الإضطرابات السياسية على الساحة الإيرانية
الجمل: تشهد الساحة الإيرانية الآن جولة جديدة من الاضطرابات السياسية, والتي ظلت تأخذ شكل الموجات المتواترة منذ لحظة انتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة, وبرغم أن الصراع قد أخذ طابعا يفيد لجهة المواجهة السياسية بين تيار الإصلاحيين وتيار المحافظين, فإن المعلومات الجديدة, تقول بأن موجة الاضطرابات الأخيرة الجارية الآن, تحمل المزيد من الخصائص والسمات الجديدة: فما الذي يحدث الآن في إيران؟ وما في مسارات المواجهة المحتملة؟ وما هو شكل الصراع الإيراني-الإيراني القادم؟
من أين جاءت "الشرارة" الجديدة؟
بحسب تطورات الأحداث والوقائع, فقد بدأت شرارة جولة الاضطرابات الجديدة الحالية, على خلفيات وفاة الزعيم الديني آية الله منتظري, والذي, وبرغم أنه من أبرز قيادات الثورة الإسلامية الإيرانية فقد ظل لفترة طويلة تحت طائلة الاعتقال المنزلي التحفظي.
تشير سردية آية الله منتظري إلى أنه كان من بين رجال الدين البارزين لجهة تأييد الثورة الإسلامية الإيرانية, وأيضا لجهة التشدد في المواقف ضد الولايات المتحدة الأميركية, وتقول المعلومات بأن خلافه مع النظام الإيراني, كان بسبب مساعي طهران لإعدام 6 آلاف من أنصار حركة مجاهدي خلق الإيرانية, وأشارت المعلومات, إلى أن اعتراض آية الله منتظري لم يكن باتجاه مساندة حركة مجاهدي خلق, وإنما كان قائما على رفض تنفيذ أحكام الإعدام لأن العديد من هؤلاء المعتقلين قد قضوا فترات طويلة جدا داخل السجون, إضافة إلى أن بعضهم تم تقديمهم في الماضي للمحاكم, وصدر ضدهم أحكام قضائية بالسجن, وقاربت فترة السجن على الانتهاء.
بعد ذلك, تزايدت خلافات آية الله منتظري-النظام الإيراني, وتلقائيا وجد منتظري مكانه ضمن معسكر تيار الإصلاحيين, وأصبحت القوة الإصلاحية, وخصوم الثورة الإسلامية الإيرانية في الخارج والداخل ينظرون بعين الاعتبار للقادم الجديد "آية الله منتظري".
تتميز الثقافة السياسية الإيرانية بالربط بين المناسبات الدينية والحراك السياسي, وتقريبا كل المناسبات الدينية الإيرانية الشيعية, تترافق وتستصحب معها الحراك والتفاعلات السياسية, وتشير التقارير إلى أن موكب تشييع آية الله منتظري قد تحول إلى مواجهة بين تيار الإصلاحيين وتيار المحافظين, ثم تطورت هذه المواجهة إلى صراع كبير شمل العديد من المدن الإيرانية.
الطبيعة النوعية الجديدة في المواجهة الجديدة:
تميزت المواجهات السياسية خلال الفترة الممتدة من لحظة إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية, وحتى ما قبل وفاة الزعيم آية الله منتظري, بأنها مواجهات تأخذ طابع الاحتجاجات السياسية, الدائرة ضمن سباق إطار نظام الثورة الإسلامية الإيرانية, وذلك على أساس اعتبارات وجود طرفان يتنافسان داخل نظام الثورة الإسلامية, بحيث يقفان جنبا إلى جنب مع ثوابت النظام, ولكنهما يختلفان, ويتنافسان, حول القضايا والمسائل المتفرعة من هذه الثوابت.
أما هذه المرة, فقد عكست المواجهات الجديدة طابعا نوعيا جديدا, يمكن الإشارة إلى خطوطه العريضة على النحو الآتي:
• رفع الشعارات المعادية للنظام ولثوابت نظام الثورة الإسلامية الإيرانية.
• المطالبة بالإطاحة بنظام الثورة الإسلامية واستبداله بنظام علماني-ليبرالي على غرار الأنظمة الرأسمالية الغربية.
• التنديد برموز النظام الإيراني وزعماءه.
أشارت التحليلات السياسية وتعليقات المراقبين إلى أن الطبيعة النوعية الجديدة الخاصة بالاضطرابات السياسية الإيرانية الجارية حاليا, تشير إلى أن القوى التي تقف وراء هذه الاضطرابات, تمثل في حقيقة الأمر قوى تقع خارج دائرة النظام, إضافة إلى أنها خارج دائرة تيار المحافظين, وفسر البعض هذه الظاهرة, بأنها, إما تعود إلى وجود قوى كانت تعمل ضمن تيار الإصلاحيين, ولاحقا قررت التمايز والخروج من عباءة هذا التيار, لجهة خوض المواجهة باستقلالية ضد النظام, أو حدوث تحول واسع في طبيعة تيار الإصلاحيين نفسه, وذلك بسبب تزايد مشاعر الكراهية والغضب في أوساط التيار الإصلاحي, على النحو الذي جعل هذا التيار يأخذ لنفسه اتجاها جديدا معاديا لنظام الثورة الإسلامية.
القوى السياسية الإيرانية: خارطة التحالف والصراع:
تتميز الساحة السياسية الإيرانية بوجود العديد من التيارات والحركات والأحزاب, ويمكن تصنيف هذه العناصر ضمن الآتي:
• القوى السياسية الناشطة داخل ثوابت نظام الثورة الإسلامية "21 حزب"
- تحالف تيار المحافظين: يضم 7 أحزاب رئيسية, ويمثل التحالف الحاكم.
- تحالف تيار الإصلاحيين: يضم 11 حزبا سياسيا.
- تحالف الإصلاحيين المنشقين عن التيار الأصلي: يضم ثلاثة أحزاب.
• القوى السياسية الناشطة خارج ثوابت نظام الثورة الإسلامية "65 حزب":
- 17 حزبا شيوعيا
- 9 أحزاب اشتراكية-ديموقراطية
- 23 حزب قومي اجتماعي
- 13 حزب ليبرالي ديموقراطي
- 3 أحزاب يسارية دينية
وبالتالي, تكون محصلة خارطة التحالف والصراع, هي وجود 21 حزب سياسي ناشط ضمن ثوابت نظام الثورة الإسلامية الإيرانية, مع ملاحظة أن هذه الأحزاب نفسها تنقسم إلى 7 أحزاب محافظة تمثل الموالاة, و14 حزب إصلاحي تمثل المعارضة السلمية.
هذا, وعلى الجانب الآخر يوجد 65 حزب سياسي معادي بالكامل لنظام الثورة الإسلامية الإيرانية, سواء كان محافظا أو إصلاحيا.
وبكلمات أخرى, يوجد في الساحة السياسية الإيرانية صراع سياسي مزدوج, فهناك صراع بين أركان النظام, يدور بين طرف متشدد وطرف آخر معتدل, مع إجماع الطرفين على إبقاء واستمرارية النظام, وهناك صراع بين النظام ككل, وخصومه المطالبين بإسقاطه وتغييره.
هذا, وعلى أساس اعتبارات عوامل القوة والضعف, نجد أن القوى السياسية التي تعمل من أجل إسقاط نظام الثورة الإسلامي تتميز بنقاط ضعف رئيسية أبرزها: اعتمادبعضها على الدعم الأميركي, إضافة إلى عدم تمتعها بالدعم والسند الشعبي الداخلي, الأمر الذي جعل من هذه القوى مجرد حركات موجودة في الخارج والعواصم الأجنبية.
أما بالنسبة للقوى السياسية المحافظة والإصلاحية التي تتصارع ضمن ثوابت نظام الثورة الإسلامية, فهي تتميز بالعديد من نقاط القوة والضعف..
نقطة قوة المحافظين: سيطرة المحافظين على المؤسسات الرئيسية مثل الحرس الثوري, والجيش إضافة إلى إحكام قبضتها على السلطة التشريعية "البرلمان" والسلطة التنفيذية "الرئاسة ومجلس الوزراء" إضافة إلى سلطة المرجعية الدينية العليا الإيرانية, إضافة لاعتماد المحافظين لخطاب سياسي واضح يسعى من أجل بناء القدرات الاستراتيجية الإيرانية, بما يجعل من إيران قوة إقليمية حقيقية تمارس حضورها القوي في مواجهة المشروع الاميركي والإسرائيلي.
• نقطة ضعف الإصلاحيين: عدم اهتمام الإصلاحيين ببناء القدرات الاستراتيجية الإيرانية, وتركيزهم الحصري على الاهتمام بالوضع الداخلي, وحياد إيران إزاء الصراعات الإقليمية إضافة إلى تطبيع العلاقات والروابط مع أميركا والغرب, أدت جميعها إلى إضعاف شعبية الإصلاحيين في أوساط الرأي العام الإيراني, الأمر الذي أدى إلى هزيمة تيار الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الإيرانية.
هذا, وإضافة لهذه الحركات, فإن الساحة السياسية الإيرانية تحفل بوجود العديد من الشخصيات ذات النفوذ والكاريزما المؤثرة, ومن أبرزها توجد حاليا حوالي 15 شخصية سياسية إيرانية تتمتع بصفة الزعيم, ومنهم المعارض حسين الخميني "ابن الإمام آية الله روح الله الخميني نفسه" والموجود خارج إيران, والمعارض حجة الإسلام عظيمي, والمعارض آية الله غانجي, والمعارض علي إقشاري, وغيرهم.
برغم كثرة وتعدد القوى السياسية الإيرانية المعارضة, فإن الأكثر خطورة يتمثل في الآتي:
• التنظيمات المتزايدة الخطورة:
- حركة مجاهدي خلق
- الحزب الدستوري الإيراني
- منظمة فدائيي الشعب
- الجبهة الوطنية الإيرانية
• الأسماء المتزايدة الخطورة:
- مريم رجوي
- داريوش هومايون
- بهروز خالق
- أديب بورماند
أما بالنسبة للتنظيمات الإيرانية الأقل خطورة فهي: (حزب توده) و(حزب العمال الشيوعي) و(الحركة الوطنية للإصلاح الإيراني) و(الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني "جناح البرازاني داخل إيران") و(منظمة العمال الثورية الإيرانية) و(حزب كومالا) و(حزب المجتمع الإسلامي الإيراني) و(اتحاد فدائيي الشعب الإيراني).
المحاولة في استقراء ملامح خارطة طريق الصراع الإيراني-الإيراني تشير إلى أن الحركات الدينية الإيرانية, قد ظلت أكثر ميلا للعمل داخل وضمن ثوابت نظام الثورة الإسلامية الإيرانية, أما الحركات العلمانية اليسارية والليبرالية والقومية الاجتماعية, فقد أصبحت عمليا خارج دائرة الصراع, فهي موجودة شكليا, ولا تتمتع بأي وجود عملي ميداني حقيقي. وبرغم ذلك ستبقى هذه الحركات مصدرا للخطرعلى النظام الايراني فيما إذا تحول التيار الإصلاحي باتجاه الانضمام والتحالف مع هذه الحركات .
الجمل: قسم الدراسات والترجم
إضافة تعليق جديد