باريس تلوّح بورقة الجنسيّة
قبل شهرين، توعّد وزير الداخلية الفرنسي بريس هورتفو المواطن إلياس حباج بملاحقته ونزع الجنسية عنه بتهمة تعدد الزوجات والاحتيال للاستفادة من المساعدات الاجتماعية. وأمس، أعلن المدعي العام في مدينة نانت (غرب فرنسا) كزافييه رونسان وضع حباج تحت المراقبة القضائية مع إلزامه بتسليم جواز سفره ومنعه من مغادرة البلاد، إضافة إلى دفع كفالة قيمتها عشرة آلاف يورو. وأوضحت دوائر المدعي العام أن أربعاً من «رفيقات حباج»، بينهن زوجته الشرعية، سيستدعين أمام القضاء بتهمة التزوير للحصول على مساعدات اجتماعية، وبعضهنّ أيضاً بتهمة الاحتيال.
وكانت «قضية حباج» قد حظيت بضجيج إعلامي كبير، بعدما غُرّمت «منقّبة فرنسية تقود سيارة» بحجة أن طريقة لبسها «تحدّ من قدرتها على الرؤية». وعندما نددت الفتاة بالغرامة واعتبرتها «انتهاكاً لحقوق الإنسان»، وقف حباج، وهو جزار جزائري المولد، حصل على جنسيته بعد زواجه بفرنسية عام ١٩٩٩، إلى يمينها على أساس أنه زوجها.
وعندها سلط الضوء عليه هورتفو، الذي دفع قبل أسبوعين غرامة مقدارها 750 يورو بسبب تصريحات عنصرية، وطلب «نزع جنسيته (لحباج) الفرنسية» بحجة تعدد الزوجات (٤) تحصل كل منهن على مساعدات اجتماعية من الدولة على أنها أم عزباء لإعالة إبنائه الاثني عشر. وقد نفى حباج مسألة تعدد الزوجات بقوله «إن له زوجة واحدة وعدة خليلات»، وتهكم يومها على الوزير بقوله «إذا كان من الممكن تجريد المرء من جنسيته الفرنسية لأن له خليلات فسيفقد كثير من الفرنسيين جنسيتهم». وحينها قال فرانك بوزيك، محامي حباج، إنه لا يستبعد إقامة دعوى تشهير ضد هورتفو.
وما إن جاء «أخيراً» خبر ملاحقة حباج، حتى دعا هورتفو إلى مؤتمر صحافي ليعلن فيه أنه سوف يسعى إلى تعديل قوانين التجنس. ورأى أن ما يحصل يؤثر على مسيرة المجتمع الفرنسي، واتهم حباج بأنه «استغل المساعدات الاجتماعية للحصول على عشرات الآلاف من اليورو». ووعد بأن يعمل على «سد الثغر» التي تسمح للبعض باستغلال نظام الإعانات.
وصرح مصدر مقرّب من هذا الملف بأن هورتفور سوف يسعى إلى محاربة «تعدد الزوجات بالفعل بهدف الاستفادة من الإعانات الاجتماعية»، وأنه سوف يعمل بالتوافق مع الوزارات المعنية على «تكييف قانون التجنس».
وكان وزير الهجرة إيريك بيسون قد ذكر أن «من الصعب نزع جنسية ما لم يكن هناك موجبات قانونية»، مضيفاً «إذا رأى الفرنسيون هذا تعدداً للزوجات يمارس بطريقة احتيالية فينبغي عدم السماح بالإعانات». واستطرد بأن «من الممكن تغيير القانون».
وبالطبع، يسمح القانون الحالي بتجريد الشخص من جنسيته إذا كان قد حصل عليها بواسطة الغش. وفي حالة حباج مثلاً أن يكون قد «أخفى أنه متزوج سابقاً عندما تزوج المرأة الفرنسية». أما اتخاذ العشيقات فليس من الأمور غير المألوفة في فرنسا، حيث أخفى الرئيس السابق فرانسوا ميتران لسنوات أن له أسرة ثانية.
وخلال هذه الفترة، أقرت الحكومة الفرنسية مشروع قانون يحظر تغطية وجه المرأة في الأماكن العامة، رغم تحفظات بعض القانونيين، وخصوصاً مجلس شورى الدولة. ومن المقرر أن يناقش هذا القانون في البرلمان في تموز المقبل، إلا أن من المنتظر أيضاً أن يرده المجلس الدستوري. وتوجه اتهامات كثيرة إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنه يسعى بعد هزيمته في الانتخابات المحلية الشهر الماضي إلى إحياء لهجة متشددة تجاه القانون والنظام، وهو ما ينال إعجاب الكثير من ناخبيه تجاه المهاجرين على نحو خاص لاستمالة اليمين المتطرف تحضيراً لمعركة الرئاسة بعد سنة وبضعة أشهر.ويقول رئيس مجلس مسلمي فرنسا، محمد موسوي، إن رئيس الوزراء أكد للمجلس «أن الحكومة ستفعل كل ما في وسعها لمنع أي وصم للمسلمين» وضمان ألا تتضمن الأوامر التطبيقية للقانون الخاص بالنقاب أي إشارة الى الشق الديني من الموضوع. ومن المعروف أن المجلس يعارض النقاب ولا يعتقد أن الحظر مفيد، ويرى أن النقاش بشأن النقاب والبرقع يضر بصورة المسلمين، وينتقد من حين لآخر عدم تعليق الحكومة والسياسيين على ما يمكن أن يصيب الطائفة المسلمة الفرنسية (مهانة مساجد أو تدنيس المقابر التي تتسارع وتيرتها) ويشيرون إلى التباين مع سيل التصريحات بشأن أسرة حباج، أو المبرقعات. ويرى الموسوي أن هذا «النوع من الإعلام غير المتوازن ينذر بخلق حالة من الإحباط والتوتر بين أبناء الطائفة الإسلامية».
وحسب بعض الإحصائيات «غير الرسمية» التي صدرت عن اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، هناك في فرنسا ما بين ١٦ و٢٠ ألف «عائلة متعددة الأزواج»، أي نحو ١٨٠ ألف شخص. ومعظم هؤلاء من أفريقيا وأقلية من العرب المهاجرين، وأن هذه الظاهرة بدأت تتفشى في دوائر السلفيين. حتى قانون ١٩٩٣ الذي منع تعدد الزوجات على الأراضي الفرنسية، كان يمكن المهاجرين من الاحتفاظ بزوجاتهم المتعددات. وقضى القانون «بهجر الزوجات الزائدات»، وإلا يفقد العامل المهاجر حقوقه ويطرد من الأراضي الفرنسية. إلا أنه حسب معلومات مستقاة من وزارة الداخلية، فإن عدد حالات الطرد محدود جداً، وكذلك عدد حالات «هجر الزوجات». ويقول أحد العاملين في هذا الشأن إن «عدم الإلحاح يعود إلى عدم قدرة الشؤون الاجتماعية على تأمين مسكن للنساء المهجورات»، ما أبقاهنّ في وضع «تعدد زوجات غير رسمي» مع الاستفادة من الإعانات الاجتماعية «التي غالباً ما تذهب إلى جيب الزوج» حسب قوله.
محاكمة الحجاب
قبل يوم من الإعلان عن إطلاق ملاحقات قضائية بحق إلياس الحباج، «كسرت» محكمة الاستئناف حكماً سابقاً لمحكمة بدائية كان لمصلحة مركز تدريب مهني طرد طالبة لأنها رفضت خلع حجابها. وحكمت على المركز بغرامة قدرها ٣٧٧٥ يورو وعلى مديرة المركز بغرامة قدرها ١٢٥٠ يورو وعلى مصلحة التدريب المهني بدفع بدل عطل وضرر معنوي قدره ١٠٥٠٠ يورو للضحية «بسبب التمييز في المعاملة»، حيث ثبت حسب حيثيات الحكم بأن الطالبة «لم ترتد الحجاب بهدف التبشير والدعوة». وذكر المدعي العام بأن القانون لا يمنع الحجاب ما دام أنه لا يسبب إخلالاً بالنظام العام. وفي بلجيكا، أولى الدول الأوروبية التي سنت قانوناً ضد البرقع، دخلت محكمة الاستئناف أيضاً على الخط لنصرة أستاذة تعليم رياضيات في مدرسة حكومية رفعت دعوى بسبب طردها من عملها بحجة ارتدائها الحجاب. وقد أقرّت المحكمة البدائية حقها في «ارتداء الحجاب بما أنه لا وجود لقانون يمنع ذلك» في المدارس الرسمية.
بسام الطيارة
المصدر: الأخار
إضافة تعليق جديد