درجات الألم وتأثير الشيفرة الوراثية بين شخص وآخر
منا من يتألم لمشهد طفل يستجدي. ومنا من يتألم لخدش بسيط، ومنا من لا يتألم إلا عندما يكون الجرح بليغاً. فخلافاً لضغط الدم والحرارة والعوامل الأخرى التي يسهل تعريفها، من الصعب أن يتم التعرف على ردود الأفعال الجسدية للمحفزات «غير السارة»، لأنها تختلف باختلاف البشر، ما يجعل «الألم مسألة بحت خاصة».
هذا ما اكتشفه العلماء خلال أبحاثهم عن الألم والأسباب التي تجعله يختلف من شخص لآخر، محاولين إيجاد علاجات فردية لبعض الأمراض «المؤلمة».
وعزا العلماء التباين في تجاوب البشر مع الألم إلى «أسباب نفسية، أو بيولوجية، أو ربما إلى التوقعات المسبقة التي تختلف من شخص إلى آخر، أو الظروف الاجتماعية، أو الوراثية، أو الهرمونات، وحتى ساعات النوم».
كما تبيّن أن للجينات دوراً بارزاً في تحديد كيفية تلقي الألم، ذلك أن جميع الأجزاء الصغيرة في الجهاز العصبي، مبنية بناء على تعليمات الشيفرة الوراثية، والتي تختلف قليلا من شخص لآخر. لكن، من الممكن أن تتشابه الجينات عند بعض الأشخاص. فمثلا، قد يشبه فتى باكستاني بإمكانه تمرير سكين على طول ذراعه من دون أن يتألم، سيدة صينية خبرت قدرة هائلة على تحمّل ألم الحرق، فكلاهما يتمتعان بطفرات في الجينات نفسها، والتي تسمى «اس.سي.ان.9.آي»، وهي عبارة عن جينة تحمل شيفرة لنوع خاص من جزيئة قناة الصوديوم، على سطح الخلايا العصبية. وتسمح هذه القناة بإرسال إشارات إلى الدماغ تفسر الألم. كما وجد الباحثون في دراسة، أن الأشخاص الذين يملكون تباينات طبيعية في الجينات يستطيعون أن يشعروا بدرجات عالية من الألم.
كما تبيّن أن درجات الألم تختلف مع تقدم العمر. وخلافا للمعتقد السائد بأن الأطفال لا يتألمون، قال أستاذ ورئيس قسم التشريح في جامعة «كاليفورنيا سان فرانسيسكو» ألان بسبون، وهو رئيس تحرير مجلة «الأم»، إن «الأطفال لا يتألمون فقط، بل كلما تعرضوا للألم كلما تأثر مفهومهم له عندما يتقدمون في السن».
وأظهرت الدراسات أن المسنين لا يشعرون بالألم جراء بعض الأمراض الخفيفة، كالحرارة، ذلك لأن الأعصاب الطرفية تصبح أقل حساسية مع التقدم في العمر. لكنهم في المقابل، يكونون أكثر حساسية لآلام العضلات.
بدوره، يلعب الاكتئاب دوراً في درجات الإحساس بالألم. وبعكس الاعتقاد السائد بأن الكآبة تخفف من الآلام، يؤكد عالم النفس وأستاذ طب المجتمع والعلم السلوكي في جامعة «فلوريدا» روجيه فيلينجم أن الاكتئاب يزيد من الشعور بالألم. ولا يقتصر هذا الأمر على الأشخاص الذين يعانون من كآبة حقيقية، بل يتأثر أيضاً الأشخاص الذين لا يشعرون بالسعادة لفترات قصيرة.
كالمزاج، يتأثر النوم بكيمياء الدماغ، إذ غالبا ما ترتبط عوامل الألم المزمن، مثل أعراض القولون العصبي باضطرابات النوم. واكتشف باحثون من جامعة «جونز هوبكنز» أن الأشخاص الذين يعانون من نوع معين من الأرق يعانون من درجات خفيفة من الألم، على عكس الأشخاص الذين يعانون من الأرق المستمر والحاد.
أما في ما يخص الهرمونات عند الرجال والنساء، فقد أظهرت الدراسات أن درجات الألم تختلف عند الرجال والنساء، حيث تبدو النساء أكثر تحملاً وقبولاً للألم. والسبب في ذلك يعود إلى اختلافات بيولوجية ونفسية.
أيضاً، يلعب العرق دوراً في تفاوت درجات الألم من شخص لآخر. ففي الولايات المتحدة مثلا، تعاني الأقليات من الألم أكثر من الغالبية البيضاء غير اللاتينية. ومع ذلك، لا تتلقى هذه الأقليات العلاجات الكافية مثل غيرها من الأعراق مما يجعلها أكثر عرضة للألم المزمن. ومن المرجح أن يعود السبب في هذه الاختلافات إلى العوامل البيئية والثقافية أكثر من البيولوجية.
أخيراً، تلعب العوامل النفسية دوراً في تحديد درجات تحمل الآلام. في هذا الإطار، يوضح فيلينجم «أنه كلما توقع الناس أن يشعروا بالألم أكثر، كلما أحسوا به، والعكس الصحيح». وتنطبق هذه المقولة على العلاجات الصورية والعلاجات الحقيقية. فحين يتوقع المريض أن العلاج سينجح، فإنه ينجح فعلاً، أو على الأقل على نحو أفضل مما لو توقع الشخص أن العلاج لن ينفع.
عن «لوس أنجلس تايمز»
إضافة تعليق جديد