تصعيد الخلاف الصيني – التركي وتدويل الأزمة الإيغورية
الجمل: بدت مقاطعة سينغيانغ الصينية أكثر هدوءاً بعد الاضطرابات التي وقعت مؤخراً والتي أشعلت الصراع العرقي بين قومية الإيغور وقومية الهان، وبرغم ذلك ولما كانت الإيغور ينتمون إلى مجموعة الشعوب التركية، والهان ينتمون إلى مجموعة الشعوب الصينية فقد أخذ الصراع بعداً عابراً للحدود الإقليمية والدولية.
* أنقرة وصدى الصراع بين الهان – والإيغور:
على خلفية المشاهد الدامية التي نقلتها الفضائيات فيما يتعلق بملف اضطرابات إقليم سينغيانغ برزت العديد من التصريحات والاحتجاجات التركية الغاضبة والتي طالبت بما يلي:
• التزام الصين بمعالجة مشكلة السكان الإيغور.
• دعوة الأطراف العالمية من أجل التدخل لدعم الإيغور.
• إدانة عمليات العنف باعتبارها تشكل مذبحة ضد الإيغور.
وحالياً من الواضح أن ملف أزمة الإيغور سيأخذ بعداً جديداً بما يمكن أن يجعل من هذا الملف وسيلة لممارسة الضغوط الدبلوماسية والدولية ضد الصين.
اضطرابات الإيغور التي حدثت في المراحل السابقة في إقليم سينغيانغ لم يترتب عليها ردود فعل تركية رسمية، بل فقط كانت الجماعات ذات التوجهات القومية التركية تقوم ببعض الاحتجاجات للتنديد ورفع المطالبات للحكومة التركية بضرورة الاهتمام بملف الأزمة الإيغورية، ولكن ما كان لافتاً للنظر هذه المرة تمثل في تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وتحركات القوى السياسية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها للتنديد بالموقف الصيني الرسمي من الاضطرابات الإيغورية الأخيرة.
* الأزمة الإيغورية: تأثير العامل التركي:
سيترتب على موقف أنقرة القوي إزاء الأزمة الإيغورية المزيد من التداعيات بسبب وزن أنقرة الدبلوماسي الكبير في الأوساط الدولية والإقليمية.
• ترتبط أنقرة بعلاقات قوية مع دول منظمة المؤتمر الإسلامي وهذا معناه أن دبلوماسية أنقرة يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في دفع دول منظمة المؤتمر الإسلامي لتبني موقف موحد ضد بكين.
• ترتبط أنقرة بعلاقات قوية مع دول آسيا الوسطى وهذا معناه أن دبلوماسية أنقرة يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في دفع تلك الدول على تبني موقف موحد من بكين.
• ترتبط أنقرة بعلاقات قوية مع واشنطن برغم بعض الخلافات، وهذا معناه أن دبلوماسية أنقرة يمكن أن تلتقي مع دبلوماسية واشنطن فيما يتعلق بالأزمة الإيغورية، وبكلمات أخرى فإن المسألة الإيغورية ستشكل نقطة الاتفاق الجديدة على خط أنقرة – واشنطن والذي تعرض لبعض التوترات في العامين الماضيين.
من الواضح أن أنقرة لن تكون وحدها المدافع عن الإيغور الصينيين، وحالياً كما تقول التقارير فإن بعض الدول الإسلامية كالسعودية وبلدان الخليج العربي بدت أكثر اهتماماً بالقيام بتقديم المساعدة للإيغور، وعلى ما يبدو فإن واشنطن ستجد فرصة جديدة تتيح لها استخدام الأموال السعودية والخليجية في دعم الإيغور بما يحقق هدفين في وقت واحد: دعم السعودية والخليج للإيغور من جهة، ودعم واشنطن للإيغور المسلمين من جهة أخرى لزعزعة استقرار الصين.
* تداعيات أزمة خط أنقرة – بكين:
لا توجد حالياً تحالفات تركية – أمريكية ولكن ما هو موجود يتمثل في بعض الاتفاقيات الثنائية بين البلدين والتي لو تم تجميدها أو إلغاؤها فإنه لن يترتب على ذلك أي ضرر للطرفين ولكن ما هو أكثر خطورة سيتمثل في الآتي:
• أن تسعى تركيا لتعبئة القوميات ذات الأصول التركية الموجودة في آسيا الوسطى وبالذات في كازاخستان وكيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان.
• أن تسعى تركيا لتعبئة حكومات بلدان آسيا الوسطى وتأليبها ضد الصين بما يترتب عليه عرقلة تمديد خطوط أنابيب نقل نفط وغاز آسيا الوسطى إلى الصين.
• أن تتحول تركيا إلى قاعدة ارتكاز للحركات الإيغورية بما يتيح لها تعزيز روابطها مع المنظمات الدولية غير الحكومية وتوظيفها ضد الصين.
• أن تسعى تركيا للقيام بتجميد مشروع خط السكة الحديدية العابر للقارة الآسيوية الذي كان متوقعاً له أن يصل بين اسطنبول وبكين.
لقد أصبح تدويل الأزمة الإيغورية مسألة وقت لا أكثر وتجدر الإشارة إلى أن الخطى الحثيثة من أجل تدويل هذه الأزمة قد بدأت خلال انعقاد أولمبياد بكين السابق عندما سعت الدول الغربية باتجاه مقاطعة دورة الأولمبياد وإفشالها تحت مزاعم أن بكين تمارس الانتهاكات ضد الإيغور في سينغيانغ، والبوذيين في التبت.
* بين الملف الإيغوري الصيني والملف الطوراني التركي: وصل الخط المنقطع:
ظلت الحركة القومية التركية تسعى بشكل متزايد لجهة التأكيد على مفهوم "الجامعة التركية" وذلك بما يتيح تجميع الشعوب ذات الأصل التركي ضمن أمة تركية واحدة.
حالياً يتضمن مفهوم الأمة التركية الواحدة الشعوب والأمم الآتية:
• الشعب الأوزبكي: ويوجد في أوزبكستان وأفغانستان.
• الشعب الأذربيجاني: ويوجد في إيران وأذربيجان.
• الشعب الإيغوري: ويوجد في الصين وكازاخستان.
• الشعب الكازاخي: ويوجد في كازاخستان.
• الشعب التتري: ويوجد في روسيا وتركيا وأوكرانيا وأوزبكستان.
• الشعب الهزاري: ويوجد في أفغانستان وإيران وباكستان.
• الشعب التركماني: ويوجد في تركمانستان وإيران وباكستان.
• الشعب الكيرغيزي: ويوجد في كيرغيزستان.
• الشعب الشوفاشي: ويوجد في روسيا.
• الشعب الباشكيري: ويوجد في روسيا.
• الشعب القاقاوزي: ويوجد في مولدافيا.
• الشعب الياكموتي: ويوجد في روسيا.
يقول زعماء التيار القومي التركي أنه يجب إقامة جامعة تركية تؤسس لمشروع القيام عملياً بلملمة أطراف الأمة التركية ضمن قوام متماسك يهدف إلى قيام أحد الخيارات: إما الوحدة الفيدرالية أو الوحدة الكونفيدرالية.
ولكن الطموح والرغبة لن يكونا كافيين لتوحيد الأمة التركية طالما أن هناك دول مستقلة ذات سيادة تعيش ضمنها شعوب الأمة التركية وبرغم ذلك وطالما أن السياسة هي فن الممكن: فإن الاحتمالات واردة في أن تؤدي أزمة الإيغور إلى ظهور ملف "قضية تركية" يكون لها مفعول الأزمة الفلسطينية على "القضية العربية".
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد