الأخطاء الطبية ملفٌّ يجب أن يبقى مفتوحاً
يعود مسلسل الأخطاء الطبية من جديد ليتابع حلقاته مع أناس ذهبوا هذه المرة ضحية سوء التشخيص، والنسيان، والإهمال، لتسجّل القضية، في نهاية المطاف، تحت مسمّى «أخطاء طبية»، ولكن من المؤسف أنّ هذه الأخطاء اكتسبت خاصية «الشيوع»، لتجتاح الخاص قبل العام، ما يعطي مؤشراً واضحاً، من حين إلى آخر، إلى كثرة الفوضى والإهمال وتراجع مستوى الخدمة الطبية، فالعمل الطبي في الأساس عمل إنساني، قبل أن يكون عملاً علاجياً يهدف إلى تخليص الإنسان من بعض الأمراض، والتخفيف من آلامه، لكن ملف الأخطاء الطبية ـ كما يبدو للعيان ـ يجب أن يبقى مفتوحاً، وألا يغلق حتى يبتر من جذوره.
التخدير أصبح مشكلة مزمنة تتفاقم في المستشفيات العامة والخاصة، فقد ذهب ضحيّته الكثير، ليدخل ضمن قائمة الأخطاء الطبية.. فـ علي «شاب دخل أحد المستشفيات الخاصة، وهو بكامل صحّته من أجل إجراء عملية الزائدة الدودية، وهذه العملية معلومٌ أنّها عملية بسيطة، لكنّها كانت، بالنسبة إلى هذا الشاب، مميتة، وعند الاستفسار عن سبب الوفاة، وبعد الكثير من المحاولات، كانت النتيجة إعطاءه كمية كبيرة جداً من المخدر، ما أدى إلى موته، وعندما رغب الأهل في رفع شكوى ضدّ المسبب في الوفاة، أصبح كل طبيب يلقي اللوم على الآخر، وبذلك طويت القصة، ولم يحصل الأهل إلا على الحزن الدفين جرّاء ما حصل معهم».
على الرغم من كلّ الأخطاء التي تحصل، إلا أنّ الإهمال يبقى سيدها.. أم يامن تروي قصتها، ولكن ماذا ينفع الكلام الآن.. تقول: «عمري 48 عاماً، وقصّتي مع المرض طويلة، والسبب خطأ طبّي حصل منذ 23 عاماً، حيث دخلتُ إلى المستشفى وأنا حامل، وقد تمّ آنذاك نقل دم إلي، إلا أنّ هذا الدم كان مجرثماً، ورغم مواظبتي على الأدوية، إلا أنني لم أستطع التخلص من هذه الجرثومة التي كانت سبباً في إصابة إحدى الكليتين».
¶ نقل الدم
تتابع أم يامن، التي يعمل زوجها في البناء: «الآن أنا بحاجة ماسة إلى زرع كلية، لكنّ الأوضاع المالية صعبة، وزوجي هو المعيل الوحيد، وقد وقعت ضحية التشخيص الطبي الخاطئ، حيث عانيت من آلام كثيرة ومبرحة لفترات طويلة من الزمن، ففي البداية تمّ استئصال المرارة، إلا أنهم اكتشفوا بعد إزالتها أنّها سليمة، وبعد استمرار الأوجاع رجّح أحد الأطباء أنّ الألم الذي أشكو منه سببه الديسك، وأنه عليّ إجراء عملية، وبالفعل أجريت العملية، لكنّ الأوجاع مازالت مستمرة إلى الآن، وفي تزايد ، وآخر طبيب زرته قال لي إن السبب في أوجاعي الجرثومة التي حملتها من نقل الدم المجرثم، والذي سببه إهمال في فحص الدم قبل إعطائه للمريض، والآن أذهب إلى المستشفى مرتين في الأسبوع، من أجل غسل الكلية، ومن أجل أخذ حقنة خاصة بخضاب الدم».
¶ مجرد رضوض
حكاية الأخطاء الطبية لا تنتهي عند هذا الحد، فسوء التشخيص أودى بحياة الشاب زهير عزو رحيباني، فقصته مليئة بالطمع، وخالية من الإنسانية، على حد وصف أحد أقاربه، حيث قال: «أصيب زهير في حادث سير، أثناء عودته من عمله، فأسعفه من كان بقربه إلى أحد المستشفيات الخاصة في ريف دمشق، إلا أنّ كادر الاستقبال في المستشفى رفضوا دخوله إلا بعد أن يدفع مبلغاً من المال، وبينما أخبروا الأهل لدفع المبلغ للمستشفى، وبينما أخبروا الطبيب الذي تأخّر في القدوم، ثمّ جاء ليخبرنا بأنه «لا توجد كسور في الجسد، بل هي مجرّد رضوض، ولكن للتأكد أكثر اعملوا له صور أشعة»، وبينما كان يخبرنا، غاب زهير عن الوعي نتيجة امتلاء الرئتين بالدم الناتج من النزف الداخلي، حيث كانت إصابة زهير داخلية، ولم تظهر عليه آثار الأضرار الجسدية، فالتأخر في دخوله، وتشخيص حالته، وأيضاً تأخر الطبيب في معاينته، وسوء التشخيص الصحيح لحالته، كل ذلك أدّى إلى وفاته».
لاحياة لمن تنادي
أخطاء متكاثرة تنتشر اليوم انتشار النار في الهشيم، ومبدأ المواطن «لاحياة لمن تنادي».. أحمد السيد، قال: «أنا في العقد الخامس من عمري، وقصتي مع المرض باختصار، نسيان أحد الأطباء قطعة من الشاش أثناء إجرائه عملية في الساق، وبقيت هذه القطعة 7 سنوات دون معرفة سبب الآلام الكثيرة التي أصابتني بعد العملية، وقد صبرت على الألم، إلا أنني في النهاية لم أستطع السير على قدمي، وبعد أن طلب الطبيب مني صور أشعة، قال: هناك كتلة، ويجب إجراء عملية لإزالتها، وبالفعل قام الطبيب نفسه بإجراء العملية، حيث فوجئنا بأنّ هذه الكتلة هي قطعة شاش منسيّة بعد العملية الأولى، والإجراءات التي قام بها الطبيب، بعد العملية، هي دفع مبلغ من المال تعويضاً لي، كي لا أذكر اسمه، ولا أسيء إلى سمعته المهنية».
بالأرقام
يذكر أنّ عدد أطباء فرع دمشق يصل إلى حوالي 6000 طبيب، وقد صل عدد الشكاوى إلى ما يقرب من 52 شكوى في العام 2006، نصفها تجميلية، والقضاء لا ينتظر نتيجة البحث الطبي، بل يلجأ فورا إلى إيقاف الطبيب وتشكيل لجان طبية مختلفة ومن الاختصاص نفسه لمعرفة الحقيقة، ويشار إلى أنّ هناك مشروعاً للتعليم الطبي المستمر للتدريب والتأهيل، بمشاركة جهات صحية متعددة ضمن الخطة الاستراتيجية الوطنية للتطوير المهني المستمر في سورية، يلزم الأطباء والصيادلة بمتابعة التحصيل العلمي، من خلال نقاط سنوية محددة لمدة خمس سنوات، تصل إلى حدّ التأهيل لتجديد الترخيص الطبي.
¶ هاجس مرعب
جهات طبية وصفت الأخطاء الطبية بالهاجس، الذي لا يغادر المواطنين اليوم، وكثرتها دليل على كارثة قادمة لا محالة، طبيب اختصاصي في الجراحة فضّل عدم ذكر اسمه، قال: «الأخطاء الطبية هاجس مخيف يرعب المرضى لكثرتها هذه الأيام، والأخطاء الطبية عديدة، فمنها أخطاء تحدث من خلال وصفات الأدوية، ومن خلال الفحوص الطبية والعمليات الجراحية، وأيضاً هناك أخطاء في التشخيص، وأخطاء سببها ضعف الكادر الطبي من الناحية المهنية، وأخطاء تحدث في العيادات والمستوصفات والمستشفيات والمراكز الصحية، كضعف التجهيزات، وأوضح أنّ الأخطاء لا تحدث في البلدان النامية فقط، بل أيضاً في الدول المتقدمة طبياً، ففي أمريكا حوالي 100 ألف شخص يتوفّون نتيجة أخطاء طبية، والخطأ يكون مقبولاً في بعض الأحيان، ولكن إذا تعلق بمصير الإنسان، ورسم حياة مستقبلية سيّئة، كالإعاقة مثلاً، فالأمر هنا لا يسكت عنه، والناس غالباً لا يسمعون إلا عن الأخطاء الكبيرة، أمّا الخفيفة فلا تذكر كثيراً، ويكتفي الطبيب بالاعتذار من المريض» . وأضاف: «لكي نتجنب الكثير من الأخطاء الطبية علينا اختيار الطبيب بكلّ دقة، وفي حالة الشك والتردد، يجب استشارة عدة اختصاصيين، وكذلك الاستفسار عن التحاليل المخبرية والفحوصات في معالجة حالات شبيهة، مشيراً إلى أنّه من الضروري، عند إجراء أيّ عملية جراحية، الاستفهام عن تفاصيل العملية الجراحية والمنافع والأضرار والتأثيرات الجانبية التي ستنتج عنها».
المحامي نمر محرز تحدّث عن الأخطاء الطبية، قائلاً: «إنها ليست ثابتة العدد، فلا توجد إحصائية دقيقة نرتكز إليها، وأيّ شخص متضرّرٍ من خطأٍ طبيٍّ ما يقوم بالادعاء الشخصي أمام النيابة العامة، التي تقوم بدورها بإحالة هذا الادعاء إلى نقابة الأطباء، للقيام بالتحقيق المسلكي، وإصدار التقرير العلمي من أجل تقييم عمل الطبيب، الذي أقيم عليه الادعاء الشخصي، وأضاف: يتم تحريك الدعوى على ضوء كتاب النقابة ضدّ الطبيب، وذلك أمام القضاء المختص، وأوضح محرز أنّ حجم الضرر الناتج من الخطأ الطبي وجسامته هو الذي يحدّد التعويض الذي سيحصل عليه الشخص المتضرر، وعند تعديل القانون رقم 31 للعام 1981ستحل معظم المشكلات المهنية، والإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة بحق الطبيب المخالف لأصول مهنته صارمة، وتحدّ إلى حدٍّ ما من الأخطاء الطبية، وفي النهاية العمل الطبي يحتاج إلى ضمير حيّ دائماً».
ريم فرج
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد