الملصقات العشوائية: صفقة المواطن الرابحة دوماً
تكاثر عشوائي ليس له مثيل، دبَّ في كلِّ مكان من العاصمة، حتى لم يبقَ مكان إلا وعشّشت فيه الملصقات بكافة أشكالها، حيث لم يسلم حائط، أو سور، أو نقطة فراغ، من بطش المستهترين بجمال المدينة، وانتهاك حرمة القانون.. وليس هذا فحسب، بل تعدَّت الحال إلى المزاجية المطلقة، واعتبار المصالح الشخصية فوق المصلحة العامة، فكانت النتيجة تلوُّثاً بصرياً واضحاً يجتاح ممرات وأزقة وشوارع المدن، دون وجود رادع لما يحصل من أذى، فغياب العقوبة الرادعة ترك الباب مفتوحاً أمام بعضهم للتمادي في لصق الإعلانات في كلِّ مكان.. وليس ذلك فحسب، بل أصبحت جدران المدينة مكاناً لإبراز مواهب بعضهم والإعلان عنها.. وفي خضمِّ ذلك، خرجت الجهات المعنية بحملات نظافة، لا تغني ولا تسمن من جوع، مع سوق يشهد سوء تنظيم وروتيناً قاتلاً، فمَن المسؤول؟ ولماذا نشهد دوماً أنَّ غياب الوعي حاضر لدى المواطن؟.
في البداية
بعد سبات عميق، استفاقت وزارة الإدارة المحلية اليوم على مشكلة ليست بالسهلة، ولا يمكن حلُّها في ليلة وضحاها، فوجَّهت الكتاب رقم 2669/ص/ش/ف إلى محافظة دمشق، بتاريخ 25/ 5/ 2010، المتضمِّن تنفيذ إجراء حملة شاملة لإزالة كافة الملصقات والإعلانات المخالفة الموجودة في الأماكن غير المخصَّصة للإعلان، والتي تمَّت الإشارة إليها في المادتين 29 و30 من القانون 49، إضافة إلى تحديد الأماكن المخصَّصة للوحات الإعلانية ضمن البلديات والوحدات الإدارية، واتخاذ أقصى العقوبات في حقِّ المخالفين لأحكام المادتين 29 و30 من القانون 49 للعام 2004، وفقاً لأحكام المادة 38 من الفصل السابع من هذا القانون، وتحميل المسؤولية أيضاً للمطابع التي تقوم بهذه الأعمال دون الالتزام بوضعها في الأماكن المخصَّصة.
كتاب الوزارة جاء بلهجة شديدة وقاسية، ومطالباً بإنزال أقسى العقوبات في حقِّ المخالفين، لكن الوزارة تناست أنَّ العقوبات القاسية التي تتحدَّث عنها لا تتجاوز الـ500 ليرة سورية لا أكثر، والعقوبات الآخرى لا تجدي نفعاً، فكان ردُّ المحافظة؛ بأنَّ «الخطة للقضاء على ظاهرة الملصقات العشوائية في المدينة والكتابات على جدران وأسوار المدينة، بحاجة ماسة إلى آلية جديدة للمعالجة للحدِّ منها، وكل ما يتمُّ الحديث عنه لا يؤدِّي إلى نتائج جيدة، وأنَّ المطلوب أكثر من الموجود بين أيدينا».
لا يوجد رادع
على ضوء ذلك، أعادت المحافظة الكرّة من جديد، ووجَّهت الكتاب رقم 30292 ص11/ق بتاريخ 30/5/ 2010، إلى وزارة الإدارة المحلية، لضرورة معالجة ظاهرة الملصقات والكتابات على جدران وتصاوين المدينة، وضرورة إيجاد حلٍّ جذري لهذه المشكلة، وأنه بناء على اجتماع عقد في المحافظة لمناقشة هذا الموضوع، تبيَّن أنَّ الإجراءات المتَّخذة لا تشكِّل رادعاً لمنع استمرار هذه الظاهرة، وتقترح محافظة دمشق آلية جديدة لمعالجة هذه الظاهرة، حيث تمَّ التوصُّل إلى اقتراحات في محضر الاجتماع رقم 29475 تاريخ 24/5/2010، تتلخَّص في إصدار تعميم يجعل الغرامة على ملصق، وليس على جميع الملصقات مهما بلغ عددها، بالإضافة إلى أجور الإزالة، ووضع آلية لمعالجة الملصقات العائدة إلى جهات اعتبارية..
الواقع الحالي غير مقبول
التعامل مع الملصقات وأصحابها، أمر معقَّد للغاية، على اعتبار أنَّ المحافظة لا تستطيع أن تلاحق كلَّ المخالفين، فهناك مَن يكتب على الجدران، وهناك مَن يلصق الملصقات عليها، وهناك مَن يتسبَّب في تشويه المنظر الجمالي للمدينة بطرق مختلفة ومتعدِّدة، وهذا ما يساعد على عدم ضبط المخالفين.. معاون مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق، المهندس عمار سلامة، أكَّد أنَّ من الأسباب التي تجعل الإجراءات المُتَّخذة من قبل المحافظة لا تشكِّل رادعاً لمنع استمرار هذه الظاهرة، عدم سهولة الوصول إلى صاحب الإعلان ومعرفة الاسم الثلاثي، وعدم القدرة على معرفة مكان الإقامة، ليصار إلى إبلاغ المخالف وإنذاره أو تكليفه بالغرامات مع أجور الإزالة لاحقاً، حيث إنَّ أغلب الملصقات لاتجد فيها إلا رقم هاتف، وكذلك فإنَّ العقوبة المالية التي يتمُّ تحقيقها استناداً إلى القرار 84/م.د للعام 2008، هي 300 ل.س مهما بلغ عدد الملصقات، بالإضافة إلى أجور الإزالة.. بينما كان القرار 145/م.د للعام 1991 السابق، يغرِّم 500ل.س على كلِّ ملصق، ما يجعل الغرامات المترتِّبة رادعة، إضافة إلى أنه عندما يتمُّ تكليف المخالفين بالغرامات، لايعلم المخالف بأنه تمَّ اتخاذ إجراء بحقه، وربما لايعلم إلا بعد مرور سنوات، وغالباً تزول هذه المخالفات مع الزمن بفعل أحد مراسيم العفو.. وكذلك فإنَّ هنالك مخالفات، وهي كثيرة، لجهات اعتبارية مثل (سياحة، آثار، ثقافة، بيئة، أحزاب سياسية، منظمات شعبية...)، وهذه الجهات لايتمُّ اتخاذ أيُّ إجراء بحقها، وغالباً لا تتمُّ إزالة ملصقاتها.
القانون ينص.. ولكن!!
حظر الملصقات جاء ضمن قوانين محدَّدة، ولكن على ما يبدو أنَّ قضية التزام المواطن صعبة للغاية.. المهندس إياد الشمعة، مدير الخدمات الفنية في وزارة الإدارة المحلية، قال: «في قانون النظافة وجمالية الوحدات الإدارية، الفصل السادس منه، نصَّت المادة 29 على: منع لصق المنشورات والإعلانات والصور والبيانات والمطبوعات والأوراق وكتابتها وتعليقها على الأسوار وجدران الأبنية وجذوع الأشجار وجوانب الطرق العامة والساحات، وعلى النصب وقواعدها والمواقع الأثرية والتراثية ومراكز توزيع الطاقة الكهربائية وأعمدة الكهرباء والإنارة العامة والهاتف وعلب توزيعها، وعلى الإشارات الضوئية وإشارات السير ولوحات وشاخصات الدلالة على أسماء الوحدات والساحات والشوارع أينما وجدت.. ولكن- من أسف- نلاحظ عدم وجود ما يُشعِر بالالتزام بتنفيذ مضمون هذه المادة، وذلك من خلال ما يلاحظ في المدن من انتشار عشوائي وغير منظَّم للملصقات والإعلانات في العديد من الأماكن التي حدّدت في مضمون المادة 29، وتمَّ وضع غرامة مالية لكلِّ مَن يقوم بلصق الإعلانات في الاماكن غير المخصَّصة لها، تراوحت مابين 300 ل.س و1000 ل.س، وهذه الغرامة أقرَّها مجلس كلّ محافظة، وفي دمشق تمَّ اعتماد الغرامة 500 ل.س»..
ويضيف سلامة: «الصعوبة التي كانت تواجهنا هي في الملصق نفسه وطريقة لصقه على الجدران، لكن المشكلة الأكبر كانت أنه عندما كنا ننتهي من تنظيف شارع ما، نعود في اليوم التالي ونرى ملصقات جديدة مثل نعوات وإعلانات وغيرها، وهذا ما كان يشكِّل ردَّة فعل سلبية جداً».
ويتابع الشمعة: «عادة، كلُّ محافظة أو بلدية أو وحدة إدارية لديها لوحة إعلانية.. والذي يحصل، أنَّ الناس يلصقون الإعلانات بشكل عشوائي، ولايلتزمون، والمشكلة أنَّ العقوبات لاتُطبَّق إلا في نطاق ضيّق لايقمع هذه الظاهرة، وطلبنا المتابعة لهذه الظاهرة والتشدُّد في ذلك، وآخر تعميم كان منذ شهر ونصف، حيث طلبنا فيه مِن كلِّ المحافظات، ومن محافظة دمشق بالذات، تنظيم حملات لتنظيم لصق الملصقات والإعلانات».
مَن المسؤول؟
بين كلِّ ذلك، تبقى الحلقة المفقودة هي، مَن يتحمَّل المسؤولية؛ المواطن أم الحكومة؟، ولماذا إلى الآن لم تلاحظ تحرُّكات جدية تجاه المخالفين؟.. يقول المهندس إياد الشمعة: «المسؤولية تقع في عدم التقيُّد على المواطن والجهات المعنية في الوقت نفسه، والسبب من الطرفين، والأكثر تقع المسؤولية على المواطن، طالما أنَّ هناك أماكن مخصَّصة للصق الإعلانات، ونحن نقوم بتنظيم حملات نظافة، لكن معظم الناس لديهم سلوكات خاطئة، ولا يحترمون النظافة، فالأديان السماوية تحثُّ على النظافة، ولكن هناك حلقة مفقودة، ولا نريد أن ننكر أنَّ هناك شريحة تلتزم باحترم القوانين ولا تخالف، لكن الغالبية الأخرى التي تشكِّل ثلث المجتمع تقريباً، لا تلتزم، وينقصها التوعية، وهذا يلزم المزيد من حملات التوعية، وهناك شريحة طُبعت بروح المخالفة وعدم الالتزام بأيِّ قانون، وفي هذه الحال هناك ضرورة للتشدُّد أكثر.. بدأنا منذ شهرين بحملة التوعية، وكأننا نبدأ من الصفر ونسير مع وعي المواطن وتسليط الضوء على السلوكات الخاطئة والصحيحة، وفي كلِّ المحافظات السورية.. وبالنسبة إلى المخالفات، لم نوجِّه بشكل رسمي إلى عدم تنظيم مخالفات، ولكن أردنا أن تكون الفترة الأولى فترة تذكير وتوعية أكثر منها فترة مخالفات، ولكن في الفترة المقبلة خلال الشهر القادم تقريباً سنطلب التشدُّد وحشد كلِّ الطاقات لموضوع الغرامات والمخالفات، وتطبيق قانون النظافة بحذافيره»..
تشوُّه جمالي
المعالجة وإزالة كلِّ هذه المخالفات، وصفتها المحافظة بـ «الصعبة»، وليس من السهل التوصُّل إلى الحل، لأنَّ الأمر بحاجة إلى إعادة صياغة كاملة لآلية المعالجة، وهذا ما تصبو إليه المحافظة، فما الحل المناسب الآن؟.. المهندس الشمعة يقول: «إنَّ الحملة هي خطوة أولى، وإن سبقتها خطوات سابقة لكنها لم تستمر- من أسف-، لكن طموحنا من هذه الحملة هو الاستمرارية، سواء كانت توعوية أم توجيهية أم رادعة ضمن المخالفات التي وردت في القانون».. مضيفاً أنَّ: «الملصقات ظاهرة سيئة، وتشوِّه جمالية البلد وحضارته، ولكن ردع هذه الظاهرة سهل، فلا يوجد أيُّ إعلان يلصق إلا وعليه رقم هاتف، ويمكن من خلال هذا الرقم المتابعة وتطبيق الغرامة كما وردت في القانون.. فالأمر ليس من الصعب ضبطه، وهذه الظاهرة تلزمها المتابعة أكثر من ذلك». ونفى المهندس الشمعة وصول أيِّ اقتراحات لتطبيق آلية جديدة لملاحقة مَن يخالف من محافظة دمشق.
إلى وزارة الإدارة..
محافظة دمشق قدَّمت إلى الوزارة خطة من نوع جديد، وفي وجهة نظرها أن لا سبيل إلى الحل سوى طريقتها.. معاون مدير دوائر الخدمات في المحافظة، تقدَّم بخطة للمعالجة، تعتمد على إشراك فرع اتصالات دمشق وشركات الخليوي بالمعالجة التي تتمثَّل في أن تقوم المحافظة بالطلب من مديرية هاتف دمشق الحصول على مفصّل هوية وبيانات ومكان إقامة صاحب رقم الهاتف الذي تمَّ الحصول عليه من الإعلان، سواء خط أرضي أم موبايل.. وفي هذا الصدد بيَّن مدير هاتف دمشق إمكانية تلبية الطلب في حال تقدَّمت المحافظة بكتاب خطي، وتتمُّ موافاتها بكافة البيانات المطلوبة، سواء لخط أرضي أم موبايل.. والخطوة الثانية أن يتمَّ إرسال رسالة (SMS) على الرقم الخليوي للمخالف، تُعلم صاحب الرقم عن المخالفة المرتكبة والمطالبة بالغرامة المترتِّبة على ذلك، عن طريق إحدى شركات الخليوي.. أما الطريقة الثالثة، فهي في حال كان الرقم المذكور في الإعلان أرضياً، عندها يتمُّ إبلاغ فرع اتصالات دمشق برقم الهاتف، ليقوموا بدورهم بإبلاغ المشترك وفق إجراءاتهم الخاصة عن المخالفة المرتكبة، والمطالبة بالغرامة المترتِّبة على ذلك، تحت طائلة قطع الرقم الهاتفي إدارياً خلال فترة خمسة عشر يوماً من تاريخ التبليغ في حال عدم إحضاره براءة ذمة عن المخالفة من المحافظة.. وأما الوصفة الرابعة، فهي اقتراح استيفاء الغرامات عن طريق فاتورة الكهرباء (بعد اعتذار مدير الهاتف عن تحقّق الغرامات على فاتورة الهاتف لعدم إمكانية ذلك فنياً).
إضافة إلى ما سبق، بيَّن معاون مدير دوائر الخدمات، أنَّ اللوحات الموجودة في المدينة لا تتجاوز الـ5000 لوحة، وهي غير كافية، ولابدَّ من ضرورة زيادة عددها، ما يزيد من المساحات المخصَّصة للملصقات بكافة أشكالها.
يبقى..
تلك المقترحات وجَّهتها المحافظة ضمن كتاب رسمي روتيني إلى وزارة الإدارة المحلية، لتتكرَّم بوضع بصمتها عليها، وتصبح نافذة المفعول، وذلك في تاريخ 13/7/ 2010 ضمن الكتاب رقم 39080/ص11ق.. وحتى تاريخه، لم يرد إلى محافظة دمشق أيُّ توجيه في هذا الخصوص.
ريم الغبن
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد