القراءة الإسرائيلية الجديدة للمشهد الشرق أوسطي

الجمل: بدا الخبراء الإسرائيليون وخبراء منظمات اللوبي الإسرائيلي المعنيين بشئون الشرق الأوسط أكثر اهتماماً بالطبيعة الجديدة المتزايدة التعقيد لخارطة الشرق الأوسط الجيوسياسية، وعلى خلفية التعقيدات المتجددة، فقد أطلق اليهودي الأمريكي «روبرت ساتلوڤ» تحذيره القائل: إن الشرق الأوسط أصبح أكثر احتياجاً للمزيد من التشخيص الجديد.
* مورفولوجيا المشهد الشرق أوسطي: لماذا التشخيص الجديد؟
درجت إسرائيل على استخدام لعبة تعدد المسارات، والاستفادة من المزايا الشبه خاصة بكل مسار، وفي هذا الخصوص، ظلت تل أبيب تبدأ في مسار المفاوضات الفلسطينية، وعندما تصل المفاوضات إلى نقطة الانغلاق، تقوم تل أبيب بالتخلي عن المسار الفلسطيني والتحول باتجاه المسار السوري، ولكن، ما هو جديد هذه المرّة يتمثل في الآتي:
• ظلت تل أبيب تسير لفترة طويلة على المسار الفلسطيني وفقاً لعملية سلام الشرق الأوسط، وحالياً، فقد أصبحت أمام نقطة الانغلاق.
• سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فتح المسار السوري مطالباً بإجراء المفاوضات المباشرة مع السوريين ودون شروطٍ مسبَقة.
وبرغم ذلك، فقد تمثلت المفاجأة الجديدة بالآتي:
- أكد الفلسطينيون بأنه إذا فشلت المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، فسوف يقوم الفلسطينيون بإعلان قيام الدولة الفلسطينية من طرفٍ واحد.
- أكد السوريون بأنه ليس من سبيلٍ أمام تل أبيب سوى في الاستمرار في جهود المحادثات غير المباشرة التي تمت برعاية تركيا، بحيث لا مجال للبدء من نقطة الصفر، طالما أن جهود أنقرا لم تصل إلى نقطة الفشل بعد.
وإضافةً لذلك، فقد ظلت تل أبيب تستخدم الجيش الإسرائيلي في شن العمليات العسكرية ضمن محورين هما:
• العمليات ضد الأراضي الفلسطينية.
• العلميات ضد جنوب لبنان.
وعلى غرار لعبة التحوّل من مسار المفاوضات الفلسطينية إلى مسار المفاوضات السورية، فقد ظلّت إسرائيل تنفذ لعبة التحول من مسار الحرب ضد الأراضي الفلسطينية إلى مسار الحرب ضد الأراضي اللبنانية، والهدف من المسارين واحد، وهو تأكيد قدرة الردع العسكري الإسرائيلي في المنطقة، ولكن، ما هو جديد هذه المرة يتمثل في الآتي:
- عدم قدرة القوات الإسرائيلية على تحقيق النصر الحاسم ضد حزب الله اللبناني والمقاومة اللبنانية في حرب صيف 2006، التي اندلعت في جنوب لبنان، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مسرح الحرب دون تحقيق أهدافها الرامية إلى القضاء على حزب الله اللبناني والمقاومة الوطنية اللبنانية.
- عدم قدرة القوات الإسرائيلية على تحقيق النصر الحاسم ضد حركة حماس الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية في مطلع العام 2009 الحالي، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مسرح الحرب دون أن تحقق أهدافها الرامية إلى القضاء على حركة حماس الفلسطينية والمقاومة الوطنية الفلسطينية.
أدى ازدواج الهزائم الدبلوماسية مع الهزائم العسكرية إلى تراجع ليس فقط قوة الردع الإسرائيلية، وإنما على إضعاف مفهوم التفوق الإسرائيلي، الأمر الذي أدى بدوره إلى دفع جميع أطراف الصراع الشرق متوسطي، وتحديدا ً: سوريا – حزب الله اللبناني وحركات المقاومة الوطنية اللبنانية – حركة حماس وحركات المقاومة الوطنية الفلسطينية لجهة الآتي:
• تغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل.
• التأكيد على مذهبيات المواجهة اللامتماثلة، سواء في مسرح الصراع العسكري أم في مسرح الصراع الدبلوماسي.
إن التطورات الشرق أوسطية الجارية، وعلى وجه الخصوص ما يجري حالياً في منطقة شرق المتوسط، هي تطورات تشير إلى أن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي سوف يتعرض لأزمةٍ كبيرة، وذلك بما يجعل الخبراء الإسرائيليون أمام مواجهة اللجوء إلى خيار التكيّف مع أو ضاع المسرح، أو خيار مواجهة الدخول في مرحلة اللايقين والشكوك المتزايدة.
* معطيات تشخيص الشرق الأوسط الجديدة:
لم يعد يتطرق الخبراء الإسرائيليون وخبراء اللوبي الإسرائيلي إلى مفهوم الشرق الأوسط الجديد، كما كان يحدث في الماضي، وبدلاً عن ذلك بدءوا السعي الحثيث لجهة التعامل مع معطيات تشخيص الشرق الأوسط الجديدة، وفي هذا الخصوص، فإن أبرز المعطيات التي تمت الإشارة إليها تتمثل في الآتي:
• ضرورة توخي الحذر في التعامل مع دمشق، وإذا كانت تل أبيب ترى بأنها قد حققت المزيد من المكاسب بسبب خروج سوريا من لبنان، فإن على تل أبيب أن تدرك، بأنها قد خسرت كثيراً جراء دخول سوريا في تركيا، وهو الدخول الذي أصبح على وشك أن يُخرج تل أبيب من تركيا.
• خروج دينيس روس من وزارة الخارجية الأمريكية هو من أبرز المؤشرات الدالة على احتمالات أن حركة حماس قد أصبحت على وشك الصعود في الضفة الغربية.
وتأسيساً على ذلك، فقد ركز بعض خبراء اللوبي الإسرائيلي، وتحديداً روبرت ساتلوڤ، على مقاربة دينيس روس بمحمود عبّاس، وذلك على أساس اعتبارات أن خروج محمود عبّاس من السلطة الفلسطينية هو خروج يتماثل في العديد من الجوانب مع خروج دينيس روس من الخارجية الأمريكية. وبالتالي، فإن خسارة إسرائيل من خروج محمود عبّاس، هي خسارةٌ تتماثل في وجه من الوجوه بخسارة خروج دينيس روس من الخارجية الأمريكية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة