عقدة إيرلندا ومستقبل الاتحاد الأوروبي
الجمل: بعد طول تفاؤل بنجاح تجربة قيام الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي فقد بدا واضحاً من خلال تطورات الوقائع والمعطيات الحالية الجارية بأن مستقبل الاتحاد الأوروبي قد أصبح معلقاً بقدر كبير على قرار الناخبين الإيرلنديين إزاء المفاضلة بين خيار التصويت بنعم أم بلا على اتفاقية لشبونة.
* لماذا إيرلندا ولماذا اتفاقية لشبونة؟
من المعروف أن التكتلات الدولية والإقليمية يتحدد نجاحها وفقاً لتوافر عاملين أساسيين هما:
• القدرات المؤسسية: وفي حالة الاتحاد الأوروبي أصبح القوام المؤسسي مكتملاً بحيث تمت إقامة كل الهياكل التنظيمية الرئيسية الخاصة بالاتحاد الأوروبي: البرلمان (السلطة التشريعية)، المجلس الأوروبي (السلطة التنفيذية)، المفوضية (الحكومة)، المحكمة الأوروبية (السلطة القضائية).
• القدرات الوظيفية: تواجه مؤسسات الاتحاد الأوروبي مشكلة الإسناد القانوني والتشريعي لجهة عدم الكفاية بما يتيح اتخاذ القرارات لمؤسسات الاتحاد الأوروبي التفويض الكامل والصريح لجهة اتخاذ القرارات والتحرك بحرية.
سعت المفوضية الأوروبية وبعض دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية وتحديداً فرنسا وبريطانيا من أجل تعزيز القدرات الأوروبية الوظيفية بحيث يصبح للبرلمان الأوروبي الحق في إصدار التشريعات دون الرجوع لبرلمانات الدول الأوروبية ولكل من المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية حق إصدار القرارات التنفيذية دون الرجوع إلى الحكومات الأوروبية.
توصلت المساعي الأوروبية إلى عقد اتفاقية لشبونة التي ينظر إليها الخبراء باعتبارها تمثل الخطوة الأساسية لإقامة سلطة تنفيذية أوروبية تتمتع بالحرية والاستفلال وتتصرف كأنما هي حكومة لعموم أوروبا.
بعد قيام القمة الأوروبية بعقد اتفاقية لشبونة كانت الخطوة الثانية تتمثل في طرح هذه الاتفاقية أمام الرأي العام الأوروبي من أجل التصويت عليها وكانت المفاجأة متمثلة بتصويت الإيرلنديين بـ"لا" صريحة للاتفاقية الأوروبية.
الرفض الإيرلندي لاتفاقية لشبونة أدخل دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية في ورطة لأن رفض أي دولة لأي اتفاقية سيترتب عليه عملياً القضاء على الاتفاقية في مهدها طالما أن عنصر الإجماع سوف لن يكون متوفراً.
* ما الذي يجري حالياً في إيرلندا؟
برغم التصويت بالرفض لمعاهدة لشبونة فقد سعت الأطراف الأوروبية الداعمة للاتفاقية إلى محاولة الحصول على التأييد من خلال جولة التصويت الثانية التي ستعقد في يوم 2 تشرين الأول 2009 القادم، وتقول المعلومات ما يلي:
• تم تكوين تجمعات في 135 مدينة إيرلندية هدفها إطلاق فعاليات تعبئة الإيرلنديين للتصويت بـ"لا" مرة ثانية للاتفاقية مع ملاحظة عدم قيام أي لجنة شعبية تهدف إلى تعبئة الإيرلنديين لموافقة على الاتفاقية.
• تقول آخر الاستطلاعات بأن خارطة الرأي العام الإيرلندي تتضمن 59% من الرافضين و25% من المؤيدين و16% لم يحدد موقفه، وهذا معناه أن هؤلاء الأخيرين لو تحولوا إلى تأييد الاتفاقية فإن إجمالي المؤيدين سيصبح حينها 41% في مواجهة 59% رافض.
بالنتيجة تقول التحليلات أن سقوط اتفاقية لشبونة في الاستفتاء الإيرلندي سيحدث زلزالاً جيو-سياسياً في الاتحاد الأوروبي بسبب التداعيات التي ستحدث بعد ذلك والتي سيكون من أبرزها:
• القضاء على توقعات أن يتحول الاتحاد الأوروبي إلى كيان مركزي سيادي.
• القضاء على طموحات المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي في أن يتحولا إلى حكومة أوروبية تفعل ما يريده الأوروبيون.
• إغلاق ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي والقضاء على أحلام أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا بالانضمام للاتحاد.
وعموماً سيكون العالم على موعد مع نتيجة الاستفتاء الإيرلندي على اتفاقية لشبونة وبعدها سيفهم ويعرف الجميع الإجابة الواضحة للسؤال القائل: هل سيتحول الاتحاد الأوروبي إلى دولة موحدة قوية أم أن صيغة التعددية الأوروبية الموجودة حالياً ستستمر لفترة أطول ريثما تتغير الأسباب والعوائق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد