الموسم الحالي فقط يقدر بمليون طن يمكن تصديره وفعلاً تقدر الكميات التي صدرناها الموسم الماضي بمليون طن. هذا الفائض قد لا نعرف أهميته إلا إذا علمنا ما كان الوضع عليه قبل نحو عقدين من الزمن,وتحديداً في أواخر عام ,1987حين وصلت الأمور إلى الحد الذي لا يكفي الطحين المتوفر آنذاك إلى حاجة البلد لأيام لتأمين مادة الخبز..
هذا التحدي الذي وضعته الدولة أمام أعينها من خلال انتهاج استراتيجية تحقيق الأمن الغذائي وتوفير الغذاء للناس والاعتماد على إمكاناتنا ومواردنا الذاتية. وهذا ما حصل فعلاً,فقد تجاوزنا مرحلة العوز في الغذاء ووصلنا إلى مرحلة الوفرة وتصدير الفائض من خلال خطط اقتصادية وزراعية اعتمدت على البحوث العلمية الزراعية وتطوير السلالات واستنباط أًصناف جديدة وزيادة الإنتاج في وحدة المساحة وتحسين الإنتاج كماً ونوعاً وتطبيق سياسة سعرية مجزية وخاصة للمحاصيل الاستراتيجية التي تقوم الدولة بتسويقها كالقمح والقطن والشوندر والتبغ ما أدى إلى زيادة الإنتاج وتحقيق معدلات تعتبر منافسة,حيث استطاعت سورية أن تحقق المرتبة الثانية في العالم من حيث حجم الإنتاج في وحدة المساحة في محصول القطن وذلك بعد استراليا مباشرة.
لن ندخل في تفاصيل العملية الزراعية ومراحلها,بل نأتي بأمثلة واقعية للتدليل على ما وصلنا إليه في عملية تحد تواجه العالم وهي نقص الغذاء وخاصة في الدول النامية ودول العالم الثالث التي تعتمد بشكل رئيسي في غذائها على الاستيراد.
وهناك فجوة كبيرة بين حاجة سكان العالم للغذاء وما ينتج من غذاء,وهذا التحدي يزداد حراجة بسبب ارتفاع معدلات التزايد السكاني في دول العالم الثالث والحاجة المتزايدة للغذاء. وسورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تصدر القمح للدول الأخرى ولديها فائض في عدد من المنتجات الزراعية يتم تصديره أيضاً.
صحيح أننا حققنا نقلة نوعية على صعيد توفير الغذاء,لكن من خلال متابعة الإنتاج السنوي لعدد من المحاصيل الاستراتيجية نرى أن الأرقام متقاربة خلال السنوات الماضية وخاصة في محصول القمح ومحصول القطن,قد تزيد قليلاً أو تنقص,أي أننا نحافظ على نفس الأرقام مع فارق بسيط بين سنة وأخرى,وهذه النقطة يجب الوقوف عندها لأن المحافظة على تفوقنا وما أنجزناه على هذا الصعيد يجب أن يسير بخط متصاعد لا أن تتناقص معدلات الإنتاج قياساً بالتزايد السكاني.
فالنمو الاقتصادي يجب أن يواكب النمو السكاني,بل يجب أن يتجاوزه وإلا فنحن سنتراجع ونرى أنفسنا على أبواب تحد جديد ومستمر من أجل توفير الغذاء وتأمينه للأعداد الجديدة من السكان.
التحدي في مجال التنمية لا يتوقف وهو يبرز بشكل واضح مع الأيام,لأن الموارد محدودة ونحتاج إلى توفير موارد متجددة وتنمية هذه الموارد واستثمارها بشكل علمي ومرشد دون التفريط بها والابتعاد عن الهدر وسوء الاستخدام.
الإنتاج الزراعي وهو المصدر الأساس للغذاء,وخاصة الحبوب والخضار والفواكه والزيوت وغيرها,وهذا الإنتاج يمكن أن يتراجع إذا لم نستخدم طرقاً وأساليب متطورة تعتمد البحث الزراعي وزيادة الإنتاج شاقولياً وزيادته في وحدة المساحة واستنباط أصناف وأنواع عالية الإنتاج.
وهذا يحتاج أيضاً إلى زيادة رقعة المساحات المروية وتوفير المياه اللازمة واتباع طرق جديدة في الري,كالري بالرذاذ والري بالرش والري بالإرضاع,وغيرها من طرق وأساليب الري الحديث التي ثبت أنها توفر كميات كبيرة من المياه يمكن الاستفادة منها في توسيع رقعة الأراضي المروية.
كما يمكن الاستفادة من المياه المعالجة واستخدامها في الزراعة وزيادة رقعة المساحات الخضراء التي بدأت تنحسر لمصلحة اللون الرمادي وزحف الأبنية الإسمنتية. وسيستمر التحدي للتغلب على المشكلات البيئية ومواجهة خطر التلوث والتصحر من أجل الانتصار في معركة التنمية المستدامة لأن الصمود في وجه الحصار ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية يجب أن يقترن بالتصدي للمشكلات الاقتصادية والانتصار في معركة الاقتصاد,لأن الانتصار في هذه المعركة أساس لأي نصر سياسي وغير سياسي,وأن القرار المستقل لا بد أن يدعمه اقتصاد متوازن وقوي,والاعتماد على الذات هو نهج خطته سورية وستسير عليه لكسب التحدي ومواجهة الضغوط الخارجية
عبد الحميد سليمان
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد