تقليد الماركات المرتكبون كثر والضحايا المستهلك وبائع المفرق
حملة مداهمات.. هذه المرة على محلات في محافظة اللاذقية وسبقتها حملات أخرى في حمص, وغيرها من المحافظات.
المقصود مصادرة البضائع, ومخالفة من يبيع قطعاً أو سلعاً مقلدة لمنتجات إحدى الماركات العالمية, سواء كانت مهربة أو منتجة داخل القطر, والقائم على الحملة وحماية الملكية الصناعية من وزارة الاقتصاد.
أصحاب هذه المحلات هم الحلقة الأخيرة في تسويق منتج مخالف, لان هناك: (مستورد, تاجر جملة, نصف جملة), قبل أن نصل إلى تجار المفرق الذين تستهدفهم الحملات, ومعظم هؤلاء يعملون برأسمال محدود, وغالباً لديهم تكاليف عالية أهمها إيجار المحل, والضرائب فأجور العمال والنفقات الأخرى وأغلبهم أيضا محكومون بآلية عمل.
نسأل بعض هؤلاء:
-لماذا تبيعون سلعاً مخالفة ويمكن أن تعرضكم للمخاطر؟
* لأنها سلع مطلوبة وإذا لم يجدها الزبون في هذا المحل فسيبحث عنها في أماكن أخرى ويجدها, أي أن السلع التي تحمل اسم ماركة- حتى وان كانت مزورة- مرغوبة ويسهل تسويقها, واصلاً محلاتنا لا تعمل دون هذه السلع, ونظراً للتكاليف المرتفعة نحتاج لدخل عال كي نستطيع الاستمرار, فمثلاً هذا المحل لأربعة اخوة يعيشون على دخله, ويضاف لذلك بدل الإيجار الذي يبلغ 15 ألف ليرة شهرياً, وإذا كان المحل لإخوتي- حسب راما العاملة في أحد المحلات- وأنا أعمل معهم فهناك محلات تدفع أجرة عمال, إضافة للضرائب والرسوم.. الخ
- من أين تحصلون على البضاعة المخالفة؟
* من السوق
- لماذا لا تقولون من هو المصدر, علماً أن المخالفة بدأت من حلقات كثيرة قبلكم؟
*لأكثر من سبب أولا: لان من يرغب بمعرفة منشأ هذه البضاعة, نعتقد انه يستطيع, وثانياً إذا فعلنا لن نجد من يعطينا في المرة الثانية, ثم انه ليس من الشائع ان يشي احد بآخر في عمليات التجارة.
-هل ستمتنعون عن تسويق السلع المقلدة للماركات؟
* هذا السؤال يعني: هل ستخرجون من السوق, لتبحثوا عن عمل آخر قد لا تجدونه كما سبق وحاولنا قبل ان نعمل في هذه المحلات.
المنتج الذي يحمل اسم ماركة, يجب أن يستخدمه المستهلك بثقة تامة لأنه يمتاز بجودة عالية تتناسب مع سعره المرتفع, ولذا تعرف الناس الأثرياء من لباسهم واستعمالهم للماركات غالية الثمن, بدأت ظاهرة تقليد الماركات بقصد تسويق منتج غالباً جودته قليلة وقد تكون معدومة, على حساب سمعة المنتج الأصلي, ولان جمهور هذا المنتج هم الأكثرية, انتشرت ظواهر (التقليد, التزوير, الغش) في كل العالم وأصبحت تشكل خطراً حقيقياً على السلع التي امتازت بالجودة والإتقان والإبداع أحيانا, واللافت أن الزبون يتآمر على نفسه ويشتري سلعة تقلد ماركة عالمية رغم قناعته بأنها مزورة, وانه يدفع ثمنها أكثر مما تستحق, ولكن ربما يحمله على ذلك الشعور بالتساوي مع أصحاب الدخول المرتفعة, كونه أحس بالفوارق الطبقية تجاههم.
ولمحاولة الإنصاف نقول: ليس كل من يسوق الماركات المقلدة هم ممن دفعتهم قلة فرص العمل لطرق باب التجارة, فهناك من هم تجار جملة ويبيعون سلعاً مقلدة للماركات بمحلات المفرق: رئيس قسم حماية الملكية في إحدى الشركات العالمية المرخصة للألبسة يقدر نسبة المحلات التي عمل أصحابها بالتجارة نتيجة المصادفة أو عدم وجود فرص عمل أخرى بنحو 60% , لكن الـ 40 % الباقية هم من التجار الكبار أو تجار الجملة, وهؤلاء يعملون بالماركات المقلدة ويحققون أرباحا كبيرة على حساب اسم الماركة, بل هناك آراء تذهب ابعد من ذلك وتقول: عن بعض شركات الماركات أنها دخلت في تجارة السلع المقلدة, كي تنال حصتها من ارباح سوق التقليد.
لسنا في وارد الدفاع عن مسوقي الماركات المقلدة.. فإنه ليس من العدل تحميل أعباء هذه المخالفات إلى تاجر المفرق, لان هناك أربع حلقات ساهمت في هذه المخالفات قبل وصول السلعة إلى المستهلك.
مدير جمارك فرع دمشق يؤكد صعوبة أو استحالة التمييز بين السلعة التي تحمل اسم الماركة الحقيقية أو المقلدة, لان الموضوع يحتاج خبرة ودراسة على مستوى عال.
في حين تؤكد مديرة التشريع والشؤون القانونية في مديرية الجمارك العامة المحامية ناريمان أنيس الشعراني, أن هناك مادة واحدة في قانون الجمارك تحارب الغش في المنشأ, وهذه المادة تطبق عند وجود شكاوى, فيحجز على البضاعة بعد الحصول على حكم محكمة, ويفرج عنها بعد عشرة أيام إذا لم يؤكد الحكم.
وتؤكد الشعراني أن الجمارك تهتم بموضوع الالتزام بالمواصفة وبغذاء المواطن وأمنه, وترى ان الإجراءات المتخذة بموضوع مواصفة الحليب مثلاً من أدق الإجراءات في العالم, وهذا في دائرة الاهتمام والمتابعة أكثر من النزول عند رغبة الشركات الكبرى التي تسعى لتوظيف الجمارك في العالم كحراس لمنتجاتها, ولكن هذا لا يعني انه لا يجري التعامل مع كل مخالفة للماركات المسجلة في سورية بحزم, رغم استحالة تأمين الحدود بشكل كامل, لاسيما القرى الحدودية التي يمتهن سكانها مهنة التهريب.
يؤكد رئيس جمعية المخلصين الجمركيين في دمشق وريفها السيد إبراهيم شطاحي ذاك الرأي, ويقول ان البضائع الغذائية المستوردة لها مواصفات مضبوطة , ولا تدخل القطر دون تحليلها, كما لا ينجز أي بيان جمركي قبل تحليل البضاعة أصولا, وبرأي شطاحي أن المخالفات غالباً لا تكون على عاتق المستورد, إنما قد يحصل سوء تخزين, أو تغيير في «الامبلاج» بهدف التلاعب بتاريخ الصلاحية.
أما بقية البضائع كالأحذية, الألبسة, الأخشاب, الموازين.. الخ, فليست لها مواصفة قياسية, ويرى أن هذا يمكن ضبطه بوجود مندوب من هيئة المواصفات والمقاييس أسوة بمندوب وزارة الزراعة والطاقة الذرية في النقاط الجمركية, وعندما يرى بالفحص الأولي أن البضاعة مطابقة للمواصفة السورية, أو ليست لها مواصفة قياسية سورية, يفرج عنها, أما إذا رأى أن البضاعة لها مواصفة استطاع مطابقتها أو لم يستطع, فتحال للمخابر, دون عرقلة العمل بتحويل أي مادة لهيئة المواصفات لان هذا يحتاج لوقت طويل في حين المخالفات لا تشكل أكثر من 10-15% من مجموع البضائع المستوردة.
يضيف شطاحي: ان التهريب لا يكافح بالجمارك والملاحقة, لكن الأهم بالوضع الاقتصادي والمالي, كتخفيض الرسوم ومقارنتها مع الدول المجاورة, فمثلاً أكثر المواد المغشوشة والمهربة هي المشروبات سواء كانت كحولية أو غازية, لان رسومها في سورية تتجاوز الـ100 %.
لم يكن موضوع حماية الملكية الصناعية جديداً على سورية, فبعد الاستقلال وفي عام 1947 نظم عمل حماية الملكية بوزارة الاقتصاد, وكان قانون46 لعام 1947 التشريع الثاني بعد قانون الأحوال المدنية, ما يشير إلى أهمية هذا الموضوع في ذلك الوقت.
منذ ذلك التاريخ, وحتى العام 2007 بقي هذا القانون هو الوحيد الذي يعالج هذه القضايا, ربما بسبب نوع الاقتصاد السائد خلال تلك الحقبة, ولكن بعد انفتاح الأسواق, ودخول استثمارات أعطيت قيمة كبيرة مضافة للعلامة التجارية, التي تعتبر كما يقول مدير حماية الملكية الصناعية بوزارة الاقتصاد جميل أسعد من أهم الأصول المعنوية للشركات ومن أهم مكونات الرأسمال الفكري لها, ومن هنا صدر القانون رقم 8 لعام 2007 الذي عدل عمل تشريع حماية الملكية من نظام الإيداع (تسجيل على مسؤولية المودع) إلى نظام: فحص نشر اعتراض, اذ يتم فتح المجال لدراسة العلامة والاعتراض عليها من قبل أصحاب المصلحة, ويرى أسعد أن هذا النظام الحديث متوافق مع المعايير الإعلامية, اذ نظم القانون معالجة انتهاكات حقوق الملكية, من خلال تخصيص إحدى غرف محكمة البداية لهذا الموضوع, وعن طريق الضابطة العدلية الموجودة في حماية الملكية بوزارة الاقتصاد.
في سورية 125 ألف ماركة محلية تخص السلع المنتجة في سورية كما يؤكد مدير حماية الملكية, ويقول: إن هذا العدد يساوي عدد الماركات المسجلة في مصر مثلاً, رغم فارق عدد السكان بين البلدين..
يضيف اسعد: إن المديرية يصلها سنوياً نحو 200 شكوى تقليد أو تزوير علامات تجارية, ورسوم ونماذج صناعية وبراءة اختراع, ويؤكد أن حجم المخالفات في السوق السورية من اقلها عالمياً, وان البضائع المزورة الموجودة في السوق السورية, لها صفة العبور وليس التصنيع, وهذا ما رفع سورية إلى المرتبة 30 على مستوى العالم وفقاً لتقرير التنافسية العالمية, في موضوع حماية الملكية, ويرى مدير حماية الملكية أن هذا يشجع الشركات العالمية على الاستثمار في سورية, لاسيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية, التي تسببت بانخفاض كبير في أسعار المنتجات وخصوصاً الماركات, ودفع بهذه الشركات للبحث عن أسواق جديدة لتصريف منتجاتها, مؤكداً أن عدد الطلبات الشهري للحصول على حقوق حماية الملكية في وزارة الاقتصاد نحو 2000 طلب لماركات وشركات جديدة تدخل سورية إضافة لتطوير الماركات الوطنية.
تنتشر المخالفات في كل محافظات القطر, ولكن رئيس قسم حماية الملكية لشركة عالمية يؤكد أن اكثر المخالفات الخاصة بشركته تتركز في دمشق وحلب, وهي مخالفات مستوردة أكثر منها مصنعة محلياً, ويرى أن آلية العمل السائدة حالياً لا تردع المخالفات كما يجب, فإجراءات المخالفات تستغرق وقتاً طويلاً, يساهم في استمرارها , لاسيما مخالفات المعامل المنتجة للماركات المقلدة, والتي تحقق أرباحا سريعة دون تكاليف على حساب الماركة الحقيقية وتتهرب من الالتزامات المالية والضريبية.
من جانبه مدير مكتب دمشق لأحد فروع الشركات الأجنبية المتخصصة بحماية الملكية الصناعية, لنحو 10 آلاف وكالة, يؤكد أن أكثر المواد المقلدة في سورية هي المواد التي يسهل تقليدها كالمنظفات, والألبسة, والعطورات والمواد الغذائية.. الخ. توزع هذه المواد ضمن فئات يصل عددها إلى 45 فئة.
يتابع مكتبه سنوياً نحو 30-40 قضية, ويؤكد أن سوية القانون السوري جيدة كما كل الدول, ولكنه يرى أن البطء في التنفيذ يساهم في إلحاق الضرر بالمستهلك كما مالك العلامة التجارية.
لدى حماية الملكية ما يسمى بضباط عدلية, هؤلاء يتابعون ميدانياً الشكاوى التي تصلهم من النيابة العامة, بعد أن يتقدم محامي الشركة باستدعاء للنيابة العامة من وكالة الشركة الأم أو فروعها في سورية.. وعن مخالفة الحلقة الأخيرة (بائع المفرق) قال محامي شركة عالمية مشهورة انهم يأخذون ظروف المخالف بعين الاعتبار, ولكن بكل الأحوال مهمتهم حماية سمعة الماركة, أما مدير حماية الملكية, فيؤكد أنهم يرصدون المنتج أو الحائز وعندما يصلون للمصدر يتركون الحلقات الأضعف.
لا تقتصر ظاهرة التقليد أو التزوير أو التهريب على بلد دون آخر, فهذه الظواهر موجودة في كل دول العالم.. الرئيس التنفيذي لمؤسسة حماية المستهلك العالمية في تصريحات إعلامية, يقدر قيمة البضاعة المقلدة والمغشوشة في الدول العربية بنحو 50 مليار دولار, ويقدر قيمتها في دول مجلس التعاون الخليجي بين 6-9 مليارات دولار, وتصل لنحو15 مليار ريال سنوياً في السعودية. في حين تقدر مؤسسات دولية كمنظمة التجارة العالمية, ومنظمة الجمارك الدولية حجم السلع المقلدة والمغشوشة بما يتراوح بين 7-10% من الإجمالي العالمي لتجارة السلع المصنعة. ويقدر الاتحاد الأوروبي قيمة البضائع المقلدة في العالم بنحو330 مليار دولار سنوياً.
والمشكلة أن التقليد يطول الدواء, وهنا تكمن المخاطر الكبيرة لهذه الظاهرة, فمنظمة الصحة العالمية تقدر نسبة الأدوية المقلدة في السوق العالمية بـ 10%, وتعتقد أن أكثر من 25% من الأدوية المستهلكة في البلدان النامية مقلدة.
أما عن حجم هذه الظاهرة في سورية فيربط الدكتور عابد فضلية- نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق بين حجم الظاهرة ومدى انتشار اقتصاد الظل, لأنه لا توجد معايير أخرى للقياس أو احصاءات مؤكدة, لذلك يمكن الادعاء بان حجمها يعادل 40% من حجم النشاط الاقتصادي, فكلما زاد حجم اقتصاد الظل غير الرسمي في بلد ما, زاد حجم الظاهرة والعكس صحيح.
ويرى الدكتور فضلية أن هذه الظاهرة تنتشر بشكل اكبر في الدول النامية وذلك لعدة أسباب:
-ضعف الرقابة على المنتجات في السوق.
- ضعف القدرة على إبداع منتجات مقنعة للمستهلكين.
-خلل سوقي ووجود اقتصاد ظل بعيد عن الرقابة, وغير مرخص يمارس أعمالاً غير نظامية بعيدة عن الرقابة.
يضيف فضلية أن هذه الظواهر تزداد عموماً خلال مراحل الأزمات الاقتصادية والتضخم وانتشار الفقر وضعف القدرة الشرائية, حيث يتم اصطياد مزيد من الزبائن بصنارة الأسعار المنخفضة, إذ يبحث المستهلك عن السلعة الأرخص دون التدقيق في المنشأ, أو الاكتراث بالنوعية.
يميز الدكتور عابد بين ظواهر: الغش, التقليد, والتزوير, ويرى أن أخطرها واكرهها هو الغش, ويرى ان آثار هذه الظواهر تقع على فريقين:
- المستهلك الذي يحصل على نوعية ذات منفعة وقيمة استعمالية اقل مما ضحى به, وهذا غبن يقع عليه, نتج عن الربح غير المشروع للبائع من الفرق بين مادفعه من جهة وماحصل عليه من جهة أخرى.
-المتضرر الآخر هو صاحب الماركة الأصلية, والمنتج الأصلي الذي يساء إلى ماركته, ومنتجه, ومن ثم سمعته ويقلص من حجم مبيعاته, والإضرار بوجود المنتج الأصلي بالسوق من مبدأ أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.
أما الآثار على مستوى الاقتصاد الوطني فهي انتشار الأنشطة غير الرسمية والمخالفة وغير المرخصة, التي تهرب من الضرائب, وغالباً ما ينشط هذا مع انتشار اقتصاد الظل, ومناطق المخالفات.
كما يضيف د. فضلية: إن حجم أي ظاهرة مشوهة في أي بلد يتناسب عكساً مع مستوى التطور الاقتصادي, الاجتماعي, الثقافي من جهة, مع المرحلة التي يمر بها البلد من جهة أخرى, انتقالية أو تطويرية إصلاح, لذلك فإن مرحلة التطور والانتقال من مرحلة لأخرى تكون مليئة بالتناقضات والسلبيات التي تعد مناخاً مناسباً لانتشار الظواهر المشوهة, وما يختص بالظواهر المشوهة في السوق السورية, يرتبط إلى حد كبير بكون الاقتصاد يمر بمرحلة انتقالية من اقتصاد مخطط إلى مرحلة أكثر وضوحاً وبالتالي يفترض أن تكون المظاهر المشوهة اقل في المرحلة اللاحقة, ومنها الغش, التزوير, التقليد.
يسرى ديب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد