مفاعيل الخلافات الأميركية-الإسرائيلية واحتجاع الإيباك
الجمل: تقول التقارير والتسريبات الجارية, بأن علاقات دبلوماسية خط واشنطن-تل أبيب قد دخلت مرحلة تنذر باحتمالات تصاعد توتر غير مسبوق في تاريخ العلاقات والروابط الإسرائيلية-الأميركية, والتي درج الخبراء على وصفها بأنها تمثل واحدة من أكثر العلاقات الثنائية تميزا بالطبيعة الاستثنائية ذات الخصوصية المرتفعة الشدة في النظام الدولي المعاصر: فما هي طبيعة هذه الخلافات؟ وما هو شكل السيناريو القادم في علاقات خط واشنطن-تل أبيب؟ وما هي تداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط؟
علاقات خط واشنطن-تل أبيب: الطبيعة والخصوصية في مرحلة ما بعد زيارة السيناتور بايدن؟
أشارت المعلومات إلى حدوث المزيد من التطورات والوقائع السالبة التأثير على واقع ومستقبل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية, ويمكن استقراء ذلك من خلال الآتي:
ردود الفعل الأميركية: وصفت التقارير والتحليلات السياسية الأميركية قيام المزيد منها, إضافة إلى السعي من أجل الضغط على أميركا بشأن سياسة واشنطن إزاء البرنامج النووي الإيراني, بأنه سلوك إسرائيلي سعى لإلحاق الإهانة بنائب الرئيس الأميركي, وبالتالي بأميركا, تجدر الإشارة إلى أن مفردات الخطاب السياسي-الدبلوماسي الرسمي, الذي انتقد إسرائيل قد تضمنت كلمات غير مألوفة في تاريخ الدبلوماسية الأميركية-الإسرائيلية, منها على سبيل المثال لا الحصر كلمة "Condemn " ومعناها تدين أو تشجب, وكلمة "Humilation" ومعناها: إذلال-مهانة-وما هو لافت للنظر, أن التصريحات الدبلوماسية الأميركية, هي تصريحات يقوم بإعدادها لفيف من الخبراء, وتخضع مفرداتها للفحص الدقيق, وفي هذا الخصوص, فقد كان المثير لاهتمام الخبراء بأن ورود كلمة "Condemn " وكلمة "Humilation" هذا أمر يحمل وينطوي على دلالة خاصة, طالما أن معطيات خبرة تاريخ التصريحات الدبلوماسية الأميركية إزاء إسرائيل على مدى الـ63 عاما الماضية لم تشهد استخداما لهاتين المفردتين.
ردود الفعل الإسرائيلية: تباينت توصيفات التقارير والتحليلات السياسية الإسرائيلية إزاء ما قامت به الحكومة الإسرائيلية من تصرفات خلال زيارة السيناتور جو يايدن نائب الرئيس الأميركي لإسرائيل, فقد اتفقت كل التوصيفات الإسرائيلية بأن الأداء السلوكي الإسرائيلي كان خاطئا, ولكن هذه التوصيفات تباينت في تفسير الدوافع, وتصور التداعيات, واقتراح المعالجات, في هذا الخصوص, نلاحظ المواقف الإسرائيلية الآتية:
• فسرت بعض التحليلات, بأن الحكومة الإسرائيلية قد أخطأت في اختيار التوقيت, وكان يمكن أن تقوم بتأجيل القرار, أو إصداره قبل الزيارة.
• فسرت بعض التحليلات, بأن الحكومة الإسرائيلية تعاني من ظاهرة صراع الأجنحة داخل الائتلاف الحاكم, ولما كان جناح حزب العمل بزعامة أيهود باراك يسعى إلى تقديم التنازلات لمطالب الإدارة الأميركية, وكان جناح الليكود بزعامة نتنياهو يسعى للمساومة والمناورة, فإن جناح المتشددين المكون من حزب إسرائيل بيتنا وحزب شاس سعى من خلال وزير الداخلية الإسرائيلي التابع لحزب شاس, بإصدار قرار بناء وتوسيع المستوطنات, وذلك لقطع الطريق وحرمان السيناتور بايدن من الحصول على أي تنازلات إسرائيلية.
على خلفية هذه التفسيرات المتباينة, فقد تواتر ظهور التحليلات الإسرائيلية المتباينة إزاء ضرورة السعي الإسرائيلي لاحتواء هذه الخلافات قبل استفحالها, وبرغم ذلك وإن كانت هذه التحليلات قد اتفقت في مدى خطورة هذه الخلافات في حالة تصاعدها, فقد اختلفت إزاء تحديد أسلوب المعالجة والاحتواء, حيث طالبت بعض التحليلات السياسية بضرورة السعي من أجل تبرير السلوك الإسرائيلي الخاطئ بأنه كان غير مقصود, وبأنه لا يعبر عن رغبة إسرائيلية في إهانة واشنطن, وإنما هو سلوك يعبر عن مدى وجود الخلافات داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم, وعلى الجانب الآخر, طالبت بعض التحليلات السياسية الأخرى, بضرورة السعي من أجل معالجة السلوك الإسرائيلي الخاطئ عن طريق تعديل الموقف الإسرائيلي بما ينسجم مع الموقف الأميركي.
مفاعيل الخلافات الأميركية-الإسرائيلية:
تشير المعطيات والوقائع إلى أن مفاعيل الخلافات الأميركية-الإسرائيلية, قد بدأت منذ لحظة تصاعد التواترات داخل الإدارة الأميركية الجمهورية السابقة, فقد سعى الإسرائيليون إلى مطالبة إدارة بوش بعدم اعتماد تقارير وتخمينات أجهزة المخابرات الأميركية إزاء منطقة الشرق الأوسط, واعتماد تقارير وتخمينات المخابرات الإسرائيلية بدلا من منها, طالما أن إسرائيل هي الحليف الرئيسي الاستراتيجي لأميركا في منطقة الشرق الأوسط, وأيضا لأن الأجهزة الإسرائيلية هي الموجودة والمعنية بالفعل أكثر من غيرها بالشؤون الشرق أوسطية, وعندها برزت الخلافات داخل الإدارة الأميركية بين جناح يقوده ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي) داعم لوجهة النظر الإسرائيلية, ووزيرة الخارجية كوندليزا رايس-وزير الدفاع روبرت غاتز المعارض لوجهة النظر الإسرائيلية.
تزايدت فجوة الخلافات الأميركية-الإسرائيلية, وتحديدا حول ملف إيران النووي, وملفات الصراع العربي-الإسرائيلي, وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى المحطات الأخيرة في مسيرة قاطرة الخلافات الأميركية-الإسرائيلية:
• المحطة الأولى: في الأسبوع الأخير من الشهر المنصرم, وتحديدا في يوم 26 شباط الماضي قدم وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال أيهود باراك محاضرة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, التابع للوبي الإسرائيلي, أكد فيها, وبكل وضوح وجود فجوات متعددة بين المواقف الأميركية والمواقف الإسرائيلية إزاء عملية سلام الشرق الأوسط, وإزاء أزمة الملف النووي الإيراني, وأوضح الجنرال باراك في محاضرته قائلا, بأن فجوات المواقف الأميركية-الإسرائيلية إزاء ملف إيران النووي تتمثل في الآتي:
- الفجوة الأولى: لم تعتمد إدارة أوباما حتى الآن استراتيجية واضحة محددة لجهة مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
- الفجوة الثانية: توجد خلافات بين الإدراك الإسرائيلي والإدراك الأميركي حول مدى خطورة البرنامج النووي الإيراني.
- الفجوة الثالثة: توجد خلافات بين الرأي النهائي الإسرائيلي والرأي النهائي الأميركي تجاه ملف البرنامج النووي الإيراني.
- الفجوة الرابعة: توجد خلافات بين النخب الداخلية الإسرائيلية, وأيضا خلافات بين النخب الداخلية الأميركية, ففي حين ترى الأغلبية الإسرائيلية بان المواجهة مع إيران تمثل الخيار الضروري, فإن الأغلبية من الأميركيين ترى عدم ضرورة هذا الخيار.
- الفجوة الخامسة: توجد خلافات حول مدى كفاية القدرات اللازمة لمواجهة واحتواء البرنامج النووي الإيراني, بحيث يرى الإسرائيليون بان القدرات المتوافرة حاليا لدى إسرائيل غير كافية لقيام تل أبيب بعملية الاحتواء, فإن الأميركيين لا يرون ضرورة لدعم تل أبيب بالمزيد من القدرات, طالما أن واشنطن سوف تظل ملتزمة بحماية أمن إسرائيل والدفاع عن إسرائيل إذا تعرضت للخطر.
- الفجوة السادسة: توجد خلافات حول القيام بعملية تنسيق الخطوات الأميركية, مع الخطوات الإسرائيلية, وذلك لأن الإسرائيليين أصبحوا عمليا ونظريا غير قادرين على القيام بتنسيق المواقف في تل أبيب بما ينسجم مع المواقف في واشنطن.
تمثل النقطة المحورية في محاضرة أيهود باراك في أن إسرائيل لن تستطيع مسايرة واشنطن, وذلك لأن تل أبيب أصبحت تنظر إلى الموقف الأميركي باعتباره يهدف إلى إلزام تل أبيب بخيار وحيد, وهو: تجنب قيام إسرائيل بأي عمل عسكري ضد إيران, طالما أن مثل هذا العمل وفي هذا الوقت سوف تترتب عليه تداعيات خطيرة على وجود ومستقبل استمرار المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
• المحطة الثانية: بدأت خلال زيارة السيناتور الأميركي جو بايدن الأخيرة لإسرائيل, وعلى وجه الخصوص عندما أعلنت وزارة الداخلية الإسرائيلية قرار بناء المستوطنات الإسرائيلية الجديدة, بشكل متزامن مع لقاء جو بايدن-نتنياهو, فقد كان بايدن يسعى إلى حث نتنياهو على ضرورة التعامل بإيجابية إزاء ملف مفاوضات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية, وبالمقابل كان نتنياهو يسعى لمقايضة الطلب الأميركي, بما يتيح له عقد صفقة تتضمن تقديم التنازلات الإسرائيلية مقابل حصول تل أبيب على التنازلات الأميركية إزاء الملف الإيراني, ومن ثم فقد جاء قرار تل أبيب ببناء المزيد من المستوطنات بشكل صدمة قاسية للجهود الأميركية, وفي الوقت الحرج.
تقول التسريبات الصادرة اليوم, بواسطة بعض المصادر الإسرائيلية, بأن لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية, (الإيباك) والتي تمثل كبرى منظمات اللوبي الإسرائيلي, قد أصدرت بيانا شديد اللهجة, وجهت فيه المزيد من الانتقادات لموقف الحكومة الأميركية, والذي وصفته بأنه موقف لا ينسجم مع طبيعة وخصوصية العلاقات الأميركية-الإسرائيلية, وإضافة لذلك, فقد وصف بيان منظمة الإيباك, تصريحات المسئولين الأميركيين الأخيرة, بانها تصريحات غير مسئولة, وبالتالي, فإن التطورات الجارية الحالية في أوساط الإدارة الأميركية, سوف تؤدي إن استمرت إلى تهديد العلاقات الإسرائيلية-الأميركية.
وفي تطور دراماتيكي جديد, فقد اتصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون, برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو, تلفونيا, مساء الجمعة الماضي وتحديدا, بعد يوم واحد من عودة نائب الرئيس الأميركي السيناتور بايدن إلى إسرائيل, وطالبت بنيامين نتنياهو بالتنفيذ للمطالب الأميركية العاجلة الآتية:
• إجراء التحقيق في الأسباب التي أدت إلى عملية إعلان الحكومة الإسرائيلية عن بناء المزيد من المستوطنات خلال وجود نائب الرئيس الأميركي بايدن في إسرائيل, وإخطار واشنطن برد رسمي حول الأسباب: هل هي مقصودة أم أنها لم تكن مقصودة, ولماذا.
• إلغاء قرار بناء 1600 وحدة سكنية الأخير المتعلق بتوسيع المستوطنات.
• تقديم المزيد من التلميحات الإيجابية للفلسطينيين, بما يدفع الفلسطينيين إلى القبول بإعادة استئناف المفاوضات, واقترحت أن تتضمن التلميحات: إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين-سحب القوات الإسرائيلية من بعض مناطق الضفة الغربية وتسليمها للسلطة الفلسطينية-تخفيف الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة-إزالة بعض الحواجز التي أقامتها إسرائيل في الضفة الغربية.
• إصدار بيان رسمي بأن المحادثات الإسرائيلية مع الفلسطينيين, برغم أنها تتم بشكل غير مباشر, فإنها سوف تدور حول القضايا الجوهرية المتمثلة في: ملف الحدود-ملف اللاجئين-ملف القدس-ملف الترتيبات الأمنية-ملف المياه-ملف المستوطنات.
هذا وتقول المعلومات, بان السفير الإسرائيلي في أميركا, ميشيل عورين, قد أخبر بعض الدبلوماسيين, بان العلاقات الإسرائيلية-الأميركية قد تدهورت بشكل لم يسبق له مثيل منذ 35 عاما, وإضافة لذلك, أكدت المعلومات والتسريبات, بأن اثنين من المستشارين الرفيعي المستوى في مكتب نتنياهو, يقومان حاليا بتحركات مكوكية بين تل أبيب وواشنطن, وذلك لجهة التفاهم مع بعض كبار المسئولين في الإدارة الأميركية, من أجل احتواء حالة الخلافات الجارية, وفي تل أبيب, فقد سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن يحمل محمل الجد مطالب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الأربعة. وفي هذا الخصوص شكل مجموعة استشارية تتضمن سبعة وزراء إسرائيليين من أجل التفاهم حول كيفية التعامل مع المطالب الأميركية الأربعة, والتي تتضمن ملف التفاوض حول القدس, وهو الملف الذي يرفضه حزب ساش وحزب إسرائيل بيتنا, ويهددان بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية في حالة قبولها به, فإلى أين سوف يتجه نتنياهو, هل سيقبل بالإهانة الأميركية مقابل الإهانة الإسرائيلية, أم أن حمار نتنياهو سوف يقف أمام العقبة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد