تداعيات الأزمة الكردية في تركيا بعد إغلاق حزب المجتمع الديمقراطي
الجمل: شهدت الساحة التركية يوم أمس صدور قرار المحكمة الدستورية التركية العليا بإغلاق حزب المجتمع الديمقراطي. هذا، وعلى أساس اعتبارات الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية، فإن قرار إغلاق حزب المجتمع الديمقراطي سوف يكون له المزيد من التداعيات الداخلية والخارجية، فما هو شكل السيناريوهات السياسية القادمة؟
* حظر حزب المجتمع الديمقراطي: الحيثيات والقرار؟
تقدم المدعي العام التركي عبد الرحمن يالزينكاي قبل أكثر من عام بعريضة للمحكمة الدستورية العليا، طالب فيها المحكمة بالقيام بإصدار حكم يتضمن الآتي:
• إغلاق حزب المجتمع الديمقراطي.
• حظر 221 عضو من الحزب من ممارسة العمل السياسي.
• طرد نواب الحزب من البرلمان.
واستندت عريضة المدعي العام التركي على الاتهامات التالية:
- تبني الحزب لأنشطة تهدد السيادة التركية.
- انتهاك الدستور التركي.
وأشارت عريضة المدعي العام التركي إلى القرائن الآتية:
• وجود روابط بين عناصر الحزب وعناصر حزب العمال الكردستاني تقوم على أساس قرابة الدم والعشائرية والقبلية.
• وجود اتصالات بين عناصر الحزب وعناصر الحركات الكردية المسلحة، وبالذات حزب العمال الكردستاني.
• وجود روابط وعلاقات بين قيادة الحزب وقيادة حزب العمال الكردستاني.
وعلى هذه الخلفية، فقد تشكّل انطباعٌ عام في أوساط النخب السياسية التركية، بأن حزب العمال الكردستاني وحزب المجتمع الديمقراطي يمثلان شيئاً واحداً، وإذا كان حزب العمال الكردستاني يمثل الجانب العسكري المسلّح، فإن حزب المجتمع الديمقراطي يمثل الجانب السياسي للحراك السياسي – الاجتماعي الكردي في تركيا.
* حزب المجتمع الديمقراطي: الأداء السياسي
سعى أكراد تركيا قبل بضع سنوات إلى تشكيل ما أُطلق عليه تسمية حزب العمال الشعبي، بقيادة الزعيم الكردي فهمي أسقيلاد، وفي مجرى سياق العملية السياسية التركية، برزت بعض الأطراف التركية التي انتقدت أداء الحزب باعتباره يمثل واجهة الحراك القومي الاجتماعي الكردي في الساحة السياسية التركية. وبالفعل، فقد رفع المدعي العام التركي عريضةً للمحكمة الدستورية التركية العليا، والتي سرعان ما أصدرت قرارها بإغلاق حزب العمل الشعبي، وحظر زعيمه فهمي أسقيلاد، إضافةً إلى طرد 4 من نوابه في البرلمان من بينهم زعيم الحزب.
كل الأحزاب التركية التي كانت تواجه قرارات حلّ والإغلاق كانت تقوم لاحقاً بتجميع نفسها ضمن واجهات سياسية حزبية جديدة، وهو ما حدث في سيناريو إقامة حزب المجتمع الديمقراطي والذي نظرت إليه الأوساط السياسية التركية باعتباره واجهة لإعادة تجميع حزب العمل الشعبي الذي تمّ حظره، ومن أبزر الدلائل على ذلك:
- أن زعماء حزب المجتمع الديمقراطي كانوا من بين زعماء حزب العمل الشعبي.
- أن عناصر حزب المجتمع الديمقراطي هم نفس عنا صر حزب العمل الشعبي.
- أن برنامج حزب المجتمع الديمقراطي يمثل صيغةً مستنسخة من برنامج حزب العمل الشعبي.
- إن مناطق نفوذ حزب المجتمع الديمقراطي هي نفس مناطق نفوذ حزب العمل الشعبي المتمثلة في مناطق جنوب شرق تركيا ذات الأغلبية التركية التقليدية.
هذا، وإضافةً لذلك، فقد أدى الأداء السياسي لحزب المجتمع الديمقراطي لجهة ارتباطه الشديد مع أداء حزب العدالة والتنمية في الثلاثة أعوامٍ الماضية إلى إثارة غضب وحنق خصوم حزب العدالة والتنمية، وعلى وجه الخصوص حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل القوى العلمانية، والحزب القومي التركي الذي يمثل القوى القومية الاجتماعية التركية. وفي هذا السياق تشير المعطيات إلى أن قيام المدعي العام التركي باستهداف حزب المجتمع الديمقراطي، كان يرتبط باستهداف المدعي العام لحزب العدالة والتنمية. هذا، وكانت النتيجة من جهة نجاح المدعي العام من الحصول على حكم المحكمة الدستورية التركية العليا بإدانة حزب العدالة والتنمية وفرض العقوبات المالية عليه، وذلك لأن عدد أعضاء المحكمة الدستورية التركية العليا الذين صوتوا لصالح قرار إدانة حزب العدالة والتنمية كان بأغلبية ستة أعضاء، وكان وجود صوت واحد إضافي كافياً لجعل قرار الإدانة يصدر بأغلبية سبعة أعضاء، وهو العدد الكافي لقرار حل الحزب، وبالتالي، وبرغم إفلات حزب العدالة والتنمية من قرار الحل، فإن حزب المجتمع الديمقراطي لم ينجح في الإفلات من قرار الإدانة بأغلبية سبعة أصوات.
* الأزمة الكردية في تركيا: إلى أين؟
أعلنت حكومة حزب العدالة والتنمية عن اعتمادها لما عُرف بـ "المبادرة الكردية"، والتي تعتمد على تعميق الديمقراطية كأساس لحل الأزمة الكردية في تركيا. وأشارت تطورات الوقائع والأحداق إلى النقاط الآتية:
• أعلن حزب المجتمع الديمقراطي عن تأييده للمبادرة.
• أعلن حزب العدالة والتنمية عن دعمه للمبادرة.
• أبدى حزب الشعب الجمهوري التركي "العلماني" تحفظاته.
• أبدى الحزب القومي التركي (القومي الاجتماعي) عن معارضته.
هذا، وفي سياق مجرى إنفاذ المبادرة، أعلن حزب العمال الكردستاني عن قيام عدد من أعضاءه بمسيرة سلمية يقوم ضمنها بعض عناصر الحزب بالحضور من شمال العراق إلى الأراضي التركية، ويقومون بتسليم أنفسهم للسلطات التركية. وبالفعل، تم تنفيذ هذه العملية والتي ترافقت مع التطورات الآتية:
- قيام أعداد كبيرة من أكراد تركيا بالمزيد من الاستقبالات الحاشدة لأعضاء مسيرة سلام حزب العمال الكردستاني.
- قيام القوى القومية – الاجتماعية التركية بتوجيه المزيد من الانتقادات للطريقة التي تمّ بها استقبال أعضاء مسيرة سلام حزب العمال الكردستاني.
- قيام القوى القومية – الاجتماعية التركية باستغلال فرصة معارضة الأوساط الشعبية التركية لمسيرة سلام حزب العمال الكردستاني لجهة القيام بالمزيد من الاحتجاجات والمظاهرات المنددة بطريقة وأسلوب الاستقبال والترحيب والحفاوة التي قوبل بها أعضاء مسيرة سلام حزب العمال الكردستاني.
- طالب حزب المجتمع الديمقراطي بضرورة تحسين أسلوب معاملة زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان.
هذا، وعلى خلفية هذه التطورات، فقد تحوّل السجال الكردي – التركي الذي كان دائراً بين حزب العمال الكردستاني وحزب المجتمع الديمقراطي إلى علاقات تعاون بين الطرفين. وبالمقابل، فقد تصاعدت حملات التيار القومي الاجتماعي التركي المطالبة بمعاملة عناصر حزب العمال الكردستاني كمجرمين يتوجب تقديمهم للعدالة وليس كأبطال سلام يتم استقبالهم بالحفاوة والمواكب الجماهيرية.
هذا، وأشارت التقارير إلى أن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم قد نجح خلال الأيام الماضية في التقاط الرسالة القادمة من أعماق المجتمع التركي، والرافضة ليس لأي تسوية سياسية مع حزب العمال الكردستاني، وإنما الرافضة أيضاً لوجود أي حلفاء سياسيين له داخل العملية السياسية التركية.
تخلى حزب العدالة والتنمية التركي عن حليفه حزب المجتمع الديمقراطي في اللحظات الأخيرة، وذلك من خلال تصريحات زعماء الحزب، وعلى وجه الخصوص الرئيس التركي عبد الله غول ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
هذا، وأشارت التقارير إلى أن موقف حزب العدالة والتنمية المتخلي عن حزب المجتمع الديمقراطي هو موقف يجد جذوره في العديد من الوقائع والتطورات السابقة والتي من أبرزها:
• مداهمة أجهزة الأمن التركية لأحد مراكز حزب المجتمع الديمقراطي، واكتشاف أن عناصر هذا المركز كانت تعمل كخلية مزدوجة على المستوى المعلن لصالح حزب المجتمع الديمقراطي، وعلى المستوى غير المعلن لصالح حزب العمال الكردستاني.
• اكتشاف وجود علاقة بين عناصر شبكة أرغيناكون، وعناصر حزب العمال الكردستاني، إضافةً إلى شبهات وقرائن تشير إلى دورٍ قام به بعض عناصر حزب المجتمع الديمقراطي.
• قيام حزب المجتمع الديمقراطي بدور في الانتخابات المحلية التركية ترتب عليه من جهة إضعاف نفوذ حزب العدالة والتنمية في بعض المحافظات، ومن الجهة الأخرى تعزيز نفوذ خصوم حزب العدالة والتنمية، وعلى وجه الخصوص حزب الشعب الجمهوري الذي وجد دعم عناصر حزب المجتمع الديمقراطي في المناطق الساحلية، والحزب القومي التركي الذي وجد دعم عناصر حزب المجتمع الديمقراطي في بعض المناطق الداخلية.
• ظهور بعض الخلافات داخل حزب المجتمع الديمقراطي، بحيث ظهر تيار يطالب بأن يسعى حزب المجتمع الديمقراطي إلى الحصول على اعتراف رسمي باعتباره الممثل الوحيد لأكراد تركيا، وتيارٌ آخر، يطالب بضرورة السعي لاقتسام المسئولية عن أكراد تركيا مع حزب العمال الكردستاني.
أشارت التقارير إلى قيام نواب حزب المجتمع الديمقراطي الذين شملهم قرار الإدانة بتقديم استقالتهم إلى البرلمان التركي، وإضافةً لذلك، فقد برز تيارٌ جديدٌ داخل الحزب يطالب بتشكيل تيارٍ جديدٍ يسعى إلى الآتي:
- قطع أي صلة بين الحزب وحزب العمال الكردستاني.
- تقديم المزيد من الدعم والسند للمبادرة التركية.
هذا وتشير التوقعات إلى أن قرار حل حزب المجتمع الديمقراطي سوف تترتب عليه التداعيات الآتية:
• قيام عناصر الحزب بتشكيل حزب جديد لكي يعمل كواجهةٍ جديدةٍ لأكراد تركيا بدلاً عن حزب المجتمع الديمقراطي والذي كان بالأساس عبارة عن واجهة لحزب العمل الشعبي الذي سبق أن تم حلَّه وحظ ره.
• قيام المتشددين بالاستمرار في تحويل الحزب إلى شبكة من خلايا العمل السري، والتي تعمل بالتنسيق مع خلايا حزب العمال الكردستاني.
هذا، وعلى أساس الاعتبارات الإقليمية والدولية، فإن قرار حل حزب المجتمع الديمقراطي سوف يلقي بالمزيد من التداعيات السالبة التأثير على ملفات الحوار التركي – الكردي. أما بالنسبة لأكراد العراق، فإن تأثيره سوف يكون محدوداً وذلك لأن الزعيم الكردي مسعود برازاني ينظر إلى حلّ حزب المجتمع الديمقراطي بمثابة خطوة إيجابية لجهة التخلّص من حزب المجتمع الديمقراطي وزعيمه الذي كان ينافسه في زعامة المجتمع الكردي الشرق أوسطي. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فتقول التقارير بأن قرار حظر حزب المجتمع الديمقراطي سوف يشكل ضربةً قاصمة لجهود انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وتشير التقارير إلى قيام مفوضية حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان الأوروبية إلى إصدار البيانات والتصريحات التي نددت بقرار حلّ الحزب، ونظرت إليه باعتباره يمثّل تأكيداً جديداً لعدم صلاحية تركيا للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد